فضاء الرأي

أنا ولجنة التحديد والتحرير (11)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

أمَّا طبقة ولي أمر مجتمعنا وجهلها بأهمية وضرورة الالتزام بالقضية لجميع الكرد دون استثناء، وخطورة إهمالها أو تغاضيها، لم يكن يعني بحد ذاته أنها ستكون حجر عثرة في طريق الحراك طوال الوقت، والدليل واضح؛ حيث كل الكرد مستهدفين من قبل المحتل، وغايته استبدال سَكَنَة الأرض ببني جلدته، وعليه مهما يكن هذا الآغا متعاوناً معه، فهو في النهاية كردي بقضه وقضيضه يجب التخلص منه، وعددهم ليس بالقليل حتى يتفاداهم؛ إجمالاً، يمكننا القول إن كل قرية كان لها آغاها، ويدرك المحتل هذا جيداً، ونظراً لهذا، كان من واجب الحراك إفهامه، أي الأغا، بما ينتظره مستقبلاً من قبل المحتلين، وكان هذا هو المطلوب من الحراك اتباعه، غير أنَّ سجلات تلك الفترة تشي بعكس المطلوب! واعتبار الحراك آغا شريكاً للسلطة كان خطأً ارتكبه، وأعتبرُه قصر النظر في تشخيص تعاون الأغا. صحيح أن منهم من كان متعاوناً؛ لكن مدعاة ذلك هو الجهل وليس التعميم، كما كان مروجاً يومئذٍ من جهة الحراك عن أولياء مجتمعنا.

مكشوف أن تغاضي السلطة عنهم في أول الأمر كان القصد منه حرمان الحراك من مصدره المالي، وما كان من الحراك أن تعامل مع هؤلاء بعداء؛ إنما كان يُراد منه بذل الجهد وسبل الإقناع في استمالتهم، لكي يتم التراص والتكاتف بين شرائح الشعب، حارماً المحتل من استمالتهم إليه. صحيح أنَّ المحتل بقوته المادية والسلطوية يسهل عليه ذلك؛ إلا أنَّ المستقبل القاتم الذي انتظرهم كان كافياً أن يكون الحجة المقنعة في الاستمالة، لا العكس الذي اتّبعه الحراك، فأحدث شرخاً في وحدة الشعب وتماسكه، كما تبين لاحقاً أنَّ الأغا لاقى المصير المتوقع له من قبل المحتل، وخير دليل عليه لجنة الاستيلاء التي تحدثنا عنها وعن فظاظتها غير المبررة. ونظراً لهذا، معاداتها وأمثالها في مثل تلك الأوقات يعدها الكفاح التحرري من كبائر الأخطاء ومن الأخطاء القاتلة.

لو شخصّنا بلمحة سريعة على ما نحن عليه الآن من زاوية استدامة رواسب الماضي فينا؛ لوجدنا بكل جلاء أنها موجودة، ولكن برداء عصرنا. لا ننكر أن الكثير من الماضي صار في خبر كان، غير أن ما بقي منه يعيق تخطي العديد من الخطوات الضرورية. ربما لا يعلم البعض أن 42 مستوطنة توسعت لتتجاوز اليوم قرابة مئتي مستوطنة أو مزرعة، إلى جانب العشرات من المزارع والفيلات الملحقة بمشاريع متنوعة، ضمن الأراضي التي تم الاستيلاء عليها بالطرق التي أتينا على ذكرها في الحلقات السابقة، بل وفي مقالات أخرى نشرتها في الماضي. كما أسلفت هذا المقال مجاله في هذا الإطار ضيق، قد أعود إليه لاحقا، إذا أسعفني الوقت، فأكتفي بأن أنوه أن رواسب ذاك الماضي الذي لم نجنِ منه سوى استفراغ الأرض، وتهجيرنا القسري مشفوعاً باستقدام من يحتل أرضنا من بني السلطة. وهكذا كررنا كوردستان الحمراء ثانية، ونحن نلقي اللوم على الظروف ونكث الغير لوعوده المقطوعة لنا! فالضعيف من قابليته إيجاد المبررات لفشله.

هذا قدرنا الذي جنيناه بأيدينا بسبب شح المعرفة بما يجب معرفته من طرق الكفاح لأجل التحرر، والعلة الكامنة برسوخ منقطع النظير في أذهاننا هي أننا متيقنون أن معرفتنا الحالية بخصوص مجهودنا التحرري تامة بما فيه الكفاية. وتاريخ نضالنا التحرري الذي فاق قرنين ويزيد، ونحن ما زلنا نكابد الفشل تلو الآخر. والسؤال هنا: إلى متى سنظل على هذه الشاكلة؟ وكثيراً ما يخطر على بالي السؤال التالي: متى سنعرف ذاتنا وأعداءنا بالشكل المطلوب؟ فالذي يجهل نفسه وعدوه فالفشل رفيقه.

يبدو أن أسبوع لجنة الاستيلاء، التي كنت حينها ملازماً إياها بتكليف من العائلة، تركَتْ فيّ آثاراً، يصعب عليّ نسيانها، فبين فينة وأخرى تراودني ذكراها، وعلى إثْرِهَا تنتابني موجة من الألم مؤدّاها قلّة حيلتي السياسية حينها. ويؤنّبني ضميري على عزوفي عن مواجهتها رغم سني العشرين عاماً. ومن جهة أخرى، يشعرني إحساسي أن المواجهة لم تكن لتأتي بشيء إن حدثت. وكذلك أحس بالندم على متابعتهم أثناء رسمهم الخرائط بالدقة، ومناقشتهم بهدوء على التقارير التي كانوا يحررونها يومياً.

كنت والأخوة من أهل القرية نقدم لهم، من باب كرم الضيافة، ما كان بإمكاننا من الخدمات طوال بقائهم. وأذكر أنني لمرتين، ومن دون علم الوالد، استجبت لطلبهم الداعي ابتياع صناديق من الجعة وقناني من العرق، بعد إلحاح شديد من بعض أعضائها، من المرجّح كان الإلحاح من رئيس اللجنة ذاته. مع استجابتي لما طلبوه ظلت وجوههم جاهمة كالحة، وفي المرتين رافقني بسيارتهم شاب منهم كان لطيفاً، وقد ذكرته في إحدى حلقات هذه السلسلة.

أعتقد لو أنني واجهتم ربما لأدّت بي المواجهة إلى أقبية رجال الأمن، وفي أفضل الأحوال إلى المبيت بين جدران السجون. فالأقبية الأمنية والسجون كانتا السمة البارزة لسلطة البعث. يا ما عانى قادة حراكنا السياسي من هول تلك الأقبية. والحق يقال إنَّ قادة حراكنا كانوا من رواد تلك الأقبية والسجون، لم يجنِ نشاطهم آنذاك أي مكسب سياسي أو حتى حقوقي لقضيتنا؛ حيث أجواء الحرب الباردة في ذروتها، وقلة معرفة القادة بالعمل في ظل نظام شمولي، معروف منذ البداية لدى أحرار ومناضلي جملة من الشعوب، ناهيكم عن الدراسات المستفاضة عن هذا النظام من قبل الباحثين والدارسين في الغرب، وكذلك من ضمنهم معارضي المنظومة الشرقية بقيادة الاتحاد السوفيتي...

يتبع...

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (1)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (2)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (3)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (4)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (5)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (6)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (7)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (8)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (9)

إقرأ أيضاً: أنا ولجنة التحديد والتحرير (10)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف