زملاء المهنة!
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
لا أصدق أنّه ما زال هناك أشخاص ليس لديهم أي مشكلة في أن يتنازلوا عن أي شيء لقاء أن يحظوا بالمكانة وبالمنصب الذي يخططون للفوز به مهما كلفهم ذلك من إهانة لكرامتهم، وهذا كل ما يبحثون عنه لجهة الوصول إلى المجد الذي يسعون وينتظرون الفوز بنيل قصب السبق مهما قيل بحقهم!.
لن أدخل بالعموميات، وسأشير إلى الوقائع وإن كانت جارحة وبلا استحياء.
زميل صحافي، سبق له أن شغل إدارة مكتب صحيفة محلية في مدينة سورية لسنوات بعد أن كان يشغله زميل له مكانته وسمعته، قبل رحيله إلى الرفيق الأعلى، وبغيابه ترك أثراً كبيراً في قلوب كل من عرفه والتقاه. يكفي أنّه كان أديباً ومثقفاً كبيراً وقارئا نهماً، وإن كان يشكو إصابة بليغة في ساقه فرضت عليه مع الولادة، إلّا أنّه، والحق يُقال، كان متفهماً وذكياً، وجديراً بالمكانة التي كان يشغلها لا سيما أنها مجبولة في عقله ووجدانه وفي ضميره.
وبعد مضي سنوات من تأسيسه مكتباً للصحيفة، ودعوته إلى العمل الكثير من الشباب المهتمين والراغبين في العمل الصحافي، فوجئ الزملاء وبأمر من المدير العام للدار، وبعد فترة زمنية من تأسيس المكتب ونجاحه، بإزالته من العمل بدون مبرّر، وكلف بإدارة المكتب زميل آخر كان يعمل معلماً في إحدى قرى القريبة من مركز المدينة، وزميلنا الجديد كان من الزملاء الكثر المنضوين تحت إدارة المرحوم زميلنا الراحل الذي كان يكلفه بالسفر إلى دمشق، وتبعد أكثر من 550 كيلومتراً عن المدينة التي يقيمون فيها، ناهيك بتكاليف السفر ونفقاته والأرق والجهد الذي يواجهه، وكان يُنفّذ ما يُطلب منه دون تردد، أما بقية الزملاء، فكانوا دائماً يعتذرون عن القيام بتنفيذ أمثال هذه المهمة، خاصة وأنها خارج المدينة.
وأمثال هذه المهمات كانت من أجل إيصال رسالة صحفية أو خدمية، أو توجيه خاص، أو لأجل إرسال هدية ما لقاء نشر مادة صحفية، وهذا ما كان معمولاً به في حينه، وإلّا سيكون مصير المادة الصحفية المرسلة طريقها إلى سلة المهملات!
واستمر الحال على ما هو عليه سنوات، وبعدها فوجئ الزملاء المراسلون في المكتب بتكليف أحدهم بإدارة المكتب بدلاً عن الزميل الراحل، وهو صراحة كان عاجزاً تماماً عن القيام بهذا الدور، بالرغم من أنّه كان يعمل كمراسل في المكتب طوال سنوات، وبدون أجر شهري، وأغلب الزملاء المراسلين في مكتب الصحيفة يملكون الخبرة في المجال الصحفي، وهم أجدر منه وبكثير.
قبل استلام الزميل الجديد إدارة مكتب الصحيفة كانت توجيهات المدير العام تؤكد أن أي مادة صحفية، وقبل إرسالها إلى قسم المراسلين بدمشق، يلزم ختمها والتوقيع عليها ومشاهدتها، ومن بعد ذلك إرسالها، وإن كانت أمثال هذه الإجراءات شكلية لا قيمة لها، إلا أنها كانت أكثر ما تغيض الزملاء المراسلين، وإذا لم تؤشر وتختم من قبل مدير المكتب يصار إلى إرسالها إلى قسم المراسلين يعني عدم نشرها، وبالتالي تعاد إلى المكتب من جديد لتدقيقها والعمل على ختمها وإرسالها مجدداً إلى المصدر، وهكذا.
هذه المواقف كثيراً ما كانت تثير الشباب المراسلين، وهم خريجو صحافة، وكثير منهم من كان يملك الإمكانية والخبرة والرغبة وحب العمل، وليس الهدف مادياً بقدر ما هو التعلّق بالمهنة التي لها شأنها في المجتمع ومعرفة الناس والتعرّف عليهم عن كثب.
إقرأ أيضاً: العجيلي... أيقونة فراتية خالدة
في الواقع زميلنا الجديد لم يكن قادراً على إعداد رسالة من عشرة أسطر. أي أنَّ إمكاناته ضحلة جداً، وبالرغم من ذلك، استمر في إدارة مكتب الصحيفة لسنوات وسنوات.
كان زميلنا الميمون أكثر ما يهتم بحضور مآتم العزاء، وهو أكثر ما كان يشغله، ليتعرف إلى الناس، ويتعرفون عليه، فضلاً عن أنه، وهذا ما كنا نلاحظه، وبمجرد مرور أي صديق، أو مدير دائرة أو مؤسسة حكومية من أمام باب مكتبه في المجمع الحكومي، حيث يقيم، وبمجرد أن يلمحه تراه يقفز من خلف مكتبه، ويسرع في اللحاق به لأجل السلام عليه و"تبويسه"، وهذه عادة درج عليها الزميل لأجل كسب ود الناس، وكسر حاجز ثقيل بينه وبينهم!
في السنوات الأخيرة، رشّح الزميل لأجل كسب مقعد في مجلس الشعب، ولم ينل الفوز بعضويته، كما رشّح كعضو في مجالس الإدارة المحلية في إحدى المدن السورية، وحالفه الحظ للفوز بمقعدها وهو الآن يشغل أمين سر المحافظة. وبعد كل هذه الجولات تمكّن من الفوز بالكرسي الذي كان بالنسبة له حلم وردي أثار في الواقع نظر الناس إلى هذه الشخصية غير الجديرة بشغل هذه المكانة التي صار يشغلها سنوات، وما زال متشبثاً بها، وإلى اليوم.
إقرأ أيضاً: "السِلْفُ" وأحاديثه الساخنة!
في سورية، هكذا يعيّن الأشخاص غير الجديرين بالمكانة المرسومة لهم، وإن خدمهم الحظ بحمل شهادات جامعية مدفوع لقاء الحصول عليها.
أمثال هؤلاء وغيرهم ممن يتملقون ويتزلفون ليصبحوا أكثر تأثيراً وجاذبية ومحبّة من قبل المدراء ورجال الأمن والمسؤولين ليكسبوا رضاهم، وهم في حقيقة الأمر لا يستحقون أي مكانة وظيفية، وإن كانت من الدرجة العاشرة!
أمثال هؤلاء يجب أن يكونوا خارج أسوار المناصب التي يجب أن يشغلها أناس لهم وزنهم وكياستهم في المجتمع، وهم لا يستحقون منا كلمة وفاء أو ترحيب واهتمام.