العبرة في الخاتمة
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
"آخرە باخ" هو قول تركماني مأثور يعني حرفيًا "أنظر للنهاية"، ولكن ترجمته الواقعية والمعبرة، في نظري، هي "العبرة في الخاتمة". سمعت هذا القول عندما كنت أعيش في مدينة السعدية بمحافظة ديالى، حيث كان العرب والكرد والتركمان يتعايشون معًا بسلام. تذكرت هذا القول وأنا أتابع الأحداث والتطورات الدراماتيكية بين طهران وتل أبيب، التي يمكن في بعض الأحيان تشبيهها بخطر داهم قد يحرق الأخضر واليابس، وأحيانًا أخرى أشبه بلعبة مثيرة للسخرية وكأنها جولات مصارعة أو ملاكمة متفق على نتائجها مسبقًا. ولكن مهما كانت التحليلات ووجهات النظر المختلفة بشأن هذه المواجهة المتباينة في توجهاتها وتفسيراتها، فإنَّ العبرة لا يمكن أن تُستخلص إلا في خواتيمها.
في الحروب التي خاضتها الدول العربية ضد إسرائيل منذ تأسيسها عام 1948، وحتى حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، أي ما يقارب الأربعين عامًا، التي انتهت أخيرًا بتوقيع اتفاق كامب ديفيد وما أعقبه من اتفاقات أخرى بين إسرائيل والأردن ولبنان، إلى جانب اتفاق أوسلو بين منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل، لم يكن هناك أي اتفاق ضمني على تجنب القيام بأعمال عسكرية معينة، فقد كانت حربًا مفتوحة وضارية.
ورغم أنَّ الحرب بين الدول العربية وإسرائيل لم يُعقد لها بعد اتفاق سلام نهائي، إلا أنها، وكما يبدو، قد انتهت بشكل أو بآخر، والأنظار الآن تتجه نحو سلام نهائي بين الطرفين قد يُعقد في المستقبل القريب.
أمَّا الثورة الإيرانية، التي أسفرت عن تأسيس نظام ثيوقراطي فريد من نوعه، فقد اتبعت منذ البداية نهجًا مغايرًا تمامًا لما انتهت به الدول العربية، ولا سيما بعد دعوة مؤسس النظام إلى إزالة إسرائيل من الوجود. ولكن المثير في الأمر أنَّ الحروب بالوكالة التي شنها النظام الإيراني من خلال وكلائه في لبنان وغزة، تبدو الآن في طريقها لأن يحل الأصيل محل الوكيل. والأهم من ذلك، هناك ما يوحي بأن هذه المواجهة في طريقها إلى الحسم، وهذا الحسم قد يكون باتفاق يميل لصالح إسرائيل، إذ يعلم المرشد الأعلى علي خامنئي جيدًا أنَّ الإصرار على استمرار المواجهة يعني أنه سيواجه مصير أي ديكتاتور يصر على عناده.
إقرأ أيضاً: بيت خامنئي من زجاج
هناك تشابه ملفت بين الفترة التي استغرقتها الدول العربية في مواجهة إسرائيل، والفترة التي أمضاها نظام ولاية الفقيه في مواجهتهما، والتي تصل إلى حدود الأربعة عقود. ولكن المثير للسخرية أنه وبعد الهجمة الأخيرة التي نفذها النظام الإيراني بمئتي صاروخ، اختار أهدافًا محددة لا تصل إلى الخطوط الحمراء الإسرائيلية، وأبلغ كلًا من موسكو وواشنطن قبل الشروع بها. كما تسربت معلومات تفيد بأن تل أبيب ستراعي من جانبها عدم استهداف أهداف تتجاوز الخطوط الحمراء الإيرانية المتعلقة بالبرنامج النووي والمنشآت النفطية وجزيرة خرج، التي تعتبر الشريان الأبهر للنظام الإيراني لأنها تصدر النفط منها. كما ستحجم عن استهداف خامنئي أو شخصيات قيادية بارزة أخرى.
إقرأ أيضاً: إلا "إيلاف" العمير*
هذا السياق التوافقي الذي يشرف عليه الرئيس الأميركي جو بايدن، كآخر خدمة يمكن أن يقدمها للنظام الإيراني، قد يمنح النظام الإيراني قبلة الحياة، ويمنحه الأمل مجددًا للعودة إلى سابق عهده. ومع ذلك، إذا تطورت الأمور وتجاوزت الحدود المألوفة، فإنَّ النظام الإيراني ليس في مستوى إسرائيل عسكريًا، كما أن وكلاءه والدول التي يتواجدون فيها ليست مؤهلة لخوض حرب ضارية. في النهاية، الوضع الحالي قد يكون فرصة ثمينة لإزالة الورم السرطاني الذي يمثله نظام ولاية الفقيه من المنطقة، وإن عدم استغلالها سيجلب الندم، ولا ينفع الندم حينها!