جاءت عملية اغتيال إسماعيل هنية في طهران لترکز الأنظار أكثر على عمليات الاغتيال النوعية السابقة التي استهدفت وجوهاً وشخصيات رفيعة المستوى في النظام الإيراني، مثل العالم النووي محسن فخري زاده والقيادي البارز في الحرس الثوري محمد رضا زاهدي. وتثير هذه العمليات أكثر من تساؤل على أكثر من صعيد واتجاه.

اغتيال هنية أعاد أيضًا إلى الأذهان استيلاء إسرائيل على نصف طن من الوثائق المتعلقة بالبرنامج النووي الإيراني. ولا ريب في أن النظام الإيراني، ومهما حاول أن يقدم من تفسيرات أو آراء عما جرى لهنية، لن تكون مقنعة كسابقاتها، ولا سيما أنه يسعى للحفاظ على ماء وجهه الذي أريق أكثر من مرة أمام العالم كله.

نظرية المؤامرة التي يهتم بها النظام الإيراني كثيرًا، ويستعين بها في تفسير الحالات والأمور التي تصيبه بالدوار من جراء كونها قد جرت على حين غرة وتجاوزت الحدود والأرقام في دقتها، لم تعد كافية بل ولم تعد تنطلي على الأوساط السياسية والإعلامية التي تتابع مجريات الأمور في إيران عن كثب. إذ أنَّ نظرية المؤامرة لن تكفي، ولن تكون مقنعة في الحالات الاستثنائية، وخصوصًا إذا تكررت لأكثر من مرة (وقد حدث هذا ويحدث)، مما يدفع بعلي خامنئي، المعني أكثر من غيره بأن يشد الحبل على أجهزته عمومًا وعلى الحرس الثوري ووزارة الاستخبارات خصوصًا، لطرح تفسيرات تتجاوز حدود السطحية والضبابية.

إقرأ أيضاً: الدولة الفلسطينية قبلة الحياة لإسرائيل

اغتيال هنية في طهران، وفي ذروة تأزم الأوضاع بين إسرائيل وحزب الله واحتمال اندلاع الحرب بين الطرفين، ليس مجرد حادث عرضي، بل إنه أكبر وأعمق من ذلك بكثير، ويضع على النظام الإيراني نفسه علامة استفهام كبرى. فهكذا حادثة غير عادية بالمرة لا يمكن تفسيرها إلا بأمرين؛ الأول: أن هناك اختراقًا على مستوى عالٍ في الأجهزة الأمنية الحساسة، أو أن هناك صفقة تجعل الأمور من بعدها تسير بسياق لا يسمح بوصول كرة النار إلى حضن خامنئي.

إقرأ أيضاً: تجربتي مع المسرح

لكن، الأهم من ذلك أنَّ التفسير لحادثة الاغتيال هذه، ومهما كان قويًا بل وحتى إذا أقنع العالم بلغة الأدلة والأرقام، سيكون ناقصاً ما لم يستتبع برد إيراني بحت وليس عبر وكلاء النظام في بلدان المنطقة التي باتت تضيق بهذا النظام ذرعًا. وهذا الرد، إن كان في مستوى الرد على عملية استهداف زاهدي (وكل التقديرات لا يمكن أن تذهب أبعد من ذلك)، فإنَّ النظام الإيراني سيثبت عمليًا أنه ليس قويًا ومنيعًا كما ادعى ويدعي، ولا يتعدى كونه نمرًا من ورق داخل بيت من الزجاج!