أول مرة سمعت عن موقع "إيلاف" الإلکتروني، کان على لسان الروائي الکردي المعروف بختيار علي، عندما زارنا في عام 2004، في صحيفة Payama Kurd الأسبوعية التي کانت تصدر باللغة الکردية وقتئذ في مدينة بون بألمانيا، وکنت نائباً لرئيس تحريرها، واقترح علينا أن نجعل من موقع "إيلاف" مصدراً للحصول على الأخبار باعتبارها سباقة في هذا الميدان.

عندما تصفحت "إيلاف"، فوجئت بأن رئيس تحريرها هو عثمان العمير، رئيس تحرير صحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية سابقاً، والرجل أشهر من نار على علم. يومها، کانت الصحافة الورقية ما زالت تمتلك بريقها ولم تفقده کما هو الحال الآن، وقد تصورت أنَّ العمير يجازف بسمعته وماضيه العريق في مجال الصحافة الورقية. لکنني وبعد أشهر من تعودي على "إيلاف" وشغفي بها، وجدت نفسي مندفعاً للکتابة فيها، لا سيَّما لناحية مساحة الحرية المتاحة فيها، وذلك ما جرى في 30 كانون الثاني (يناير) 2005، حيث نشرت أول مقال لي في "إيلاف"، ويومها کنت لا أزال أعيش في أطر المحظور والمحذور الکتابة فيه کما کان الحال معي في الفترة التي عملت فيها کمحرر في صحيفة "برايتي" (خبات حاليا) اليومية الصادرة في أربيل. والحق يجب أن أقول إنَّ تجربتي مع المحظور والمحذور کتابته وتناوله أقدم بکثير من عملي في صحيفة "برايتي"، وتعود إلى أواسط السبعينيات من الألفية الماضية، أي أيام حکم حزب البعث. حينها کانت الکتابة باستخدام الرموز والإيحاءات الضمنية هي السائدة.

في "إيلاف"، شعرت وکأنني طائر کان حبيس قفص صغير لعقود عجاف، فانطلق على حين غرة في فضاءات "إيلاف" اللامتناهية وکأنه يسابق الزمن ويتسامى عن المکان، وکتبت في "إيلاف" ما لم أکتبه وأتناوله في أي صحيفة أو موقع آخر، لا سيما عندما وجدت أنني، وبفضل "إيلاف"، إضافة إلى تواصلي مع أصدقاء ومعارف کانت علاقتي قد انقطعت بهم منذ أمد بعيد، توفرت لي فرص التواصل مع وسائل الإعلام العربية أيضاً، وزاد تعلقي بصحيفة "إيلاف"، خصوصاً بعد أن عملت کمراسل ومتعاون صحفي فيها لبضعة أعوام، وکتبت تحقيقات ولقاءات صحفية متنوعة. والذي أبهرني إن "إيلاف" لم تبقَ على حال، بل کانت في سباق مع الزمن وتعشق التغيير بصورة غير عادية، خصوصاً بعد "إيلاف ديجتال"، التي کانت تجربة مميزة وملفتة للنظر. وعاماً بعد عام، صارت "إيلاف" تبدو کسفينة تمخر ليس في عباب البحار والمحيطات، وإنما في الفضاء وهي تزداد ازدهاراً وتألقاً وکأنها حقاً في سباق غريب من نوعه مع الزمن، مع ملاحظة أنَّ هناك الکثير من المواقع التي تأسست قبل أو مع أو بعد "إيلاف"، لکن لم يبلغ أي موقع منها ما حظيت "إيلاف" وتحظى به من متابعة، وما لها من صدى وانعکاس على مختلف الأصعدة. والجدير بالذکر والملاحظة هنا، أنَّ "إيلاف"، وإن کانت مشبعة بالطابع السياسي، لکنها مضت تتألق في تناول المسائل العلمية والفنية والأدبية وغيرها، مما وسَّع من مساحة متابعيها، وجعلها محط اهتمام أکبر في العالم العربي. وإضافة إلى کل ما سبق ذکره، فإنَّ هناك ملاحظة مهمة وهي أنَّ ما يکتب من مقالات رأي في "إيلاف"، لا سيما تلك التي تتطرق إلى مواضيع حساسة وتکاد أن تکون رسالة موجهة إلى دولة أو حکومة ما، فإنها وعلى الأغلب تصل، إذ أن "إيلاف"، بحکم رصانتها وحرفيتها، لن يذهب ما يُکتب فيها هدراً!

في کل عام، يخرج لنا العمير بجديد في "إيلافه"، فيتلقفه متصفحو "إيلاف" بکل شوق وشغف، وجديد العمير أغنية تطرب النفس من الوهلة الأولى أيما طرب، حتى يخال المرء أنها الأغنية الأکثر طرباً وليس بعدها من أغنية، ولکن وفي العام الذي يليه، يباغتنا العمير بأمر آخر جديد کأغنية جديدة، حتى وکأن لا نهاية لهذه الأغاني؛ وهکذا کانت وستبقى "إيلاف"، إحدى أهم المواقع العربية الإلکترونية وأکثرها قوة وجرأة ومتابعة. وعلى مر العقدين المنصرمين، ظهر عدد لا يحصى من المواقع الإلکترونية العربية، ثم مضى واندرس أثر عدد لا يستهان به منها، کما تأسست أخرى، لکنها کلها تأتي وتمر کأسراب طيور مهاجرة، إلا "إيلاف" العمير، تبقى في الخاطر وتأبى مغادرته.
* مستوحى من قصيدة للشاعر العراقي سعدي يوسف يقول فيها: "کل الأغاني انتهت إلا أغاني الناس... والصوت لو يشترى ما تشتريه الناس... عمداً نسيت الذي بيني وبين الناس... منهم أنا مثلهم والصوت منهم عاد"