سوريا وضرورة الحراك
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تقف سوريا عند مفترق طرق حرج ومستقبلها معلق في الميزان مع خروجها من أكثر من عقد من الحرب والدمار والشلل السياسي. رحل بشار الأسد مخلّفاً وراءه دماراً في النفوس وعلى الأرض وتحت الأرض، تاركاً ندوباً للنسيج الاجتماعي والنفسية الجماعية خلّفها القمع لنظامه، مع التآكل المنهجي للثقة بين المجتمعات، وخيبة الأمل الناتجة عن ذلك.
ومع بدء سوريا عملية التعافي الطويلة والمؤلمة، يتخلّلها صور متلاحقة في الذاكرة لآلاف المساجين المعذَّبين وفرح تحريرهم وإنهاء معاناتهم، ومع احتفال السوريين بانتهاء حقبة مضطربة وبدء عهد جديد، نشأت لدى كثيرين مخاوف جديدة وأسئلة تنتظر أجوبة وتطمينات؛ هل مستقبل البلاد مهدد بسبب صعود الجماعات ذات الإيديولوجيات الجهادية الإسلامية التي يلقي وجودها بظلال طويلة على آمال المجتمع السلمي والتعددي؟ أم أنه من المبكر الحكم على مستقبل سوريا الآن؟
في أعقاب حكم الأسد العنيف والاستبدادي، تواجه سوريا تحولاً مهماً مع ملء جماعات المعارضة للفراغ في السلطة يرأسهم الجولاني من هيئة تحرير الشام المصنفة على لوائح الإرهاب، مع شعور الفرح والنصر؛ يشعر كثيرون بالقلق إزاء الاتجاه الإيديولوجي الذي قد يشكل مستقبل سوريا. ولا يشكل هذا التحول المحتمل نحو التشدد الإسلامي خطراً سياسياً فحسب، بل إنه خطر وجودي لمستقبل سوريا كمجتمع متنوع.
بالنسبة إلى السوريين، وخاصة أولئك الذين حلموا ذات يوم بدولة ديمقراطية شاملة، فإن هذا الواقع الجديد مفرح بزوال النظام الذي عمل على استنقاع وتجميد العمل المدني والحراك الثقافي، ومقلق بذات الوقت حيث يلوح خطر أسلمة سوريا في الأفق، ومعه احتمالات مستقبل يتجاهل التنوع الثقافي والديني الغني في البلاد. كانت سوريا دائماً مفترق طرق للحضارات، وموطناً لمجموعة من الأعراق والأديان التي تعايشت لقرون من الزمان، ولا نريد كسوريين أن يصبح هذا الإرث من التعددية تحت التهديد. وفي حين أن مجموعات مثل هيئة تحرير الشام قد تشكل تحدياً، فإن المشهد السياسي لا يزال متقلباً ومن السابق لأوانه استخلاص استنتاجات حاسمة حول الاتجاه المستقبلي لسوريا.
في إشارة إلى الدور المتغير لهيئة تحرير الشام والجولاني، فقد شهدت هيئة تحرير الشام، بقيادة الجولاني، تحولات أيديولوجية وسياسية كبيرة في السنوات الأخيرة، وقد يشير هذا النهج الپراجماتي إلى أن هيئة تحرير الشام قد تعطي الأولوية لتأمين موقعها في سوريا بدلاً من الدفع نحو أسلمة البلاد بأكملها، مع هذا، فهي تحت المجهر العالمي ورصد سلوكها مع المكونات المتنوعة. هناك سبب آخر يجعل من السابق لأوانه الحكم على مستقبل سوريا وهو التنوع المهم داخل المعارضة السورية وضمن المجتمع السوري، بما في ذلك القوميون العلمانيون، والإسلاميون المعتدلون، والقوات الكردية، وغيرها من الجماعات العرقية والدينية، فلطالما دافعت هذه الفصائل عن سوريا علمانية وديمقراطية وشاملة.
إقرأ أيضاً: الهوية وإشكالية العروبة
في هذه المرحلة، يتعين على الشعب السوري أن يتّحد لتأكيد رؤيته لمستقبل البلاد، وهي الرؤية التي تتجاوز تطرف الأسد سابقاً والفصائل الجهادية. وما تحتاج إليه سوريا اليوم على وجه السرعة ليس مجرد تغيير في القيادة، بل حركة ثقافية وسياسية عميقة تجسد تطلعات مواطنيها إلى مجتمع عادل وعلماني وشامل. وهذه ليست مجرد دعوة للإصلاح؛ بل إنها مطلب لهوية سورية جديدة، هوية تحترم تنوع شعبها وتضمن الحقوق الأساسية لجميع المواطنين بغض النظر عن عرقهم أو دينهم.
يتعين على السوريين أن يظلوا يقظين ضد صعود الإسلاموية، وفي حال ظهرت أي علامات على الأسلمة أو فرض أجندة ثيوقراطية، يجب أن يكون السوريون مستعدين للتعبئة واستعادة الحراك؛ أنْ يتحدوا للمطالبة بإنشاء دولة مدنية علمانية تقدّر الحرية وحقوق الإنسان والعدالة. ويتعين على المجتمع المدني، وخاصة المنظمات غير الحكومية والمثقفين وقادة المجتمع من نُخَب وتنويريين، أن يتحملوا مسؤولية تعزيز الحوار والتعليم، ورفع مستوى الوعي بضرورة الانخراط في الحراك وعملية التغيير لرفض فكرة مفادها أن مستقبل سوريا يمكن أن تحدده الأيديولوجية الضيقة لأي مجموعة واحدة، سواء كانت نهج النظام السابق أو الفصائل الجهادية. إن الدعوة إلى دولة عَلمانية ليست هجوماً على الدين، بل هي دفاع عن تقاليد التفاهم والتعايش التي ورثتها سوريا منذ أمد بعيد وتحقيقاً للعدل والمساواة.
إقرأ أيضاً: طموحات إيران وإسرائيل وما وراء البُعد الفلسطيني
علاوة على ذلك، فإنَّ المجتمع الدولي لديه دور يلعبه، يجب أن يدعم السوريين في سعيهم إلى مستقبل ديمقراطي وعَلماني، ومحاسبة أولئك الذين يواصلون تقويض النسيج الاجتماعي والسياسي في سوريا. هذه ليست مسألة تدخل، بل دعم أخلاقي وسياسي لحق الشعب السوري في تقرير مصيره. فلا يريد السوريون شكلاً آخر من أشكال الطغيان؛ لا يريدون دكتاتورية أخرى. إنَّ التجربة الدينية أثبتت وتثبت فشلها كل يوم وهي الجحيم الذي لا يقل عن جحيم الدكتاتوريات السياسية. المطلوب دولة عَلمانية ديمقراطية ترفع راية الوطن وليس راية الدين. الدين موجود في أماكن العبادة وليس في الدساتير، وليس في الأعلام، وليس في سياسات الدولة.
إننا نريد ونأمل أن فصائل المعارضة هذه تريد إعادة بناء دولة علمانية تحترم تنوّع شعبنا وتكون فيها سوريا للسوريين، وعليه، فسنعمل معاً جميعاً من أجل هذا جنباً إلى جنب. أما إذا كان الهدف أسلمة البلاد، فستضطرون الشعب لثورة جديدة والمواجهة للدفاع عن الهوية التعددية لسوريا، وسيبدأ حراك جديد لاستعادة سوريا وأبنائها تتحالف فيه ليس فقط القوى العلمانية، بل وأيضاً المسلمين المعتدلين الذين يرفضون التطرف ويريدون الحفاظ على وحدة سوريا.
إقرأ أيضاً: ضوء على العلمانية
الثورة تنتهي عندما يتحقق الأمن والازدهار الثقافي والاقتصادي وكتابة دستور يحقق الحريات ويحترم جميع المكونات وطقوسهم ونمط حياتهم. في سوريا مسلمون ومسيحيون واسماعيليون ودروز وإيزيديون وكرد وأرمن وشركس وتركمان ومن كل المكونات يرفضون قيام دولة دينية، وسيخرجون للمواجهة لتحديد مصيرهم الثقافي والسياسي والهوياتي.
في مواجهة الشدائد، يجب على السوريين أن يظلوا ثابتين في التزامهم بمستقبل سلمي وشامل. قد يكون الطريق أمام السوريين صعباً، والتحديات هائلة، لكن بقاء روح سوريا - تراثها الثقافي الغني، وتعدديتها، ورؤيتها لمجتمع مدني علماني - يعتمد عليها. لن يتشكل مستقبل سوريا بأهواء أي رجل أو مجموعة، بل بالإرادة الجماعية لشعبها العازم على إعادة بناء بلد يحترم الحرية والكرامة وحقوق جميع مواطنيه. ربما من السذاجة التفاؤل الكامل، ولكن أيضاً من الغباء الاستسلام للمخاوف وعدم فعل شيء؛ الآن هو وقت العمل.
التعليقات
لاامان للاسلامي
كاميران محمود -على من يريدون لسوريا الخارجة من تظافر وحشيتي عصابة الاسد ومسودة ايران ان تتجنب الأسلمة أو فرض أجندة ثيوقراطية عليها، ((عدم انتظار)) ظهور بوادر او علامات في ذلك الاتجاه، بل البدء في تدمير المخطط منذ اليوم، عن طريق (ولان السلاح متوفر) قتل من يجاهر بان الدولة القادمة سيستنبط دستورها من الشريعة الاسلامية وبان لامكان فيها للاديني, وللفكر والابداع الذين ينتجهما، ولانه غير مؤهل اصلا لادارة التنوع السوري المغدور، التنوع الذي يمكن ان يغني سوريا ويرتقي بها لنسخة مكبرة من لبنان (قبل كارثة الحرب الاهلية) في حال اختيار دستور علماني للدولة الجديدة.
Free Syria
جان صالح -مقال ممتاز ومفيد جدا للسوريين لرفض الاسلام السياسي وفرض الشريعة داخل الدولة .حان وقت الثورة البيضاء لاجل سوريا مدنية ديمقراطية
نعم للعلمانية
Jalil chnaiker -مقال الدكتورة ريم يمكن تصنيفه من الدرجة الأولى، فيه الخلاص لوطن يتخبط منذ استقلاله عن فرنسا ١٩٤٦، منذ ذلك الحين لم تعرف الحكومات المتعاقبة بناء وطن للجميع على قدم المساواة في الحفوق والواجبات على أساس الاعلان العالمي لحفوق الإنسان ، ابقوا المجتمع طوائف ومذاهب متصارعة تارة وهامدة تارة اخرى، لم يصبغوا دستور علماني يفصل الدين عن الحكم وليس عن المجتمع، العلمانية ليست ضد الاديان ، مقال الدكتورة بلسم يصلح للمجتمعات المتعددة مثل المجتمع السوري ، الوضع الحالي في سوريا على مفترق طرق، وعلى القوى والحركات العلمانية واليسارية والتقدمية أن تعمل تحالف لصد جر المجتمع نحو الديكتاتورية الدينية التي لا تقل عنفاً عن الديكتاتورية الفردية المخلوعة ، نعم انتباه فهذه المقالة صفارة انذار عن خطر كامن بدأت رياحه المؤذية تظهر بإقامة الصلاة في حرم جامعة دمشق على الرغم من وجود مساجد من جميع الجهات، فبا سادة هذه جامعة علمية وليست جامع،
لا للدولة الدينيه
فرقد حسنه -نطالب باقامه دولة مدنية علمانية تراعي حقوق كل مكونات الشعب السوري . بوركتي استاذتنا
الحراك الفكري
Rima Fadel Mahfoud -المقال أكثر من رائع ..نحن بحاجة لتوصيف الواقع بأقرب صورة مع وضع كافة الاحتمالات والتعامل معها بعقلانية وعمق وبعد رؤية ..وحضرتك دكتورة ريم من أكثر الأشخاص الذين لديهم أهلية لرسم ملامح المجتمع المدني وهو مشروع هائل قد عملتِ عليه سابقاً من خلال الكثير من المقالات والمحاضرات والحورات الثقافية العلمية ..رأيك الآن يشكل بوصلة حقيقية لعقول الكثيرين ..دمت بكل التوفيق صديقتي الغالية
"نحو سوريا جديدة: تثمين الفكر ودعوة للعمل المشترك"
محمد دبزات -المقال يعكس وعياً عميقاً وحساً وطنياً مسؤولاً، حيث تطرح الكاتبة د. ريم شطيح أفكاراً جوهرية حول ضرورة بناء سوريا علمانية وشاملة تحترم تنوع مكوناتها. تثميناً لهذا الطرح الواعي، نشكر د. ريم على حملها هموم وطنها ومساهمتها الفكرية المخلصة التي تسلط الضوء على مسار يجب أن يكون أساسياً للنهوض بسوريا نحو مستقبل أفضل. هذه الدعوة الصادقة للعمل المشترك تستحق الدعم والإصغاء من جميع الأطياف، لأنها تمثل الأمل لسوريا جديدة قائمة على الحرية، العدالة، والتعددية.
مقال رائع
فريد شعيب -بوركت يداك أستاذتي الفاضلة.
السويداء خائفة من المستقبل
راشد البلعوس -بالطبع لا يخاف أبطال السويداء من أحد، والمقصود الخوف مما قد يحمله الحكم الإسلامي المرتقب من اضطهاد للأقليات... وسيكون الدروز سداً منيعاً في وجه مخططات أسلمة سوريا، ولو انتهى بهم المطاف بتأسيس دولة مستقلة.
مأساة دروز إدلب
ربيع مراد -حال قرى «جبل السّماق» ومنطقة إدلب هو التالي تحت حكم أحمد الشرع المعروف باسم أبو محمد الجولاني: مسلمون قاتلوا الصليبيين في جيش المماليك تحت راية الظاهر ركن الدين بيبرس والمظفّر سيف الدين قطز، وثاروا ضد الاحتلال الفرنسي، يُضطّرون إلى إعلان إسلامهم مرة جديدة أمام «دولة»، لا ترى من الإسلام سوى قطع الرؤوس.
تحولات عاصفة
هناء شحادة -سوريا لن تخرج سالمة من التحولات العاصفة التي نشهدها حالياً.