الاختلاف في الرأي.. طاقة بنّاءة وليست سبباً للصراع
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
في عالمنا المعاصر، تصدّرت قضايا التطرف والإرهاب المشهد العالمي، حيث تتوالى الأحداث المؤسفة التي لم تترك بقعة على وجه الأرض دون أن تطالها. شرقاً وغرباً، شمالاً وجنوباً، أصبحت هذه القضايا محور النقاشات، حتى بات الحديث عن غيرها يبدو وكأنه خروج عن الواقع.
ورغم أن تناول قضايا التطرف والإرهاب يعبّر عن تفاعل ضروري مع تحديات اللحظة الراهنة، فإن التفكير في المستقبل يفرض علينا البحث عن حلول جذرية ودائمة. وهنا يبرز التعايش السلمي بين الشعوب كأحد أهم الركائز التي يمكن أن تبني عالماً أكثر أمناً واستقراراً.
قد يتساءل البعض: هل يمكن للتعايش السلمي أن يكون حقيقة واقعة في عالمٍ تتعدد فيه الشعوب والقبائل والثقافات؟ والإجابة أن هذا التنوع والاختلاف ليس إلا إرادة إلهية وسنّة كونية، كما أشار الله سبحانه وتعالى بقوله: "وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا".
التعارف هنا ليس مجرد معرفة سطحية، بل هو تواصل عميق وتبادل للخبرات والمعارف بما يحقق التفاهم والانسجام. فالتعايش السلمي ينبني على إدراك مقاصد الاختلاف، واستيعاب أنه ليس مدعاةً للصراع، بل فرصة للتعاون من أجل عمارة الأرض وتحقيق الاستخلاف الإنساني.
لتحقيق التعايش السلمي، يجب أن يُبنى التواصل بين الشعوب على أسس قوية وواضحة، وأهمها الاحترام المتبادل، أي القبول بالآخر كما هو، مع احترام حقوقه وثقافته ودينه، وصون الحقوق والصدق في المعاملة بما يضمن بناء الثقة، وتعزيز العلاقات الإنسانية، ناهيك بنشر ثقافة التعايش، ويتمّ ذلك من خلال تعزيز القيم المشتركة مثل العدالة، المساواة، التسامح، ونبذ الكراهية والتعصب، فضلاً عن محاربة الإرهاب والتطرف، عبر جهود مستمرة على المستوى المحلي والدولي، مع التركيز على القضاء على مسبباتهما. وكذلك تشجيع الحوار البنّاء، باعتباره أداة لفهم الآخر وحل المشكلات بطرق سلمية، بالاضافة إلى سيادة القانون الذي يضمن العدل والمساواة، ويحمي حقوق جميع الأطراف. ومن أهم أسس ترسيخ مفهوم التعايش السلمي الحاجة إلى منظومة متكاملة تبدأ من التعليم والإعلام. يجب أن تصبح قيم التعايش جزءاً من مناهج التعليم، تُدرَّس للأطفال منذ نعومة أظافرهم، لتغرس فيهم مفاهيم التسامح والاحترام. كما أنَّ وسائل الإعلام تتحمل مسؤولية كبيرة في نشر ثقافة الحوار والتفاهم، بعيداً عن التحريض أو الترويج للتعصب. إضافة إلى ذلك، ينبغي أن تتضافر جهود المؤسسات الدينية والثقافية لتعزيز هذه القيم، والعمل على توطيدها في المجتمع.
إقرأ أيضاً: سـلاطين أهل الكذب
لا يمكن تحقيق الاستقرار العالمي أو التنمية المستدامة دون التمسّك بمبادئ التعايش السلمي. هذه المبادئ ليست مجرد مفاهيم نظرية، بل أدوات عملية لبناء علاقات طيبة بين الدول والشعوب، تقوم على التعاون المثمر والتفاهم البنّاء.
إنَّ نجاح التعايش السلمي يُسهم بشكل إيجابي في تماسك المجتمعات، واستقرار العالم، وتنميته. وهو السبيل لتحقيق الوئام بين الأمم، وضمان مستقبل آمن للأجيال القادمة.
إقرأ أيضاً: التفاخر بالإقامة الأوروبية: بين الغربة والحنين للوطن
إنَّ التعايش السلمي ليس رفاهية، بل ضرورة حتمية لاستمرار البشرية. العالم اليوم بحاجة ماسة إلى هذا التعايش الذي يشكل مفتاحاً لحل كثير من الأزمات العالمية.
لذلك، يجب أن يكون التعايش السلمي بين الشعوب جزءاً من استراتيجيات الدول، وأحد أهم أولويات المنظمات الدولية، لضمان أن يعيش الجميع في عالم يسوده السلام، وتظل فيه الاختلافات في الآراء مصدر قوة وتكامل، لا سبباً للصراع والتفرقة.