ماذا يمكنُ أن نقول عن صنف من الناس اعتادوا في طباعهم أن يكُثروا في معاتبتك، ويتوغلوا أكثر في تأليف الكذبة ومن ثم تبرير حدوثها والضرب بصورةٍ دائمة على الحافر، متناسين أنَّ المسمار هو الأولى بالضرب؟
أقفُ مندهشاً من ضعف حيلة هؤلاء الذين يقولون ما لا يفعلون، والذين يمكن أن نسميهم بسلاطين أهل الكذب والتفاخر به، والأنكى أنهم يُقَوّلونك كلاماً لم تقله، ولا تعرف عنه أيّ شيء بالمطلق، ومع ذلك يتفننون في اختراع الكذبة وتلفيقها بصورة غريبة حتى يصلوا إلى مرادهم، وإن كان هذا الذي يبحثون عنه الاساءة للطرف الآخر، أو حتى لجهة تدنيس سمعته وتاريخه. الأهم من كل ذلك أن يحطوا من قدره ومكانته، وهذا الأهم بالنسبة إليهم.
وفي الواقع يحاولون إقناعك أنّك سبق أن ذكرت ذلك الحديث، وتلك الحكاية وأكدت عليها في جلسة ما، وفي حقيقة الأمر أنهم يُبالغون في اقناعك، ويحاولون الإيقاع بك، ويصرّون على أنك سبق أن ذكرت لهم هذه الحادثة، ولكن بغير الصيغة التي نوّهت عنها، وأنت في المقابل تنفي ذلك تماماً، وتؤكد أن ما ذكر لا صحة له بالمطلق، فضلاً عن أن ذلك الشخص يسوق عليك عبارات أنت لم يسبق أن ذكرتها أو تلفظت بها.
هذا الشيء اشتمل في الواقع على كثير من الصور في الحياة، وفي أكثرها يغلب عليه طابع الكذب والخداع. أمثالها طالما نراها كثيراً في مجتمعاتنا، وهي دائماً تصبّ في خانة الأنا، ويلعب دورها العديد من الأشخاص المنتفعين الذين يباركون الكذبة ويصفقون لها بصورة غريبة، ويبجّلونها ويصورونها لك على أنها الحقيقة بعينها، وهي في الواقع لا تروق لهم لا بخير ولا بشر، ناهيك بتفاخر أمثال هؤلاء بأشياء هم بعيدون عنها تماماً.. بل أنهم يمهدون لصيد ثمين قد يحقّق لهم منافع كثيرة. هذا سلوكهم، وهذا سبيلهم في علاقاتهم مع الغير.
هؤلاء الناس موجودون وبكثرة بيننا، وطالما يقولون غير ما يتفوّهون به، وأكثر ما يمجّدون بآبائهم ويفاخرون بهم على أنهم يختلفون تماماً عن الناس في كل شيء. هم هكذا جبلوا على حكايات غريبة، وهذا التفاخر غير المقنع الذي بحسب ما يرون أنهم فوق الجميع وبكل شيء، متناسين أنهم مكشوفون ويدرك الآخرون زيف قبعاتهم المزركشة وما يخفون تحتها.
حبل الكذب، وكما يقال قصير. ارحمونا، كفاكم كذباً وزيفاً وادعاءاً ودجلاً وشعوذة على الناس. بصريح العبارة، إنّكم منافقون كذّابون. اتقوا الله في أنفسكم، فالناس ليست بحاجة لكم ولا لخدماتكم ولا لتعريفاتكم، واختلاق العديد من صور الخداع ورسم الفنون التي تحاولون من خلالها إخماد صدق ورؤية كل مجتهد، وقتل كل من يشير إليكم بالكذب، لمجرد الإشارة.
إقرأ أيضاً: سوريا التي تنعم بالفساد!
أفعالكم صارت واضحة، وزيفكم كذلك. ماذا يمكن أن نقول عن أمثال هذه النُخبة لا سيما وأنهم ما زالوا يعيشون وللأسف، في برج عاجي، ويريدون من الناس أن يصدّقوا زيف ادعاءاتهم وكذبهم.
هذه الفئة تصرّ على أن نصدق ما يقولون ويتفوّهون به رغم كذبهم، وقوام هذه الأكاذيب والخدع التي صارت تواجهنا أصبحت بمثابة نقاط قوّة للكثير ممن يحدوهم الأمل بالوقوف دقيقة صمت حيال هؤلاء الذين أكثر ما يهمّهم اختراع الكذبة، وتلوينها وزخرفتها وتمحيصها وغربلتها بشكلٍ جيد قبل أن يقوموا بقذفها وإلقائها أمام الناس الذين يصفقون لهم، ويلي ذلك تبريرها ويعرفون تماماً أن ما يبوحون به ليس له من الصدق بشيء.
إقرأ أيضاً: الغربة.. الإصغاء عنوانها الأبرز!
إنّه الكذب، يرمي وبكل ثقله لأجل إقناع زيد وعمر من الناس، والأنكى من ذلك كلّه أن يُفاخر به ويؤكد لك على أن ما يقوله هو الصحيح بعينه، وما تدلي به له وتذكّره به لحظة وقوعه هو خارج مساره، ولا يمكن أن يأخذ به أو أن يُصدقه، على الرغم من أنه هو الصدق بعينه.
أمثال هذه الفئة من الناس، ما زالت ـ وللأسف ـ تعيش في تسويق الكذبة وايجاد التبرير المناسب لها وخداع الناس، لإيقاع الأذى بالآخرين، وبالتأكيد كل ما يبحثون عنه هو اقناع الناس بأوهامهم و البحث عن صيد ثمين يرضي غرورهم ورغباتهم.. فعلينا الانتباه إلى هذه الشريحة، والابتعاد عنها لأنها صارت أكثر من الهمّ على القلب!
التعليقات