فاز المرشح الجمهوري والرئيس السابق دونالد ترامب برئاسة ثانية للولايات المتحدة الأميركية، وبهذا يكون الرئيس الخامس والأربعين سابقاً والسابع والأربعين لها. وكان الفوز الكاسح له ولحزبه نتيجة جهود حثيثة منه ومن الحزب الجمهوري لتحسين صورته وصورة حزبه بعد خروجه من عدد من المحاكمات، بعضها تم تبرئته منها والبعض الآخر تم تأجيلها وما زالت تحت نظر القضاة. وتعرض ترامب لمحاولتي اغتيال، وكانت حملته الانتخابية ناجحة بكل المقاييس، واستطاعت جذب أغلبية الناخبين لوضوح أهداف حملته ووعوده الانتخابية أمام الناخب الأميركي.

الناخب الأميركي متعدد الأعراق والثقافات والطبقات، وتختلف الميول لديه وكذلك الآمال والتطلعات؛ فأغنياء أميركا (رأسماليو الشرق ومستثمرو الغرب) لهم حساباتهم الخاصَّة، والطبقة الوسطى ومزارعو الوسط الأميركي لهم تطلعاتهم، وفقراء ومهاجرو أميركا لهم آمالهم. ويتساءل الكثيرون عمّا يريد الشعب الأميركي وربما العالم من الرئيس المنتخب ترامب تحقيقه خلال فترة رئاسته القادمة، وما ينوي ويستطيع حقاً فعله.

ويتفاعل الناخب الأميركي والعالم مع الانتخابات الأميركية لأسباب عدَّة، من أهمها تأثير إدارة الرئيس القادم على السياسات المتبعة والتعاطي مع كافة الملفات الداخلية والخارجية وتأثير ذلك على الداخل الأميركي وعلى العلاقات الدولية والسلام والاستقرار العالمي، وعلى الاقتصاد والتجارة والصناعة بحكم القوة الأميركية السياسية والاقتصادية والعسكرية وتأثيرها على بقية العالم.

عند النظر إلى الوضع الداخلي الأميركي، يُلاحظ أنه بحاجة لإصلاح أخلاقي واقتصادي وأمني وصحي وإعلامي، إضافة إلى مراجعة لقضايا الهجرة والشذوذ والمخدرات والعنف التي سيجد التعامل معها توجهاً مختلفاً عن إدارة الديمقراطيين في ظل وضوح موقف الجمهوريين الرافض والحازم ضدها. وكذلك مراجعة لميزانيات الدفاع ومؤشرات الاقتصاد الهامة كالناتج القومي والتضخم والبطالة والموازين التجارية مع الدول ذات التبادل الكبير.

أما الوضع الخارجي فقد شهد ضعفاً سياسياً وسوء تعامل مع القضايا الدولية من قبل إدارة الرئيس المنصرف جو بايدن، ما خلق لإدارة ترامب تحديات داخلية وخارجية عدة. ولكن ما يميز إدارة ترامب هو الخبرة والقدرة في التعامل مع كافة القضايا المحلية والعالمية. ومن أهم ما تسعى له إدارة الرئيس ترامب هو تحقيق السلام على مستوى العالم وتنشيط الاقتصاد. وهذا لا يعني تفريطها بمصالح أميركا، بل ستستخدم سلاح التوازنات بدلاً من النزاعات المباشرة.

إقرأ أيضاً: إيران المتأرجحة بين الحرب والسلام

تتحكم المصالح في السياسات والعلاقات الدولية، وتتأثر التوجهات الإيديولوجية واستراتيجيات الأمن القومي بها. ومن المتوقع أن يظهر الدور الأميركي القادم تفاوتاً واختلافاً بين سياسات الديمقراطيين والجمهوريين، ما قد يؤثر على الصراع الروسي الغربي، والتوتر والتنافس الصيني - الأميركي، والعلاقة مع أوروبا، وبالذات مع دول حلف الناتو التي تتحمل أميركا وحدها أكثر من 70 بالمئة من تكاليفه، وكذلك على الأوضاع الاقتصادية عالمياً ومحلياً كالفائدة وقوة الدولار والنفط والذهب وتفاعل البورصات.

ومن المنتظر حل النزاع الروسي - الأوكراني، حيث يُتوقع أن تلعب إدارة ترامب دوراً مؤثراً في هذا الملف، إضافة إلى الدور السعودي وتوازنه وحياده في التعاطي مع هذا النزاع، ما سيشكل قوة إضافية. كذلك، هناك أمل في تهدئة التوتر الصيني - الأميركي حول تايوان وقضايا بحر الصين. وهنالك ملفات تهم المواطن العربي، كقضية فلسطين والصراع في الشرق الأوسط بين إسرائيل وإيران وميليشياتها، والوضع في السودان، وملف السلام العربي - الإسرائيلي، وحل الدولتين. وهناك تطلع حقيقي لتضافر الجهود الدولية بما في ذلك الدور الأميركي الهام جداً الذي سيكمل الجهود السعودية نظراً للتوافق السعودي - الأميركي في هذا الملف. فهل تنضم أميركا وروسيا والصين للتحالف الدولي لحل أزمة الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية، ويصبح هذا الملف من أهم ملفات مجلس الأمن الدولي؟

إقرأ أيضاً: إعمار غزة: الواقع والمأمول

السلام مطلب إنساني ضروري جداً؛ فمع السلام يستتب الأمن والأمان والاستقرار ويعم الرخاء والتنمية والتطوير، ويزيد العلم وينتعش الاقتصاد، مما يعزز دور النظام والقانون والعدل والازدهار في كافة مجالات الحياة، ويحفظ كرامة الإنسان ويضمن مستقبلاً أفضل للأجيال القادمة وغداً مشرقاً.