مرَّ أكثر من عام على الحرب التي اندلعت في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والتي اعتُبرت بمثابة نقطة تحول في تاريخ فلسطين، فبخلاف الخسائر البشرية الباهظة التي تجاوزت 722 شهيداً ونحو 6200 جريح و11 ألف حالة اعتقال، تكبّدت الضفة الغربية أيضاً خسائر اقتصادية كبيرة، وشهدت انهياراً غير مسبوق، وعانت وضعاً اقتصادياً معقداً ستحتاج معه إلى فترة ليست قصيرة من أجل التعافي. وبلغة الأرقام، فقد فقدت الضفة نحو 80 بالمئة من طاقة الاقتصاد الإنتاجية، وقدّرت الخسارة اليومية نتيجة الممارسات الإسرائيلية بما يقارب 20 مليون دولار في الإنتاج فقط.

وعلى صعيد العمالة، فقد شهدت معدلات البطالة ارتفاعاً مقلقاً، بلغ نحو 90 بالمئة في المناطق المتضررة، بعد فقدان العديد من فرص العمل نتيجة تدمير المنشآت التجارية والصناعية ومنع العديد من العمال من العمل داخل الأراضي المحتلة، ما زاد من الضغوط الاقتصادية على الأسر الفلسطينية بعد أن تفاقمت أزمة المعيشة، حيث ارتفعت أسعار السلع الأساسية بنسبة تصل إلى 170 بالمئة بعد النزاع، وجعل الفئات الأكثر ضعفاً تواجه تحديات متزايدة في تلبية احتياجاتها اليومية.

وتعاني السلطة في الضفة وضعاً مالياً حرجاً، وهو ما أصبح ضربة موجعة للاقتصاد الفلسطيني، إذ يعكس وضع الضفة الآن الوضع الذي كان في غزة قبل الحرب، وهذا يؤكد أن الاقتصاد الفلسطيني هشّ، وتتفاقم أزماته بسبب الوضع الأمني الحساس وارتفاع معدلات البطالة، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى مشاكل أمنية خطيرة في الضفة الغربية كما رأينا في غزة.

وفي ذات الوقت، خفّضت إسرائيل عائدات الضرائب الشهرية التي تقوم بجمعها لصالح السلطة الفلسطينية، ثم تحويلها إلى رام الله بعد خصم رسوم الخدمات الإسرائيلية المقدّمة للفلسطينيين، مثل الكهرباء والمياه والصرف الصحي، بموجب اتفاقية أوسلو، والتي تعد مصدراً رئيسياً ومورداً حيوياً للسلطة الفلسطينية في السنوات الأخيرة. كما أدت الحرب إلى تدمير حوالي 80 بالمئة من البنية التحتية في غزة، بما في ذلك الطرق، والمستشفيات، والمدارس والمنشآت. ووفقاً لمكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة "أوتشا"، فإن سلطات الاحتلال هدمت نحو 1725 منشأة فلسطينية أو صادرتها أو أجبرت أصحابها على هدمها في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، إضافة إلى تضرر نحو 1900 وحدة سكنية خلال الفترة منذ اندلاع العدوان الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وحتى 23 أيلول (سبتمبر) 2024.

إقرأ أيضاً: ماذا لو نجحت "صفقة الممر الآمن" وعادت غزة للسلطة الفلسطينية؟

وخلال شهر أيار (مايو) من العام الجاري، أصدر البنك الدولي تقريره حول الصراع الدائر على الاقتصاد الفلسطيني، ولخّص التقرير إلى أن وضع المالية العامة للسلطة الفلسطينية قد تدهور بشدة في الأشهر الثلاثة الماضية، مما يزيد بشكل كبير من مخاطر انهيارها. وقد نضبت تدفقات الإيرادات إلى حد كبير بسبب الانخفاض الحاد في تحويلات إيرادات المقاصة المستحقة الدفع للسلطة الفلسطينية والانخفاض الهائل في النشاط الاقتصادي. وتؤدي الفجوة الآخذة في الاتساع بسرعة بين حجم الإيرادات والمصروفات لتمويل الحد الأدنى من الإنفاق العام إلى أزمة ضخمة.

وبعد أن رأينا أنَّ الأزمة الأخيرة أشارت إلى أن الاعتماد المطلق من جانب السلطة الفلسطينية على الجانب الإسرائيلي فيما يخص ماليتها وأمنها الاقتصادي غير مجدٍ، حتى وإن أدى في العقدين الأخيرين إلى استقرار نسبي، لكنه حالياً قد يؤدي إلى انهيار الاقتصاد الفلسطيني تماماً.

إقرأ أيضاً: نهاية السنوار.. بين البطولة والتوريط!

فإذا أردنا أن نرسم مستقبلاً أفضل لفلسطين، فيجب أولاً أن نبدأ بالاقتصاد من حيث علاج المشاكل الاقتصادية بعد الحرب، وكذلك تأمين مصادر تمويل بديلة لأموال المقاصة لتحسين الوضع المالي، وأيضاً العمل على جمع التبرعات من الجاليات الفلسطينية في الخارج، إضافة إلى إعادة بناء البنية التحتية المتضررة في غزة والضفة الغربية وتوفير التمويل اللازم لإقامة مشروعات إعادة البناء، والاهتمام بالصناعة باعتبارها أحد القطاعات الأساسية في أي اقتصاد، وإزالة أي معوقات لتحقيق تقدم ملحوظ وتوفير فرص العمل وتطوير مهارات الشباب، ومن ثم تقوية الاقتصاد حتى يكون صامداً أمام الأزمات المستقبلية، وهو ما يسهم في تحقيق التنمية المستدامة. وبالتأكيد، كل ذلك سيحسن من مستوى المعيشة ويصب في صالح المواطن الفلسطيني البسيط.