منذ انطلاقها من ميناء "هايفونغ" في فيتنام في 21 أيار (مايو) 2024، كان أمام سفينة الشحن التجارية الألمانية "كاثرين"، المحملة بشحنة من المواد شديدة الانفجار، أن تسكل مساراً شاقاً وتواجه عقبات كثيرة للوصول إلى وجهتها إسرائيل، بداية بإطالة مدة الرحلة بعد تغيير مسارها الذي كان يفترض أن يكون عبر مضيق باب المندب عوضاً عن رأس الرجاء الصالح، وكذلك رفض رسوها في موانئ كل من ماليزيا، ناميبيا، أنغولا، مالطا، كرواتيا وسلوفينيا، وتنكرها بأعلام جزر ماديرا البرتغالية وألمانيا في محاولة لإخفاء الأثر وتجنب المزيد من الضجيج الذي تصدره مجموعات التضامن مع فلسطين.

ثم حلت "كاثرين" ضيفاً ثقيلاً غير مرحب به في ميناء الإسكندرية، وهناك تحول اسمها إلى وسم تضج به مواقع التواصل الاجتماعي، يحمل معه شحنة معتبرة من التساؤلات بين ساخط ومشكك ومبرر، ومع ذلك سلمت "كاثرين" حمولتها إلى سفن أصغر لتكمل الرحلة إلى ميناء أسدود في إسرائيل، تاركة وراءها مادة دسمة للعديد من المحللين والمتابعين، بين من حاول نسج أفكار تروج لوجود تعاون عسكري ما بين إسرائيل ومصر ومن حاول الاصطياد في المياه العكرة بغية تأجيج المشاعر داخل مصر وخارجها من خلال التشكيك في الموقف الرسمي للدولة المصرية تجاه القضية الفلسطينية في توقيت حساس دخل فيه قطاع غزة بعد طوفان الأقصى مرحلة مفصلية لها انعكاساتها على دول المنطقة وفي مقدمتها مصر.

في محاولة لتدارك كل اللغط الذي صاحب الحدث، قدم بيان هيئة قناة السويس تفسيراً قانونياً لمسألة عبور السفينة الذي تم بموجب اتفاقية القسطنطينية الموقعة في 29 تشرين الأول (أكتوبر) 1888، والتي نصت على حرية الملاحة في زمن السلم والحرب، متضمناً معلومات تخضع لاختصاص الهيئة وما تخوله لها صلاحياتها في تنوير الرأي العام، وانطلاقاً مما تحدده مهامها ومسؤولياتها في الالتزام بالمواثيق الدولية والمعاهدات التي تخضع لها حركة الملاحة في القناة، وبذلك قدم البيان نفياً قاطعاً لكل تلك التهم الخطيرة التي أسست لمزاعم بوجود علاقة عسكرية مصرية إسرائيلية، خاصة وأنه تم الترويج لها عبر مقطع الفيديو الذي يظهر العلم المصري إلى جانب العلم الإسرائيلي على السفينة، وهو بروتوكول متعارف عليه دولياً تستخدمه السفن الأجنبية للتعبير عن حالة عبورها حتى لا يتم تفسيره على أنه اعتداء.

إقرأ أيضاً: الشرق الأوسط في انتظار "الثلاثاء الكبير"

أواخر العام الماضي، تعرضت تركيا لحملة تشويه مشابهة عندما تم تداول صور لعبوة مياه من إنتاج شركة تركية خلال اجتماع لجنود الاحتلال بمدرسة في قطاع غزة بعد مرور أشهر من اندلاع الحرب واتخاذ أنقرة قرار سحب سفيرها من تل أبيب. تطرقت الحملة كذلك لحجم التبادل التجاري بين تركيا وإسرائيل سنة 2022، وأثارت تلك الصورة جدلاً كبيراً حول التناقض الكبير في موقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من الحرب وتواجد منتجات تركية في إسرائيل خلال الحرب. بدا الأمر مثيراً للاستغراب واتضح في النهاية أن العلامة المعنية ليست لشركة تركية، وإنما لأخرى فرنسية تنشط في السوق التركية.

الماكينات الإعلامية المحسوبة على تيار الإخوان لم تفوت الفرصة لتحويل موضوع "السفينة كاثرين" عنواناً رئيسياً لحملاتها المضادة ضد السلطة الحاكمة في مصر، في الوقت ذاته قدمت جهات استخباراتية معادية إشارة الانطلاق لذبابها الإلكتروني لينشر المئات من الأفكار والتعليقات التي يراد من خلالها تحميل مصر مسؤولية إغلاق معبر رفح أمام عبور شاحنات والمساعدات الغذائية لسكان قطاع غزة، ومنه مسؤولية الأزمة الإنسانية الواقعة، وأبعد من ذلك تدفع هذه الجهات للتشكيك في الموقف المصري تجاه الحرب الجارية في غزة في الوقت الذي تستضيف فيه القاهرة مباحثات بين حركتي حماس وفتح تتمحور بنودها العريضة حول ملف إدارة قطاع غزة وفق مقترحات لا تروق لحماس.

إقرأ أيضاً: اغتيال نصر الله بين مبالغة نتنياهو وأكاذيب إيران

مواقف مصر التاريخية تجاه القضية الفلسطينية ووساطاتها السابقة التي نجحت في إيقاف حروب سابقة ونالت إشادات واسعة من الدول العربية والغربية كفيلة بأن تبرئها من كل الاتهامات التي تصاغ ضدها وتحاول النيل من مواقفها الثابتة في نصرة الفلسطينيين ومد يد العون لهم. وجب التذكير أيضاً بأن الموقف المصري الحازم من خطة التهجير سمح بتجنيبنا أسوأ السيناريوهات على الإطلاق، والذي كان ليمكن إسرائيل من تحقيق أهدافها المعلنة والخفية في هذه الحرب.