زخم إعلامي يزداد مع تسارع العد التنازلي لموعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المحددة يوم الثلاثاء المقبل، ليغطي على القضايا العالمية الملحة، خاصة الوضع في فلسطين، مما يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى سكان غزة بشكل عام ولحركة حماس بشكل خاص. والواضح أن ثقل الحدث الكبير في أميركا على المشهد الإعلامي قد يمنح قوات الاحتلال حرية غير محدودة لتكثيف أنشطتها دون إشراف دولي معتاد. ومن شأن الافتقار إلى المشاركة الأميركية خلال هذه الفترة الحرجة أن يؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وتقويض الجهود الرامية إلى التوصل إلى حل عادل.

سيكون الصراع الدائر في الشرق الأوسط واحدًا من أهم العوامل التي ستحسم نتائج "الثلاثاء الكبير" بالنظر إلى حجم التأثير الكبير الذي سجلته حرب غزة في أوساط المجتمع الأميركي، وربما يكون حجم الاستقطاب حولها قد غطى على ملفات داخلية أكثر أهمية، كملفات الهجرة والبطالة وقانون الإجهاض والتجارة الخارجية ومنافسة الصين. وقد لا يكون من المبالغة أن تعزى أي خسارة محتملة للمرشحة كامالا هاريس أمام نظيرها المحتملة عودته إلى البيت الأبيض دونالد ترامب إلى الآثار السلبية لسياسة الإدارة الأميركية في عهد الرئيس جو بايدن وإدارتها السيئة لهذا الصراع الذي تحول إلى كارثة إنسانية غير مسبوقة أساءت إلى صورة الولايات المتحدة بشكل غير مباشر، بسبب موقفها الحيادي السلبي الذي يُحسب على أنه الموقف الذي رخّص بطريقة مستترة لاستمرار الحرب وسمح لرئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بتجاوز النقاط الحمراء.

بعودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض، فإن منطقة الشرق الأوسط مقبلة على فترة رئاسية مليئة بالأحداث، سيعود فيها الزخم إلى الملف النووي الإيراني. بالطبع، عودة ترامب لن تكون مفرحة بالنسبة إلى المسؤولين في طهران؛ لأنهم سيكونون على أعتاب مرحلة مليئة بالضغط الاقتصادي والدبلوماسي في توقيت يبدو فيه محور المقاومة في أحلك أيامه بعد أن تلقى وكلاء إيران ضربات موجعة لها من الانعكاسات السلبية ما يصل إلى إضعاف الموقف التفاوضي لإيران.

إقرأ أيضاً: هل سيرمي بوتين بعود ثقاب آخر في الشرق الأوسط؟

لن تقدم عودة ترامب الكثير بالنسبة إلى الفلسطينيين تمامًا كما كان الحال في ولايته الأولى، ولن تحرز أي تقدم في خطته الموعودة لتحقيق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين، والتي تعرف بصفقة القرن، والتي في الأصل تخدم الإسرائيليين على حساب الفلسطينيين. ومع ذلك، فإن خطاباته الأخيرة المليئة بالوعود حول وقف الحرب تصنع بصيص أمل وتبعث ببعض من التفاؤل، بما أن الرجل يخاطب نتنياهو بأسلوب أكثر حدة من نظيرته هاريس حول ضرورة إيجاد حلول سريعة لإنهاء الحرب الدائرة منذ أكثر من سنة في قطاع غزة.

إقرأ أيضاً: نهاية السنوار هل تعني بداية عهد جديد؟

لن ننتظر من ترامب تغييرًا جذريًا في الخطوط العريضة للسياسة الخارجية الأميركية بالنسبة لإسرائيل، وبالطبع لن يكون الجمهوريون خلف ترامب مستعدين للعبث بعمق علاقة تاريخية واستراتيجية واقتصادية تجمع بين الدولة اليهودية وأميركا من أجل حل سياسي ينتهي بإنقاذ حركة حماس وترك كل شيء على ما كان عليه قبل طوفان الأقصى. ومع ذلك، فمن المنتظر أن يكون موقف ترامب حيال الحرب في غزة سريعًا وعلى خلاف ما يريده نتنياهو، ليس لأن الرجل قد أدار ظهره لدعم إسرائيل، وإنما لأن ترامب ربما قد يستثمر في وقف الحرب لتصفية حساباته القديمة مع نتنياهو.

إقرأ أيضاً: تجار البلدة القديمة في القدس يستغيثون

أيا يكن الفائز، فمن المؤكد أنَّ الانتخابات الأميركية ستفرز مشهدًا جديدًا في السياسة الخارجية الأميركية، ينهي مرحلة أربع سنوات من ولاية الرئيس بايدن، والتي كانت مليئة بالتوترات المتصاعدة والصراعات والتحالفات التي غيرت من الديناميكيات العالمية والإقليمية، كانت فيها حرب أوكرانيا والصراعات الخفية لتوسيع النفوذ في أفريقيا وحرب غزة ولبنان شاهدًا على فشل السياسة الخارجية الأميركية في احتواء الأوضاع، وشاهدًا أيضًا على تراجع كبير في دور المؤسسات الأممية التي يُفترض بها أن تقدم الحد الأدنى من الواجبات تجاه الملفات الحساسة والصراعات العنيفة.