بعد وقف بعض مواد الدستور وغياب مجلس الأمة، تبقى القضية الأصعب والأكثر تعقيداً في الترتيبات السياسية وتفاصيلها، حتى الصغيرة منها، وخاصة تشكيل لجنة لدراسة مواد الدستور ومراجعة النصوص المقترحة التي تعتزم الحكومة تبنيها، تعديلها، ومناقشتها.
لا يمكن الجزم مسبقاً بالانسجام أو التباين بين كافة الأطراف التي ستشارك في مناقشة التصورات الحكومية والآراء الدستورية الجديدة، لكن حين يتم تشكيل اللجنة وتبدأ عملية المراجعة والمناقشة، ستكون الصورة، بالتأكيد، أوضح والمهمة أسهل للتقييم.
مبدأ الموافقة أو الاعتراض عند مناقشة المواد الدستورية المزمع بحثها لا تجارب سابقة له سوى لجنة تنقيح الدستور في عام 1976 بعد الحل غير الدستوري لمجلس الأمة، حيث حال التباين بين أعضاء اللجنة حول مقترحات الحكومة دون إنجاز العمل.
المفاوضات، بالتأكيد، ليست شعار المرحلة المقبلة في الكويت، لكننا نأمل أن تكون مرحلة نقاش عميق، مراجعة نزيهة، وبحث رصين تتقدمها المصارحة وليس المداراة، فالقصد ليس توثيق الهزيمة والانتصار. عملية الترتيبات الدستورية مهمة للوطن والمواطن والنظام والدستور.
في بداية انطلاق دواوين الاثنين في العام 1989، كانت الظروف لصالح الحراك السياسي المنظم ضد الحكومة التي تبنت حل مجلس الأمة من دون تقديم مبرر سياسي موضوعي، وليس بناءً على أفكار مبنية على الظن والتفسير الخاطئ للوضع النيابي في تلك المرحلة.
الدعوات لدواوين الاثنين لم تكن بحاجة إلى جهد جبار بالرغم من عدم وجود وسائل التواصل الاجتماعي وتعدد أدوات الاتصال وتنوعها. كانت أدوات الاتصال تقليدية ومتواضعة، لكنها مؤثرة وناجحة ومتفوقة في جمع كافة أطياف المجتمع الكويتي وتنظيم صفوف القوى السياسية.
الديمقراطية والحريات والدستور، كانت مفردات تستفز الرقابة المسبقة على الصحف والأنشطة العامة، وشهدت شوارع الكويت معركة قاسية من شمالها إلى جنوبها... قاسية للغاية حتى بلغ حد الصدام بين الشعب وقوات الأمن، لكن دواوين الاثنين لم تتوقف ولم تتجمد أهدافها!
البساطة لم تكن في هدف مرحلة الاثنين فقط، وإنما في إمكانية التنفيذ في الشوارع سلمياً وسط مشاعر ومواقف غاضبة. لذلك كانت أهداف دواوين الاثنين متماسكة وهادفة لأنها وطنية المنشأ ولم تتخللها القبلية والطائفية والفئوية كما هو الحال في الكويت اليوم!
الوضع الآن في الكويت ليس كما كان، فقد تعقدت واشتدت الأزمة السياسية وبلغنا الانسداد السياسي على يد حكومية قبل اليد النيابية، واستفحلت الصراعات السياسية والاجتماعية والانقسامات في الشارع الكويتي، ولم تتحرك الحكومة لإنقاذ الدستور ومجلس الأمة!
مع وسائل التواصل الاجتماعي، أصبحت سوشيال ميديا متحكمة في الرأي العام وتكوينه إلى حد كبير، وصارت هناك مواقف عشوائية متشنجة وأخرى متنازلة عن ديمقراطية التجربة الحديثة الماضية، لأن أطرافاً محبطة وربما مستفيدة، ولأن الحكومة كانت مصدراً أساسياً في الانسداد السياسي.
هناك من يعتقد، مع قدر غير قليل من الصحة، أن مجلس 2013-2020 لو قدر له أن يستمر، لكان ذلك يمكن أن يحافظ على الاستقرار السياسي، إلا أن هذا الرأي يتناسى حجم الأذى الدستوري الذي وقع فيه رئيس المجلس وبعض النواب!
وهناك من يتصور أن نواب 2022-2024 أصابوا في الإصرار على الحسابات الانتقامية من الحكومة ومجلس 2013-2020، والإفراط في وصاية قبلية وطائفية ومناطقية. وهي حرب عدائية مدمرة سياسياً واجتماعياً لم تستنفر الحكومة لفك الاشتباك الانتخابي والنيابي داخل مجلس الأمة وخارجه!
الصعوبة الحقيقية ستكون في الترتيبات الدستورية وتهيئة أجواء مناقشة نزيهة ومراجعة محايدة وعملية بحث لا تنقصها الشفافية ولا تقنصها المصالح الضيقة، فالتجارب الحكومية والنيابية السابقة لن تكفي وحدها في معالجة الوضع المعقد الذي تعيشه الكويت منذ زمن.
هناك حجج فقدت صدقيتها ولم تعد مقبولة، وهناك واقع يقول إن الديمقراطية الكويتية ينقصها الكثير من الثقافة السياسية في الدولة والمجتمع، وهذا لا يعني إهمال المكتسبات الدستورية والتخلي عنها أو ترحيلها أو تجاوز المزيد من الحريات!
المعضلة، بلا شك، في التفاصيل الصغيرة التي ستمهد وتسبق الترتيبات الدستورية في الكويت، التي نأمل أن تحتويها الحكومة بشفافية مطلقة من خلال وضع آلية عمل مسبقة ومحكمة في التمهيد والتخطيط والتنفيذ.
التعليقات