منذ حرب الخوبة أو حرب جبل دخان، وهو نزاع عسكري وقع في الجنوب الغربي من السعودية، في منطقة جازان على الحدود بين السعودية واليمن عام 2009، بين قوات حرس الحدود السعودي والحوثيين، عندما تسللوا الحدود السعودية وأطلقوا النار مستخدمين أسلحة ثقيلة، تعاملت معهم السعودية حتى تم تحييد الخطر الحوثي، ودعمت الجيش اليمني حتى تم القضاء على قيادات الحوثيين العليا والسيطرة على مقراتهم في جبال صعدة.
دخل أنصار الله صنعاء في 21 أيلول (سبتمبر) 2014، ووقّع الفرقاء اتفاق السلم والشراكة برعاية أممية في 22 أيلول (سبتمبر) 2014، ثم انقلب أنصار الله على اتفاق السلم والشراكة، وسقطت صنعاء في أيديهم في تشرين الأول (أكتوبر) 2014. شكلت السعودية تحالفًا استجابة لدعوة الحكومة الشرعية لإنقاذ اليمن من الحوثيين بعد وصولهم إلى الجنوب، واستعادت قوات التحالف عدن في 21 تموز (يوليو) 2015، وبعدها استعادت خمس محافظات جنوبية أخرى إلى جانب مأرب في آب (أغسطس) 2015، ما مكن الرئيس عبد ربه منصور هادي من العودة إلى عدن.
تم تشكيل عملية الرمح الذهبي لتحرير مدن الساحل الغربي والحديدة في 2017، لكن المجتمع الدولي استبدل تحرير الحديدة باتفاق استوكهولم في كانون الأول (ديسمبر) 2018، وتوقيع هدنة الحديدة في أيار (مايو) 2019. كما رعت الرياض في تشرين الثاني (نوفمبر) 2019 اتفاقًا بين الحكومة الشرعية والمجلس الانتقالي، نتج عنه تشكيل حكومة مشتركة وانسحاب الانتقالي من عدن. تحملت السعودية أعباء لا حصر لها من أجل الاستقرار في اليمن باعتباره جزءًا من أمنها وأمن دول مجلس التعاون الخليجي. في الوقت نفسه، يهدد الحوثيون أمن الممرات في البحر الأحمر وخليج عدن ومنطقة القرن الأفريقي، مما دفع السعودية إلى تشكيل مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن في 6 كانون الثاني (يناير) 2020، من 8 دول هي: السعودية، مصر، اليمن، الصومال، إريتريا، جيبوتي، الأردن، والسودان، لكن دول الناتو اعترضت على هذا التشكيل.
توصلت السعودية وإيران إلى تهدئة برعاية بكين، وانعكس ذلك على الملف اليمني، حيث استقبل وفد سعودي عماني الحوثيين في نيسان (أبريل) 2023، وتم التوصل إلى تفاهمات دفعت السعودية إلى توقيع اتفاقية خارطة الطريق في 23 تموز (يوليو) 2024. لدفع تطبيق هذه الاتفاقية، استقبل وزير الدفاع الأمير خالد بن سلمان وفدًا حوثيًا في الرياض في 20 أيلول (سبتمبر) 2023، وأبلغت إيران حاليًا رفضها استمرار التصعيد في المنطقة.
لكن حينما قرر الحوثيون في 31 تشرين الأول (أكتوبر) إعادة المشهد اليمني، وتحويل اليمن إلى قرصان، والتضحية بالسلم الداخلي من أجل غزة ولبنان، تجاوزوا كل ذلك ولم يتركوا سلامًا داخليًا، بل جعلوا اليمن خارج كل المسارات، وقلصوا دور مبعوث الأمم المتحدة هانس غروندبرغ، وهو المبعوث الرابع الذي جاء إلى اليمن في 16 آب (أغسطس) 2021، كما حيدوا دور المبعوث الأميركي إلى اليمن تيموثي ليندركينغ الذي جاء في 4 شباط (فبراير) 2021. وكما في إسرائيل، يقود الحوثيون حزباً دينياً متطرفاً، مما أوجد تبادلًا بين الهجوم الإسرائيلي الشرس والهجوم الحوثي الشرس في البحر الأحمر. في الوقت ذاته، يفتقر الحوثيون للخبرة في السياسة الدولية ويحتاجون إلى قدر من الواقعية، إذ أن تلك الجماعات جاءت لتحقيق هدف ووظيفة معينة، ومن غير المحتمل أن تميل إلى السلم إلا بفرض مسار سياسي عليها، كما هو الحال مع إسرائيل. ولا بدَّ من اجتياز هذه المرحلة، حيث لا يمكن لطرف القضاء على الآخر، وهذه الحروب ستنتهي في النهاية إلى الواقعية والبراغماتية، خاصة أن قادة مليشيات الحوثيين أصابهم الهلع بعد اغتيال قادة حزب الله، رغم أنه حزب أكثر براغماتية من الحوثيين.
إقرأ أيضاً: السعودية ومصر ركيزة الاستقرار العربي
كما أنَّ إيران نصحت الحوثيين بعدم خسارة النافذة الدولية، حيث أنَّ الولايات المتحدة هي من منعت دول التحالف من تحرير الحديدة وصنعاء، كما أنها تختلف مع إسرائيل بشأن تغيير المشهد اليمني. وفي المقابل، تقف أميركا ضد خطط إسرائيل لتدمير إيران، لكنها تدرك أن إسرائيل إذا ورطت أميركا فلن تتخلى عنها. لقد حاول الرئيس الأميركي جو بايدن إعادة الاتفاق النووي الذي عطلته إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، لكنه فشل بسبب صعود الدور السعودي القوي. كما وجهت الولايات المتحدة ضربات للحوثيين في البحر الأحمر بحجة دعم غزة، في إطار ضربات استباقية ودفاعية فقط. لكن بعد استفزاز الحوثيين لإسرائيل وضربهم لها بصواريخ روسية فرط صوتية، أزعج ذلك الولايات المتحدة، خاصة بعد أن أقام الحوثيون علاقة مع روسيا، حيث تلوح موسكو بتقديم أسلحة فتاكة للحوثيين إذا أرسلت أميركا أسلحة فتاكة لأوكرانيا، ما يغضب السعودية أيضاً لأنه يهدد أمنها.
لذا يُعد تهديد الحوثيين لأمن ممرات البحر الأحمر وخليج عدن والمحيط الهندي وتصعيدهم عبر تنفيذ 200 عملية استهدفت سفن إسرائيلية أو سفن متجهة نحو إسرائيل وضربهم لأهداف إسرائيلية دعمًا لغزة، قد بلغ مستوى الخطر المميت. وخصوصًا بعد تقرير خبراء الأمم المتحدة الذي أشار إلى تحالف الحوثيين مع القاعدة ضد الحكومة اليمنية الشرعية، وتزويدهم بالطائرات المسيرة والطائرات الحرارية في اليمن والصومال. وتؤكد التقارير وجود مخطط أوسع لإيران لتعزيز الحوثيين ليصبحوا اليد الطولى للحرس الثوري بعد إضعاف حزب الله، ما يمكّنهم من تدريب المليشيات في القرن الأفريقي. وقد جاء هذا التنسيق مع حزب الله والحشد الشعبي العراقي، بل إن بعض الصواريخ التي يطلقها الحوثيون تمولها بعض الفصائل العراقية. كذلك هناك ضباط حوثيون في العراق ولبنان قُتلوا في الضربات الإسرائيلية والأميركية.
إقرأ أيضاً: تأثير توترات الشرق الأوسط على الانتخابات الأميركية
بعدما ارتفع مستوى خطر الحوثيين إلى المميت، وفق تقرير خبراء الأمم المتحدة، برزت أولويات بخصوص وقف إطلاق النار في غزة ولبنان، ليأتي بعدها التعامل مع الملفات الأخرى وعلى رأسها ملف الحوثيين. يتطلب الجانب العسكري تغييرًا في المنهجية والاستراتيجية، وقد خصصت الولايات المتحدة 1.85 مليار دولار لمواجهة تهديدات الحوثيين، بعدما تزايد أعداؤهم وخسروا الدعم الدولي ودخلوا في ميدان غير قادرين على مجابهته. الجميع يتفق على إزالة هذا الخطر، ولأول مرة استخدمت أميركا قاذفات B2 الاستراتيجية لقصف تحصينات الحوثيين تحت الأرض، حيث شيدت هذه التحصينات بمساعدة خبراء من إيران، وهي تستخدم لتركيب الصواريخ والطائرات المسيرة ومراكز القيادة. إلا أن الأقمار الصناعية الأميركية رصدت فتحات تلك التحصينات، ما دفع الحوثيين لتهجير 300 أسرة من منطقة منظر المطلة على مطار الحديدة، وهذا أدى إلى شن الطيران الأميركي والبريطاني هجمات على التحصينات في الحديدة في مديرية الحوك.
التعليقات