انتهى الأسبوع الأول من التصعيد على لبنان بمقتل الرجل الأول في ميليشيا حزب الله، حسن نصر الله، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كفيلاً بتغيير موازين القوى في المنطقة. وليس من الغريب أن يبالغ "بيبي" في تعليقه على الحدث، كون هذا "الصيد الثمين" يمنحه، ولو لبعض الوقت، فرصة لرفع شعبيته في الداخل الإسرائيلي، ويساعده في تخفيف الاحتقان الشعبي ضد حكومته، ويغطي جزئيًا على سلسلة الإخفاقات مع دخول الحرب على غزة عامها الأول واستمرار أزمة الرهائن والفشل في القضاء فعلياً على حركة حماس. لكن المؤكد أن اغتيال نصر الله أحدث ارتباكاً كبيراً في قيادة حزب الله، وهي على أعتاب اجتياح بري.

قائمة الاغتيالات الإسرائيلية مليئة بالأسماء الكبيرة، ومع ذلك لم تتمكن استراتيجيتها من إحداث فرق حقيقي في معادلة الصراع، ما دامت أيديولوجيات الحركات التي تواجهها لا تتأثر بالتغيير الذي يطرأ على قياداتها. لذلك، فإن تصفية نصر الله، الذي جاء في الأصل خلفاً للأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي، المغتال بدوره في غارة جوية، لا تعدو كونها استعراضًا للقدرات الاستخباراتية والقدرة على اختراق المنظومات الأمنية والتقليدية للاتصالات داخل الدوائر القيادية. هذه عمليات انتقامية محدودة لا ترقى إلى مستوى الردع الحقيقي، بما أنَّ الحركات التي تواجهها إسرائيل تنجح في استنساخ قيادات جديدة تسير على نفس خطى القيادات السابقة.

إقرأ أيضاً: تجار البلدة القديمة في القدس يستغيثون

قد تستمر إسرائيل في اغتيال قيادات أخرى، بالنظر إلى المستوى الاستخباراتي واللوجستي الذي كشفت عنه منذ عملية استهداف إسماعيل هنية في طهران، حيث كان يفترض أن تكون الاحتياطات الأمنية على مستوى عالٍ. كما أنه ليس من المستبعد أن تتواصل الاختراقات الإسرائيلية داخل قيادة حزب الله، لكن استمرار إيران في إطلاق خطابات التهديد عبر خامنئي من طهران ورسائل السلام والأمن من نيويورك عبر رئيسها، قد يعكس العجز الإيراني الواضح. هذا العجز يضعف نفوذ إيران ويهدد قوتها في المنطقة، وقد يولد تمردًا داخليًا في أذرعها، ينادي بمراجعة جدوى العلاقة مع ما يسمى بـ"وحدة الساحات".

تدعي إيران أنها تمارس سياسة ضبط النفس لتفادي توسيع رقعة الصراع في الشرق الأوسط، ما يمكن نتنياهو من مواصلة حربه في غزة دون خسارة الدعم الغربي. ومع ذلك، تستمر في تحريك ذراعها الصغير في اليمن لتجنب الإحراج الكبير الذي يلاحقها منذ بدء العملية العسكرية الإسرائيلية على غزة، مع غياب دورها المتوقع في مواجهة مصيرية. في الحقيقة، تضع طهران حدودًا لتصرفاتها، كما فعلت في المواجهات السابقة، بما يضمن استمرار حساباتها النووية وفتح قنوات الحوار مع حلفاء إسرائيل، وعلى رأسهم أميركا.

إقرأ أيضاً: الصومال ساحة حرب باردة بين مصر وإثيوبيا

بداية الحرب البرية في جنوب لبنان واحتمال انتهائها بتحقيق أهداف إسرائيل الأمنية قد يعني الكثير على مستوى خسارة "قوة الردع الوقائية" التي مارستها إيران عبر حزب الله. أما على المستوى اللبناني، فإنَّ انحسار هيمنة حزب الله قد يفتح الباب لعهد جديد يسمى "عهد الخلاص"، ما قد يعيد للدولة اللبنانية دورها في إعادة بناء ما دمرته السياسات الإيرانية الضيقة.