أخبار

تهجير المسيحيين ينهي قبول المختلف دينيًا

مع تسيّد "الدولة الإسلامية"... "الآخر" تحوّل شرًا مطلقًا!

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

يخشى إعلاميون من تفسّخ مبدأ قبول الآخر، إعلاميًا وسياسيًا واجتماعيًا، على ضوء ما تقوم به "الدولة الإسلامية" في العراق من إقصاء للمسيحيين والمختلفين عنها دينيًا، وهو ما يقتضي جهودًا مضاعفة للحد من تداعيات هذا التطور المخيف.

ريما زهار من بيروت: ما تقوم به "الدولة الإسلامية" أو ما كانت تعرف بداعش سابقًا في العراق من تنكيل بالمسيحيين وممتلكاتهم، يطرح السؤال عن مدى تعزيز هذه الدولة الإسلامية لمبدأ رفض الآخر وإقصائه، هذا الآخر المختلف دينيًا وعرقيًا وسياسيًا.

ويقول الكاتب محمد عابد الجابري إن أي واحد مختلف دينيًا أو عرقيًا أ‏و ثقافيًا يمكن أن يكون "الآخر"، بل هو في الواقع آخر بكل ما يعنيه الاصطلاح، وبالتالي يمكنه أن يؤثر ويفعل ويلعب دورًا، فيمكنه أن يكون صديقًا أو عدوًا، ‏مناقضًا أو مماثلاً، قابلاً للنفي والقبول، جنّة أو جحيمًا.

ويضيف الجابري، قديمًا قال سارتر: "إن الجحيم هو الآخر"، ‏كما قال في الوقت عينه: "أنا في حاجة إلى توسّط الآخر لأكون ما أنا عليه".

وفي ضوء هذا، اتخذت أديان وأيديولوجيات ومجتمعات وتجمعات ثقافيّة أو قوميّة أو غيرها موقفًا مختلفًا من "الآخر"، بعضها رآه خيرًا مطلقًا، وبعضها الآخر اعتبره شرًا مطلقًا، وذلك بحسب درجات الوعي الفردي والجماعي والمصالح والمكان والزمان.

مفهوم المواطنة

في هذا الصدد، يعتبر الإعلامي العراقي منتظر الزيدي في حديثه لـ"إيلاف" أن تعزيز مفهوم قبول الآخر يجب أن يكون بالعودة إلى مفهوم "المواطنة"، ومفهوم المجتمع المدني، والحفاظ على الهوية الوطنية، وأن الآخر مهما اختلف عني في السياسة والرأي هو شريكي في الوطن.

كلها أمور، برأي الزيدي، تُعزّز في المدارس والجامعات والندوات ووسائل الإعلام، وعلى وزارة الإعلام، سواء في لبنان أو العراق أو سائر الدول، أن تضع ميثاق شرف أو قانوناً للمطبوعات، غير القانون القديم، وعليه أن يحاسب ويجرّم بث الشائعات والتحريض الطائفي والمذهبي، لذلك فالقانون يحمي المواطن من الإعلام الموجّه.

ويلفت الزيدي إلى أن عدم تعزيز قبول الآخر في المدارس والجامعات والعائلات تحوّل إلى لغة كراهية تعتمدها الوسائل الإعلامية كافة، لأن رماد الحروب لا يزال ساخنًا، لهذا نجد في بعض النفوس بقايا ضغينة، لذلك يحتاج الأمر إلى تعزيز روح المواطنة ومحاولة النسيان، لكل الحروب والإقتتال كي يخرج المواطن العربي من عباءته القديمة ومن الحالة السوداوية لمأساة الحرب.

رشق بوش بالحذاء

ولدى سؤاله عندما رشقت الرئيس الأميركي جورج بوش بالحذاء في العام 2008، هل فعلت ذلك لأنه يختلف عنك بالرأي؟ يجيب الزيدي:" بوش ليس إعلاميًا وليس آخر كي أقبله أم لا، أنا أقبل الشعب الأميركي المسالم، وأقبل الآخر مهما كان مسلمًا مسيحيًا أو يهوديًا، ولكن قضيتي مع بوش كانت قضية وطن ومصير وشعب وأكثر من مليون ضحية، عندما أتى بوش إلى العراق فهو أتى كمحتل لبلدي وقاتل لشعبي وهادم للبنى التحية وقام بتجويع العراقيين لفترة طويلة، وجاء إلى العراق ليقول أنا انتصرت، بل هو كان قامعًا لشعبي، وكمواطن عراقي أردت أن أوصل فكرة إلى العالم تكمن في أن العراقيين لا يقبلون بالكذب وبأنهم استقبلوه بالورود، كما أشارت الوسائل الإعلامية، لذلك كنت جزءًا من هذا الشعب الذي قاوم الإحتلال بطريقته الخاصة".

على مستويات عدة

بدوره، يشير الإعلامي علي الأمين في حديثه لـ"إيلاف" إلى أن تعزيز قبول الآخر يتطلب جهدًا على مستويات عدة، من خلال جهد ثقافي وتربوي وأيضًا من خلال المناهج السياسية التي تعتمدها التيارات السياسية، والجهد يجب أن يكون على أكثر من مستوى، وهذا عادة يجب أن تقوم به مؤسسات المجتمع المدني والجامعيون والتربويون، والمسؤولية الأساس تقع على الدولة، ورؤيتها، لأن المعايير والمقاييس لأي دولة نريدها هي تنعكس وتتسرب إلى المؤسسات وإلى الإعلام بطبيعة الحال، وهناك موجة مسيطرة في الإعلام اللبناني تعمد إلى إلغاء الآخر، وهي الأقوى في الدولة والسلطة وعلى مختلف الأصعدة، وبالتالي لا نرى في لبنان قوى بارزة ومؤثرة في المجتمع إلا من خلال الشخصيات المنحازة، والتي لديها إيديولوجية معينة ولديها موقف وهي بصراع حاد مع الآخر، وهذا يغذي الإنقسام في المجتمع.

أنا على صواب... الآخر على خطأ

ويرى الأمين أن شعورًا عامًا يسيطر اليوم ومفاده أنني على صواب والآخر دائمًا على خطأ، ويرفض الأمين قول الإمام الشافعي، "رأيي خطأ فليحتمل الصواب، ورأيك الآخر صواب فليتحمل الخطأ"، لأنه لم يعد مقبولاً في النقاش السياسي، والحياة الإجتماعية، كل طرف يعتبر أنه يملك الحقيقة ولا يرى أن جزءًا من هذه الحقيقة موجود عند الآخر، وإن كان في الثقافة والأدبيات العامة يجب الحديث عنه، لأن واقع الحياة الإجتماعية والإقتصادية مختلف تمامًا، نظام المصالح ربما يفرض هذه الذهنية ويقوي من عملية رفض الآخر، ويصبح رفض الآخر مصدرًا من مصادر القوة، والنفوذ، وكذلك تأمين نظام مصالح للحياة السياسية والاقتصادية، وكلما كان الشخص متصلبًا ضد الآخر، يجد من يسانده في الحياة وفي توفير مصالحه والنفوذ والقوة بخاصة مع غياب سلطة القانون.

ويضيف: "إن احترام الآخر، ليس فقط أمرًا أخلاقيًا وتربويًا أو ترفًا، هو حاجة ماسة، وإذا لم يكن محميًا ولم يكن يسند إلى إجراءات قانونية، فهو لن يعمل به، ونزوع جزء من المجتمع إلى تجاوز التعدي على الآخر والسرقة، هو تمامًا نابع من عدم قبول هذا الآخر، وكلها عوامل تزيد من مشهد انتشار هذه النزعة أي عدم قبول الآخر.

يشار إلى أنّ مدينة الموصل العراقية بدأت تفقد تنوعها الذي طالما تميزت به عن بقية المحافظات، وذلك بعد سيطرة مسلحي تنظيم (داعش) على المدينة، حيث منحوا مهلة لساعات للمسيحيين للمغادرة وقاموا بتفجير مراقد أنبياء ومعالم حضارية، في خطوة خلفت ردود فعل عربية وغربية مستنكرة.
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف