امرأة مسنّة كانت بعملها تعيل أسرة كبيرة
عراقيون يتعاطفون مع بائعة زهور قتلها انفجار إرهابي
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
حصد تفجير إرهابي بغيض في ضواحي العاصمة العراقية حياة امرأة مسنّة كانت تعيل أسرتها من خلال بيع الزهور على إشارات الشوارع، حتى إن المارين حفظوا ملامحها واعتادوا على وجودها ليأتي خبر مقتلها كالصاعقة عليهم، خصوصًا أنها كانت تقاوم الحرب بالورد لتستمر على قيد الحياة.
عبد الجبار العتابي من بغداد: كانت تجلس صباح كل يوم بالقرب من إحدى الإشارات المرورية في منطقة بغداد الجديدة في ضواحي العاصمة العراقية لتكسب قوت عيشها وأسرتها.. لكن تفجيرًا عبر سيارة مفخخة هناك قضى عليها، ففارقت الزهور، قبل أن تفارق الحياة.
على الرغم من الأوضاع الأمنية الصعبة التي يعيشها العراقيون، والمتمثلة في حرب فرضتها داعش، أبدى العديد من مواطني مدينة بغداد حزنه وتعاطفه لمقتل المرأة المسنّة التي كانت تبيع الزهور في منطقة بغداد الجديدة، مؤكدين أن هذه المرأة كانت تعيل أفراد أسرتها بعملها هذا، التي تمتهنه منذ وقت طويل.
وأكد عدد من المواطنين أنهم يشعرون بالحزن لمقتلها لكونها امرأة كبيرة في السن، وتبيع الزهور في وقت يعيش العراق ظروفًا عصيبة، لا يفكر فيه إلا القليلون بشراء الورد، لكنها تضفي على المكان حضورًا مميزًا وجميلًا، فيما أشار البعض إلى أنه يجد أنها علامة فارقة في المكان الشعبي.
لفت آخرون إلى أن البعض ربما يعتقد أن موت امرأة كبيرة في السن لا يقارن بالشباب الذين اغتيلوا في (سبايكر)، لكن المفارقة في الموضوع أنها امرأة كبيرة في السن، وأنها تبيع الورد، وهذا ما جعل الكثيرين يحزنون عند سماع الخبر، وطالب البعض من أمانة بغداد ببناء نصب تذكاري لها في هذا المكان نفسه.
كما إن مواقع التواصل الاجتماعي شهدت الكثير من التعليقات التي ترحمت على هذه السيدة، وقالوا (إنها استشهدت..على يد بائع الموت.. تعفّنت جثته.. ومن عبق طيبها.. تناسل فينا..عبق الورد... !!)، وهناك من قال (لنغطيها بكل ورود الأرض) و(بائعة ورد تموت؟.. لم يبق جمال في بلادي. إلى رحمة الله) و(إن للورد جمالًا لا يراه إلا الذين يقتنونه) و(لقد أصبح بلدي لا يعرف هذه المسميات، ولا يتقبلها فقط للقنابل والبارود وخنق الأنفاس) و( متى نستيقظ ونجد الورود تملأ الشوارع في العراق، ولا نجد القتل ورائحة البارود ولا الدولة الإسلامية التي ذبحت أبناء البلد).
عُرفت بـ"الحجية"
بالمصادفة.. كانت "إيلاف" تمر من هناك، وشاهدت المكان الذي كانت تجلس فيه، وحين سألت عنها وجدت تعاطفًا كبيرًا معها، وسمعت البعض يتحدث عن قتل بائعة الزهور التي تجلس عارضة بضاعتها بالقرب من إحدى إشارات المرور، لكنها قتلت بحادث انفجار السيارة المفخخة التي انفجرت بالقرب من سينما البيضاء في بغداد الجديدة، يوم 28 آب /أغسطس. ساورنا الفضول أن نسمع من البعض شيئًا عنها، فوجدنا الكثيرين يتحدثون عن حضورها اليومي منذ الصباح إلى هذا المكان، وعرض سنادين الزهور البلاستيكية بالألوان الزاهية، ومنها تحصل على رزقها.
وسمعنا أن البعض حزين لأنها تبيع الزهور في زمن فيه دم الإنسان أرخص من كل الأشياء، وسمعنا من البعض أنها تعيل أسرة كما تعيل نفسها من هذا العمل، الذي هو أفضل من التسول، حيث إنها ترفض أن تمد يدها مثلما ترفض أن يتصدق عليها أحد، حاولنا أن نعرف اسمها، لكن الذين سألناهم لم يعرفوه بقدر ما كانوا ينادونها باسم (الحجية)، ولم يعرف أحد من الذين سألناهم أين تسكن. وقال البعض إنها كانت تزين المكان بحضورها اليومي المميز، ولعنوا أعداء الحياة والإنسانية، الذين لا يعرفون معنى امرأة تكد على أطفالها، ولا يعرفون معنى الزهور.
تبتسم رغم الحزن
فقد أعربت أم فهد عن أسفها لموت المرأة، وقالت: الى رحمه الله يا عراقية مثواك الجنة، لطالما زينت اركان داري بزهراتك الجميلات، وكنت امزح معك، واقول (هاي مابيه ريحه) فتبتسمين لي، فاحس اني قد خففت من همك بالضحكة، وارى نفسي امام شموخ روحك وعزة النفس التي لديك باني ﻻ استحق منك تلك الابتسامة، وانت بهذه السن واثار السنين العجاف المرسومة على وجهك.
واضافت: اقف احيانا فقط انظر الى زهورها لاسرق النظر الى وجهها الكريم، واحدث نفسي هل ستتقبل مني اذا عرضت عليها المساعدة، اخاف ان ترفض او تردني، فاشتري بعض السنادين الاصطناعية وانصرف وفي قلبي حسرة كيف لا يكون لمثل هذه المسنة معيل او راتب تعيش به بكرامة وبدون جهد، وارجع بذاكرتي الى تلك الايام التي كانت امي الله يرحمها تردد دائما (الهي لاتجعلني عالة لا على الارض وﻻ على العبد)، يرحمك الله ويحشرك وامي في جنات الخلود مع الصالحين.
عمي يا بياع الورد&
وأكد المواطن فاضل محمد، بائع متجول، أنه حزين لمقتلها. وقال: هذه امرأة مسكينة، أشاهدها كل يوم في هذا المكان، تأتي قبلي، تجلس من دون حركة، وتنادي أحيانًا للمارين كي يشتروا الورد منها، أحيانًا أمازحها وأقول لها "عمي يا بياع الورد، قل لي الورد بيش (بكم)"، لكنها لا ترد عليّ، فأمضي في طريقي.
أضاف: أنا حزين لوفاتها، صحيح أن حياتنا كلها موت وقهر، خاصة بعدما سمعنا عن جرائم (داعش) في الموصل وصلاح الدين وقاعدة سبايكر، إلا أننا ننظر في المكان القريب فنحزن لموت هذه المرأة في انفجار إرهابي، وبصراحة هي تستحق أن نتعاطف معها لكونها من جماعة الباعة المتجولين.
بريئة سنفتقدها
فيما أعرب علوان طاهر، سائق سيارة أجرة، عن أسفه لموت الناس الأبرياء بمفخخات الإرهابيين، وقال: كنت انتبه لهذه المرأة وأنا أمر في الشارع أو أتوقف عند الإشارة المرورية، وكنت أقول من يشتري الورد منها في هذا الوقت الذي فيه قوافل الشهداء تأتي من المحافظات، ونحن نسمع كل يوم جرائم داعش ومصائبه، كما أتساءل من يشتري منها وهي في هذا المكان الذي لا يمر به الناس حينما يعبرون الشارع، والظاهر أنها كانت تبيع لأصحاب السيارات، والذين يتعاطفون معها. وأضاف: لا أعرف اسمها، ولكنني حين أمر بالقرب منها أنظر إليها وهي منشغلة ببيع الزهور، للأسف ماتت هذه المرأة البريئة، وسيظل مكانها خاليًا، وسنفتقدها.
سلامًا سيدة الأزهار
من جانبه كتب الشاعر عبدالزهرة زكي عنها مقطوعة شعرية، قال فيها: سـلامًا سـيدة الأزهار، على الرصيف الشهيد في بغداد الجديدة، ما زال الدم ينزّ، وما زال ورد يعاود الظهور في المكان كل صباح، مرتويًا من الدم الذي ينز، ومكتفيًا بالحزن المرسوم على قسمات الوجه، وقد تركته على الرصيف الشهيد، فيما مضى التفجير الإرهابي الأخير بجثمانها إلى (دار السلام).
ما ذنبها&&&
فيما تساءل الكاتب جمال المظفر عن الذنب التي اقترفته هذه المرأة سوى أنها تبيع الزهور. وقال: امرأة ربما لاتعرف ما قيمة وأهمية الورد بقدر أهمية العودة بمردود مالي يكفي لإعالة أطفالها أو عائلتها.. الإرهاب لم يمنح الناس فرصة لالتقاط الحياة.. صادر كل شيء، ابتداء من الحرية والحياة.
أضاف: ما ذنب الإنسان الباحث عن لقمة عيشه ليحصده الإرهاب الأعمى.. أليس الأجدر بمن يدعي المقاومة أن يذهب إلى الجهة التي تمتلك ذات القوة، لا أن يمارس سطوته وجبروته على الفقراء أو بالأحرى المدنيين العزل.. أكثر الضحايا هم من المدنيين الأبرياء.. هدف الإرهاب هو ترهيب المواطنين وتعكير أسلوب حياتهم ومعيشتهم.
&