استفتاء الأحد ولادته السياسية الثانية
أليكسيس تسيبراس: يحبه اليونانيون… حتى الافلاس
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
يجذب أليكسيس تسيبراس اليونانيين بشعبوية بناها على تلبية طموحاتهم في وجه قسوة التقشف، الذي يفرضه الدائنون على أثينا. وهم مستمرون في دعمه ولو وجدوا انفسهم خارج أوروبا، يواجهون مصيرهم بأنفسهم.
بيروت: ثمة من يقول في أوروبا وفي اليونان أن "لا" الصاخبة في أثينا أمس الأحد كانت بمثابة "ولادة" جديدة لرئيس الوزراء اليوناني اليساري أليكسيس تسيبراس، أصغر رئيس وزراء في تاريخ اليونان الحديث.
فحين فاز تسيبراس على رأس حزبه سيريزا بالانتخابات العامة في كانون الثاني (يناير) الماضي، قدم له نظيره الإيطالي ماتيو رينزي ربطة عنق من الحرير هدية الفوز، فما كان منه إلا أن تعهد بارتدائها يوم يوقع تسوية مع الجهات الدائنة لبلاده في مسألة حزم الإنقاذ المالي الأوروبية لليونان. إلا أنها قد تبقى معلقة في خزانة ملابس رئيس الوزراء طويلًا.
صاعد بصخب
وتسيبراس الذي يخيف المصارف الأوروبية مولود في أثينا في العام 1974، بعد قليل من سقوط الطغمة العسكرية التي كانت تحكم البلاد في فترة شهدت انقسامات كبيرة بين اليونانيين. وقد ولد لأسرة لا تكترث كثيرًا للسياسة، حتى أنه نشأ بعيدًا عن الهموم العامة للبلاد، في حي مجاور لنادي باناثينايكوس الشهير، واندفع في تشجيع هذا النادي الكروي، وهو مستمر في ذلك إلى الآن.
بدأ تسيبراس نشاطه السياسي طالبًا في المرحلة الثانوية، حين قاد تظاهرة من زملائه في المدرسة محتجًا ضد سياسات اليمين اليوناني التعليمية، ومساندًا الحركة الطلابية التي طالبت حينها بحرية حضور أو عدم حضور الحصص المدرسية في المدارس. وحمل تسيبراس الهم السياسي معه إذ انتقل إلى الجامعة في أثينا لدراسة الهندسة المدنية. وهو معجب بالمناضل اليساري تشي غيفارا، إلى درجة أنه أطلق على ابنه اسم أرنستو، تيمنًا به.
وفي العام 2001، تجشم تسيبراس عناء السفر إلى جنوة الإيطالية ليشارك في احتجاجات اقتصادية صاخبة حينها، وقعت خلالها اشتباكات بين المتظاهرين والشرطة الإيطالية، وسقط فيها قتلى وجرحى.
زعيم بصورة برّاقة
دخل الحزب الشيوعي اليوناني وعمره 17 سنة، والتحق في العام 2004 باللجنة المركزية لحزب "سيريزا" قبل أن يتولى منصب الرئيس في 2008. في العام 2006، رشحه حزب سيريزا اليساري في الانتخابات المحلية ليكون عمدة أثينا، فطاف في العاصمة يوطد علاقته بالناخبين.
وفي العام 2009، وبمناسبة الانتخابات التشريعية، حصل حزبه على 4.6 بالمئة من الأصوات، أي 13 مقعدًا فقط في البرلمان اليوناني.
في انتخابات العام 2012 التشريعية، حل حزب سيريزا، بزعامة تسيبراس ثانيًا خلف "الديمقراطية الجديدة" برئاسة أنتونيس ساماراس (يمين)، وتصدر الانتخابات الأوروبية في ربيع 2014، متصدرًا لائحة اليسار الأوروبية.
منذ ذلك الحين، بدأ تسيبراس تلميع صورته الدولية، فأتقن اللغة الإنكليزية، كثف رحلاته الخارجية، وزار رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراغي ووزير المالية الألماني وولفغانغ شابيله، المدافع عن سياسة التقشف التي يرفضها، وكذلك البابا فرنسيس.
يحلم بأوروبا شريفة
وتسيبراس من أبرز المناهضين لسياسة التقشف التي فرضها الاتحاد الأوروبي على اليونان منذ العام 2010 بحجة إنقاذه من أزمة ديونه السيادية. وأعلن مرارًا أنه يريد إجراء محادثات جديدة لإعادة جدولة هذه الديون، التي تتجاوز 300 مليار يورو، أو تقليصها، متكلمًا برومنسية عن حلمه بأوروبا "متضامنة" و"شريفة" وليس بأوروبا "الليبراليين والمؤسسات المالية النهمة".
وغداة فوزه في الانتخابات التشريعية اليونانية بـ149 مقعدًا من أصل 300، قال بصوت عالٍ وبنبرة أحبها اليونانيون: " اليونان سيخلّف وراءه سياسة التقشف التي سببت لنا مشاكل عدة، كما سيخلّف وراءه الخوف، وخمسة أعوام من الإذلال، وأولويتنا إعادة التفاوض مع الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي على جزء كبير من دين اليونان& العام من أجل الانتعاش ووضع حد للتقشف".
وخلال لقاءاته مع قادة دول الاتحاد الاوروبي، أصر تسيبراس على عدم ارتداء ربطات عنق، وتحديدًا ربطة العنق التي قدمها له نظيره الإيطالي، ملتزمًا تعهده خلال حملته الانتخابية بتخفيف إجراءات التقشف الاقتصادي، والتي يطالب بها الاتحاد الأوروبي.
ورأى منتقدوه أن وعوده لا تناسب يونان فقيرة ترزح تحت الديون، بينما أكد مؤيدوه أنه يضع مصالح المواطنين فوق كل اعتبار.
ليست إنقاذًا
يرفض سيبراس تسمية المساعدة الأوروبية لبلاده بـ "حزمة انقاذ"، قائلًا في مقابلة صحفية انها ليست انقاذًا، بل لدى اليونان حاجات مالية، ونحن ضغطنا ميزانيتنا بقدر هائل في السنوات الأخيرة، ولدينا الآن فوائض أولية بدلًا من العجز، لكننا ما زلنا نستطيع الاقتراض بأنفسنا في أسواق المال، وللقيام بذلك علينا أن نستعيد الثقة بنا وان نصبح تنافسيين ونعود إلى النمو، لكن إلى أن يحدث ذلك علينا أن نمول أنفسنا بطريقة أخرى".
أضاف سيبراس: "انها ليست مسألة صَدَقة تُعطى لليونان، بل قضية مسؤولية مشتركة وتضامن اوروبي، وإذا لم تتمكن اليونان من خدمة دينها فلهذا تأثيره على شركائنا ايضًا، وبذلك تكون شبكة الأمان لليونان ضرورية، وعلينا أيضًا أن نعود إلى اسواق المال بأسرع وقت ممكن. لكن هذا لا يمكن أن يرتبط ببرنامج أدى إلى ضائقة اجتماعية بل نحتاج إلى برنامج يحقق النمو".
لا&يزال تسيبراس متمسكًا بموقفه هذا إلى اليوم، رغم أن أوروبا مجتمعة ترى أنه قاد اليونانيين بشعبوية مزيدة كي يحصد تأييد 62 في المئة من الشعب اليوناني لـ "لا" رفعها بوجه التقشف المفروض أوروبيًا، مهددة بإخراج اليونان من منطقة اليورو، بينما يقول هو بتفاؤله المعهود:& "نتيجة الاستفتاء لا تعني قطيعة مع أوروبا، بل هي تساعده على تحسين موقعه التفاوضي مع أوروبا". فهل هو مفرط في تفاؤله؟