أخبار

مع سنّ قوانين جديدة وتواصل تردي أوضاع الصحافيين المادية

مخاوف في تونس من المس باستقلالية الإعلام

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

مجدي الورفلي من تونس: رغم مرور أكثر من 6 سنوات على سقوط نظام بن علي، إلا ان وضع الإعلام في تونس لم يرتق الى ما تتطلبه الحالة الديمقراطية المفترض ان البلاد تعيشها.

وتتصاعد المخاوف من العودة بالإعلام الى المربع الأول من خلال وضع قوانين يقول المراقبون إنّها تمهّد لوضع الأحزاب يدها على الهيئة الدستورية المشرفة على القطاع السمعي البصري بالإضافة الى الوضع الإجتماعي والمهني المتردّي للصحافيين والذي يمثل مدخلا للفساد في هذا القطاع.

بدخول تونس مرحلة تفعيل دستور يناير 2014 عبر وضع ترسانة قوانين جديدة، تنظر الهياكل الصحافية والمنظمات الحقوقية في تونس بعين الريبة الى مشروع قانون حكومي لتنظيم الإعلام السمعي البصري والهيئة الدستورية المنظمة له، حيث تعتبر أن مشروع القانون المتعلق بإحداث "هيئة الاتصال السمعي البصري" متعارض كليا مع المكاسب التي نص عليها الدستور في مجال حرية التعبير والإعلام واستقلالية تعديل الاتصال السمعي والبصري.

ورغم ان مشروع قانون "هيئة الاتصال السمعي البصري"، وهي هيئة دستورية، لم تقع إحالته بعد على البرلمان التونسي لمناقشته وتبنّيه، إلا ان ذلك لم يمنع 16 هيكلا صحافيا ومنظمة حقوقية، من توجيه رسالة في نهاية يونيو الماضي إلى الرئيس التونسي ورئيس البرلمان تحذّر فيها من خطورة المشروع ومسّه من استقلالية الهيئة الدستورية والتأكيد على تعارضه مع المعايير الدولية لحرية الإعلام واستقلاليته، وانعكاساته السلبية على حق المواطن في صحافة حرّة وملتزمة بقواعد المهنة الصحافية وأخلاقياتها.

هيئة دستورية "مبتورة"

النوري اللجمي، رئيس "الهيئة المستقلة للإعلام السمعي البصري" المعروفة في تونس بـ"الهايكا Hica"، وهي هيئة وقتية تشرف على القطاع السمعي البصري الى حين إرساء نظيرتها الدستورية، أفاد في تصريح لـ"إيلاف" ان مشروع القانون الحكومي سُيفرز هيئة جديدة مبتورة ومجرّدة من ادوات العمل خاصة بعد إفراغ قانون جديد صادق عليه البرلمان الأسبوع الماضي الهيئات الدستورية من محتواها وجعلها تحت رحمة البرلمان ومن ورائه الأحزاب السياسية.

وصادق البرلمان الخميس الماضي على قانون جديد متعلّق بالأحكام المشتركة بين الهيئات الدستورية، ينصّ في فصله الـ33 على انه يمكن للبرلمان سحب ثقته من مجلس الهيئات الدستورية أو عضو أو أكثر بقرار من ثلثي أعضائه، وهو ما اعتبره النوري اللجمي "أداة ضغط سياسية من طرف الأحزاب أساسا، على أعضاء ومجالس الهيئات الدستورية في المستقبل، ومن بينها "هيئة الاتصال السمعي البصري".

رقابة لمنع تغوّل الهيئات الدستورية

في المقابل، اعتبر وزير العلاقة مع الهيئات الدستورية والمجتمع المدني وحقوق الإنسان مهدي بن غربية، في رده على انتقادات مس القانون من استقلالية الهيئات الدستورية، بالقول "ان إقرار الدستور باستقلالية الهيئات الدستورية لا يعني استقلالها عن السلطة التنفيذية والدولة باعتبارها جزءا منها وتأتمر بأوامرها وتخضع لإكراهاتها".

من جانبه، رأى النائب عن حركة النهضة في البرلمان رمزي بن فرج في تصريح لـ"إيلاف" انه "من الضروري وضع نوع من الرقابة اللاحقة على الهيئات الدستورية من قبل البرلمان تجنّبا لتغوّل محتمل داخلها، كما ان أعضاء الهيئات الدستورية يمرون خلال تنصيبهم عبر البرلمان وبالتالي فإنه من الطبيعي ان تكون تنحيتهم من طرف البرلمان في حال ثبت ممارستهم لإخلالات حدّدها القانون الجديد".

تراجع تصنيف تونس

خلافا للجانب التشريعي، عزّز التصنيف العالمي الأخير لحرية الصحافة لسنة 2017 الذي نشرته "مراسلون بلا حدود"، المخاوف من العودة بالإعلام التونسي الى مربّع ما قبل سقوط نظام بن علي، حيث صنّف التقرير تونس في المركز 97 من بين 180 دولها والذي اعتبرته نقابة الصحافيين في تونس وعدد من المنظمات الحقوقية "مؤشرا على فشل السلطات التونسية في امتحان احترام وضمان حرية التعبير".

والمؤشرات التي أدّت بتصنيف تونس في المرتبة 97 تتمثّل أساسا وفق ما أعلنته نقابة الصحافيين، في تواصل إحالة الصحافيين على القضاء بمقتضى قانون الإرهاب والقانون الجزائي، ورصد حالات لإحالة صحافيين على القضاء العسكري على خلفية مقالات صحافية او تدوينات على شبكات التواصل الإجتماعي بالإضافة الى تردي الوضع الإجتماعي والمهني للصحافيين.

وضع مادي وإجتماعي متردّ

كشف تقرير حديث حول الوضع المادي للصحافيين واستقلالية الإعلام، أنجزه "مركز تونس لحرية الصحافة"، ان 50 بالمائة من الصحافيين المستجوبين يحصلون على رواتب من المؤسسات الإعلامية تقل عن 400 دينار شهريا/حوالى 170 دولارا.

وأشار التقرير الى أنّ 50 بالمائة من الصحافيين المستجوبين يعملون دون عقود عمل، فيما أكد 63 بالمائة منهم أن الوضع المادي والمهني للصحافيين يؤثر في حرية الصحافة.

زياد الهاني صحافي تونسي معروف بدفاعه عن حقوق الصحافيين، إعتبر في تصريح لـ"إيلاف" أنه من الضروري دعم الجانب الاجتماعي للصحافيين عبر تطبيق القانون في علاقة بأجورهم أساسا وحقوقهم المهنية وتجاوز الفراغ التشريعي في قطاع الصحافة الإلكترونية.

كما طالب الهاني بضرورة إصدار وزير العدل التونسي لمذكرة موجهة لمنظوريه بصفته رئيس النيابة العمومية يمنع من خلالها إحالة الصحافيين خارج إطار القانون المنظم للقطاع الصحافي، ما يُعرف في تونس بالمرسوم 115، في حالة قيامهم بإخلالات او رفع دعوى ضدّهم.

ويقول محمد ياسين الجلاصي، وهو أحد الأعضاء الذين تم انتخابهم في نهاية مايو الماضي لفترة نيابية في المكتب التنفيذي الجديد لنقابة الصحافيين في تصريح لـ"إيلاف" ان "اول ملفّ اعترض المكتب التنفيذي الجديد هو التشغيل الهش للصحافيين".

وسيعمل الجهاز التنفيذي الجديد لنقابة الصحافيين وفق الجلاصي على "صياغة اتفاقية لتنظيم التعاقد بين المؤسسات الاعلامية والصحافيين بهدف التصدي لكل أشكال التشغيل الهش وضمان حد أدنى لحقوق مهنية ومادية ومعنوية للصحافيين العاملين في مختلف المؤسسات الإعلامية الخاصّة".

مدخل لسيطرة المال الفاسد

يعتبر عضو نقابة الصحافيين التونسيين مهدي الجلاصي ان ضمان استقلالية الصحافي وابعاده عن الضغوط غير ممكن دون ضمان حد أدنى من الحقوق المادية والإجتماعية للصحافيين حتى لا يبقى هضم حقوقهم المادية مدخلا يقع استغلاله للابتزاز والرشوة، السيطرة على الإعلام من طرف أصحاب المال الفاسد والأحزاب السياسية كما هو الوضع الآن في أغلب المؤسسات الإعلامية.

تجدر الإشارة الى ان السلطات التونسية أوقفت في نهاية مايو الماضي أحد رجال الاعمال المعروفين بفساده المالي وتباهيه علنا بسيطرته على عديد الوسائل الإعلامية والصحافيين، وقد أخضعته السلطات للإقامة الجبرية وجمّدت أمواله في اطار حملة تقول الحكومة انها تستهدف الفساد المستشري في البلاد.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف