أخبار

ابتزازٌ سياسي تزامن مع النزعة القومية التركية

دراسة: ما كان دور بريطانيا في مذبحة الأرمن؟

لقطة للكاتبة والباحثة السعودية تواصيف المقبل عند النُصب التذكاري للمذبحة الأرمنية في القاهرة مع رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية الدكتور آرمين مظلوميان
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إيلاف من الرياض: أنجزت الكاتبة والباحثة السعودية تواصيف المقبل دراسة عن المذبحة الأرمينية التي لقيت اهتمامًا دوليًا. ونالت في مارس الماضي درجة الماجستير في التاريخ الحديث والمعاصر، بأطروحة تقع في فئة "التاريخ الأوروبي والأميركي - السياسي والعسكري"، تصدر قريبًا في كتاب عنوانه سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمينية عام 1915.

في حوار شامل مع "إيلاف" فبل صدور الكتاب، تقول الباحثة تواصيف بنت حميد بن مقبل العنزي إن ما دفعها إلى اختيار موضوع بحثها هذا هو أن المذبحة الأرمنية من المواضيع الحساسة للغاية، والتي اكتسبت اهتمامًا دوليًّا واحتلت منابر المؤتمرات والاتفاقيات الدولية، لا سيما في بريطانيا، خصوصًا فور انتهاء الحرب العالمية الأولى. بحسبها، كان لبريطانيا موقف معارض منذ بروز المسألة الأرمنيةفي عام 1877، بصفتها إحدى الدول العُظمى المهتمة بأحوال المنطقة، وكان لها أيضًا موقِف سياسي وعسكري ارتبطت به الكثير من الأحداث والنتائج التي تتبعتها في هذهِ الدراسة وجرى تفسيرها كذلك بعيدًا عن الجدل التاريخي حولها.

تضيف المقبل: "انطلاقا من هذه اهمية الموضوع، الدافع الاول كان نُدرة الدراسات التحليلية النقدية المتخصصة في سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمنية، وكثرة الجدل والغموض حول دوافع الموقف البريطاني تجاهها، ما دفعني إلى توضيحها وتفسيرها وفقًا للمصادر. وقد اندفعت لتناول هذا الموضوع المكمل لدراسات سابقة تناولت التاريخ الأوروبي وكان لها تأثير وأبعاد حتى وقتنا الحاضر، رغبة مني في تفسير ظروف وقوعها بكل حيادية للأجيال القادمة، لأن بريطانيا كانت تتزعُّم كل حدث تاريخي مهم في تلك الآونة".

سؤال رئيسي متفرع

وما حفزها أكثر هو توافر المصادر الأجنبية من المادة الوثائقية المهمة خاصةً الوثائق المتعلقة بالضُباط والعسكريين والتي ارتبطت بسياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمينية في عام 1915 وغيرها من القضايا آنذاك.

في دراستها، تسعى المقبل إلى الإجابة عن سؤال رئيسي: ما هي سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمينية؟ ويتفرّع منه أسئلة عدة: لمن تُنسب المذبحة الأرمنية؟ هل للدولة العثمانية أم لحزب جمعية الاتحاد والترقي دور فيها؟ ما السياسة التي اتبعتها الدولة العثمانية تجاه الأجناس غير التركية، وخاصةً الأرمن؟ وما موقف الدول الأوروبية منها، وما دوافع السياسة البريطانية تجاه المذبحة الأرمنية؟ وماذا عن الموقف البريطاني السياسي والعسكري تجاهها؟

تطرق الدراسة أيضاً عدة أهداف، أبرزها توضيح ما إن كانت المذبحة تُنسب للدولة العثمانية إبان حكم السلطان عبدالحميد أو رجال جمعية الاتحاد والترقي، إضافة الى تتبُع تاريخي لسياسة الدولة العثمانية تجاه الأرمن، ورصد الدوافع التي جعلت بريطانيا تتخذ موقفًا من المذبحة، والكشف عنها وتوثيق سياستها تجاهها، بشقيها السياسي والعسكري. وقد انتهجت المقبل المنهج التاريخي التحليلي النقدي الذي يتعمد رصد الأحداث التاريخية وتحليلها ونقدها. وأكدت المقبل أن الحصول على المادة العلمية "تم عبر رحلات قمت بها بين عامي 2019 و2021 إلى عدد من الدول التي فيها جاليات أرمنية، وهم أحفاد من راحوا ضحية المذبحة، ومنها لبنان ومصر والولايات المتحدة، لكنني واجهت صعوبات في ظل مُناخ سياسي غير جيد، خاصة في لبنان حيث زرت جامعة هايكازيان الخاصة بالأرمن في بيروت، وقابلت أساتذة وعُلماء أرمن مُتخصصين في علم السياسة والتاريخ. كما زرت مركز الدراسات الأرمنية في القاهرة حيث التقيت رئيس الهيئة الوطنية الأرمنية الدكتور آرمين مظلوميان. كما زرت مقابر الأرمن الذين فرّوا من المذبحة الأرمنية الكبرى إلى مصر.

من فعلها؟

تحصر المقبل اهم نتائج دراستها في صعوبة نسب المذبحة الأرمنية إلى الإمبراطورية العثمانية وحدها أو لرجال جمعية الاتحاد والترقي وحدهم وذلك لسببين جوهريين: وقوع سلسلة من المذابح بيد بعض سلاطين الإمبراطورية العثمانية قبيل حدوث المذبحة الكُبرى في الحرب العالمية الأولى، ووجود نزعة قومية تركية تجاه الأجناس غير التُركية منذ أيام الإمبراطورية العثمانية وحتى وصول رجال جمعية الاتحاد والترقي إلى سدة الُحكم. تقول المقبل لـ "إيلاف": "من النتائج التي تم التوصل اليها وضوح استراتيجية بريطانيا العميقة تجاه العثمانيين، كأن تجعلهم يغرقون في أكبر عدد من الجرائم لتستخدمها في ما بعد لابتزازهم سياسياً. ويمكن القول إن المذبحة كانت من نتائج سياسة بريطانيا تجاه القضية الأرمنية الكُبرى إبان الحرب العالمية الأولى. فهي تتحمل مسؤولية ما ترتب من شتات أرمني حول العالم. وهذا يعني بشكلٍ أو بآخر أنها متورطة كذلك في المذبحة الأرمنية".

تتابع: "لا بد من الإضاءة هنا على الدور المعم والمؤثر للسفارات في الحرب العالمية الأولى خاصةً المـُلحقيات العسكرية. فقد أدت جُهدًا استخباريًا عميقًا خلق العديد من الفُرص الاستراتيجية وساهم في تحقيق المصالح لقوات التحالف، وعلى رأسها بريطانيا. اتضح من الموقف العسكري البريطاني تجاه المذبحة الأرمنية أن البريطانيين كانوا ينظرون إلى أرمينيا بوصفها موقعًا استراتيجيًا يجب ألاّ تُهيمن عليه القوى العُظمى الصاعدة آنذاك كروسيا مثلاً؛ لذلك كانت أرمينيا جُغرافيًّا بوابة تحقيق المصالح وقطع الطريق على الروس الطامحين للهيمنة الاقتصادية والسياسية −آنذاك− نحو الشرق الأوسط وصولًا إلى الهند".

وبحسبها، كان ثمة ترتيب مُحكم سبق موعد المحاكمات بسنوات من قِبَل دول التحالف في ما يخصُ محاكمة الكثير من مُرتكبي جرائم الحرب من بينهم الأتراك، "مع أن الحرب بذاتِها جريمة إلا أنه خلال الحرب العالمية الأولى يبدو لي أنه في تلك الأثناء ظهر تصنيف المذابح والمجازر ضمن جرائم الحرب، نظرًا لشناعتها. ولعل أهم نتائج سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمنية هو دخول الولايات المتحدة الأميركية الحرب العالمية الأولى، والتأكيد على أن الدوافع البريطانية تجاه المذبحة الأرمنية لم تأتِ ارتجالية، بل كان لها جذور إستراتيجية وسياسية شكَّلَت ردود فعل متباينة تجاه الأزمة. وكان المبدأ الحاكم لكل تلك الدوافع هو تطبيق مبدأ الغاية تبرِّر الوسيلة، بحسب مقتضيات الظروف السياسية الدولية".

كانت بريطانيا تسعى لتصدّر المشهد بتبنِّي قضايا وملفات مُعقَّدة وشائكة كالملف الأرمني. وكان من مصلحتها أن يتعقّد هذا الملف أكثر بواسطة سياسة المد والجزر حيال هذهِ الأزمة. فهي لم تسعَ يومًا لنيل الاستقلال للأرمن، أو إيجاد حلّ جذري لقضيتهم. تقول المقبل: "تبيَّن لاحقاً أن التنافس الاستعماري الدولي انعكس سلبًا على الشعب الأرمني، وعلى تقسيماتهم المذهبية والتي كانت بمثابة معسكرات للقوى العظمى. ومن هنا نجد أن القضية الأرمنية أظهرت بوضوح تضارُب مصالح الدول الأوروبية الكبرى بصورة تجعل اتفاقها ضد الإمبراطورية العثمانية أمرًا بعيد المنال، فوجدنا المواقف تتضارَب من حين إلى آخر تجاه الأزمة الأرمنية".

من هنا استقت معلوماتها

ما المصادر التي اعتمدت عليها المقبل في بحثها؟ تقول لـ "إيلاف": "كان هدفي كأي مؤرخ دارس لعلم التاريخ أن يكتب التاريخ ويُفسّر علميًا وبموضوعية، وأن يكون مُحايداً بشتى الطُرق، لغرض استشراف المستقبل والاستفادة من التاريخ السياسي والعسكري لتلك المرحلة. ولا شك في أن الكتابة عن موضوع "سياسة بريطانيا تجاه المذبحة الأرمنية تتطلب الوقوف على الفترة التاريخية التي سبقت ظهور المسألة، أي البحث عميقاً في جذور المُشكلة الأرمنية في الإمبراطورية العثمانية، خاصةً أن سبعينيات القرن الثامن عشر اتسمت بنشوء العلوم الإنسانية. فحينذاك، قا العديد من المدارس الفكرية التي تعتني بالتاريخ ومذاهبه واتجاهاته، والتي اتسمت كذلك بالتطوّر الفكري في القارة الأوروبية بعد تنامي الشعور القومي، ما جعلها تنظُر إلى التاريخ كسلاح تُثبت بهِ أحقيتُها الجُغرافية والسياسية على الأرض. فقد أصبح التاريخ هو التُرجمان للفلسفة الإنسانية لدى تلك الشعوب التي كانت تُريد الخروج من عباءة السيد والعبد".

أبرز المصادر التي استعانت بها المقبل هي وثائق الأرشيف البريطاني في لندن، وثائق الأرشيف الوطني الأميركي في واشنطن، أرشيف الاستخبارات البريطانية في وزارة الحرب البريطانية، أرشيف متحف الإبادة الجماعية الأرمني في جمهورية أرمينيا، والكُتب الوثائقية، والمذكرات الشخصية لعدد من الضُباط والقيادات في الملحقيات العسكرية البريطانية، والذين خدموا في استخبارات الجيشين البريطاني والأميركي والشخصيات السياسية وأعضاء الجمعيات الحزبية.

وتذكر المقبل بأن الوثائق التي تزامنت مع الحدث، وتُعد من أبرز المصادر التي يرجع إليها المؤرّخ لدراسة شيء ما، قد لا تُعطي تصوراً متكاملاً واضحاً عن القضية بما يُرضي طموح المؤرخ المُحايد. تضيف: "لا أعتقد أن الوثائق البريطانية التي كُشِفَت في الماضي قد تكون موضوعية بالقدر الذي يجعلنا نفهُم اتجاهات المسألة بحذافيرها. فالمراسلات بين البعثات الدبلوماسية في أثناء الحرب العالمية الأولى وحتى مُراسلات وزارات الحرب ورئاسات الاستخبارات المتمثلة بالمُلحقيات العسكرية في السفارات كانت تتحدث غالبًا بنظرتها ومصالحها. وفي أي حال، كان لا بُد من الرجوع إلى الوثائق على نحو ثلاثة مراحل تاريخية وهي قبل المذبحة وأثنائها وبعدها".

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف