فضاء الرأي

ماهية النظام الدولي الهجين القائم

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ما بات معلوماً تماماً منذ زمن بعيد أن جائرة نوبل تعطى لأعداء الشيوعية  وليس للشيوعيين، ولذلك لم أكن أؤمل أن أفوز بجائزة نوبل في الإقتصاد بالرغم من أنني كشفت عن أهم الحقائق في بنية الاقتصاد العالمي القائم منذ انعقاد أول مؤتمر للخمسة الرأسماليين الكبار (G 5) في قلعة رامبوييه/باريس (Rambouillet) في السادس عشر من نوفمبر 1975 – أولئك الخمسة، الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا واليابان، لم يكونوا حقيقة كباراً كما ادّعوا إذ كان خمستهم في طور الإنهيار ولذلك أعلنوا أنفسهم في "إعلان رامبوييه" (Declaration of Rambouillet) أنهم اللصوص الخمسة الأكبر في العالم . وكنت الوحيد الذي كشف عن لصوصية هؤلاء الخمسة الكبار ؛ بالإضافة إلى هذا فقد كشفت عن عدة حقائق كبرى في الاقتصاد العالمي القائم اليوم وهي التالية ..

في العام 1992 كنت أول من كشف عن انهيار النظام الرأسمالي في العالم وكان ذلك بسبب انفصال المحيطات عن مراكز الرأسمالية التي لم يعد بمقدورها التخلص من فائض الإنتاج عن طريق تصديره إلى الأطراف ومبادلته بالمواد الخام، فكان انتقالها الإضطراري إلى الإقتصاد الإستهلاكي (Consumerism) فترتب على ذلك انهيارها .
كتب سائر الاقتصاديين من اليسار ومن اليمين عن العولمة باعتبارها إنبعاث جديد للنظام الرأسمالي بالمزيد من التوحش، لكنني أكدت العكس تماماً وهو أن نزوح شركات الإنتاج من المراكز إلى الأطراف إنما هو انهيار النظام الرأسمالي وليس انبعاثه، إذ لا يقوم النظام الرأسمالي بدون مركز وأطراف، بنيته كبنية الخلية الحية حيث النواة، مركز الخلية، هي المدير والمدبر لسائر الأنشطة الحيوية للخلية .

في رامبوييه قرر الخمسة الأغنياء تضامنهم في الحفاظ على أسعار صرف عملاتهم ثابتة وهو ما يعني فصم العلاقة الطبيعية بين البضاعة والنقود، وكشف عملاتهم من غطاء البضاعة بعد أن اضطروا إلى التوقف عن إنتاجها . لم يكن من وسيلة في أيديهم للحفاظ على أسعار الصرف سوى المضاربة في أسواق المال ؛ وهكذا تحول الرأسماليون الخمسة الكبار من منتجين رأسماليين للبضائع إلى مجرد مضاربين في البورصة، وليسوا رأسماليين منتجين .

المضاربة في أسواق المال يمكنها أن تحافظ على أسعار صرف النقود لكن لا يمكنها أن تحافظ على قيمة النقد . البضائع وحدها ومنها الذهب هي التي تحدد قيمة النقد ولذلك كانت قيمة أونصة الذهب في العام 1970 حوالي 70 دولارا ووصلت في العام 2011 إلى 1900 دولاراً، وعليه فإن المضاربة لم تحم الدولار فدولار 1970 بات يساوي 33 دولارا من دولارات 2011 .
بانهيار النظام الرأسمالي انهارت الدولة الرأسمالية لتؤول الدولة خارج مسار التاريخ إلى طبقة البورجوازية الوضيعة وليس إلى البروليتاريا كما تقضي قوانين التطور بسبب خيانة الحزب الشيوعي السوفياتي للثورة الاشتراكية ؛ البورجوازية الوضيعة أزاحت البروليتاريا إلى الكواليس وعبثت بالسوق وأخذت تذيع أن القيمة الرأسمالية لا تحددها قوى العمل بل المعرفة واستنت للعالم قانون حق الملكية  الفكرية . وهكذا أخذت تستبدل الخدمة التي هي الانتاج الوحيد للبورجوازية الوضيعة بأضعاف أضعاف كلفة إنتاجها مع أن المعرفة وهي حجة هذه الطبقة الوضيعة لا تزيد المنتوج أية قيمة حيث هي لا تخسر شيئاً عبر مساعدتها في الإنتاج خليك عن الخدمة بحالها التي لا قيمة تبادلية لها . دعوى الإقتصاد المعرفي هي إحدى دعاوى البورجوازية الوضيعة الكاذبة والأكثر فجوراً.
مبادلة الخدمات بأضعاف أضعاف كلفة إنتاجها عمل مباشرة على التآكل المتزايد لقيمة النقود بعد فصمها عن قيمة البضاعة وهو ما أدى إلى العصف بقانون القيمة الرأسمالية وبتعطيل ميكانزمات السوق المعهودة .

نضبف اليوم حقيقة كبرى تُختزل فيها كل الحقائق السالفة الذكر وهي هجانة (Exotic) النظام الدولي القائم . 

كان النظام الدولي فيما سلف تقرره وسائل الإنتاج العاملة والقيمة الرأسمالية التي تنتجها تلك الوسائل . فمثلاً ما كانت بريطانيا لتستولي على مستعمرات حول الكرة الأرضية لا تغيب عنها الشس لولا أنها كانت الدولة الأولى التي استخدمت وسائل إنتاج جديدة تستخدم أدوات إنتاج مختلفة وهي المصانع التي تدار بقوة البخار والوقود والكهرباء وهو ما مكنها من تحشيد ملايين العمال وتحويل قواهم للعمل إلى بضائع ذات قيمة رأسمالية كانت الأعظم في العالم . حذت فرنسا حذو بريطانيا فكانت الدولة الإمبريالية الثانية بعد بريطانيا مع بداية القرن العشرين . أما روسيا القيصرية فقد توسعت جغرافياً في بلدان أواسط آسيا المتخلفة حيث تخلفت في تجديد وسائل إنتاجها وكان هذا أحد العوامل التي بكرت في الثورة الاشتراكية التي انتهجت التصنيع السريع واستخدام كل قوى العمل المتاحة ومكن الاتحاد السوفياتي بالتالي لأن يكون أقوى دولة في الأرض قبل بداية الحرب العالمية الثانية ويمتلك أزّمة العالم ما بعدها . أما ألمانيا وقد هزمت في الحرب العالمية الأولى وحاصرتها الإمبراطوريتان الإمبرياليتان بريطانيا وفرنسا ومنعتاها من تصدير فائض الإنتاج المتحقق فيها إلى أية مستعمرات تابعة لها فكان لقوى الإنتاج الألمانية أن عبرت عن نفسها بإنتاج الأسلحة التي لا يفيض إنتاجها، وأن رعت البورجوازية الوضيعة الألمانية هذا النمط من الإنتاج بانتهاج النازية الكولونيالية . فإذا كانت الإمبريالية تتحقق من خلال مبادلة فائض الإنتاج في المتروبول بالمواد الخام في المستعمرات، فالنازية ليس لديها ما تبادله حيث تنهب كل مقدرات الشعوب بعد إخضاعها بقوة السلاح، وهذا هو ما كانت تفعله الإمبراطوريات القديمة .

تلك كانت الصورة الكلية للعلاقات الدولية قبل النصف الثاني من القرن العشرين . مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وتحديداً في 28 فبراير شباط 1953 وأثناء العشاء في بيت ستالين إرتكب قادة الحزب الشيوعي جريمة تاريخية بحق الإنسانية إذ تواطأ أبرز قادة الاتحاد السوفياتي بيريا ومالنكوف وخروشتشوف على اغتيال ستالين ودسوا له السم في شرابه فكانت الضربة القاضية ليست لحياة ستالين فقط بل وللثورة الإشتراكية من جهة ولحركة التحرر الوطني العالمية من جهة أخرى اللتين كان يقودهما ستالين بنجاح مدهش إعترف به زعماء تاريخيين للعالم منهم فرانكلين روزفلت، وهو أعظم رؤساء أميركا على الإطلاق، وونستون تشيرتشل وهو أعظم زعماء بريطانيا على الإطلاق . كان ستالين يمسك بأزمّة العالم بيديه القويتين . شهد تشيرتشل على أن أحدا من القادة العظام في تاريخ العالم لم يكن بقوة ستالين . الثلاثة من قادة الحزب سمموا ستالين كي يرثوه لكنهم لم يحتسبوا أن قائداً عظيماً عظمة ستالين لا يرثه أقزام مثلهم فورثه الجيش الأصفر وليس الأحمر وكان أقوى جيش في العالم يقوده عشرات المارشالات وآلاف الجنرالات . الجيش ورث كل شيء لكنه لم يرث الإشتراكية ولا الثورة الإشراكية.

من المبادئ الأساسية التي كان يؤكد عليها ستالين هو أن الإشتركية تتنافى مع العسكرية فمن الطبيعي إذاً أن يكون العسكر ضد الإشتراكية . أن يكون العسكر ضد الإشتراكية قد يُعتبر مسألة تخص البلدان الإشتراكية دون سواها لكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فالمعسكر الإشتراكي شكل فيما بعد الحرب العالمية الثانية المظلة الكبرى الواقية التي جرت تحتها حركة التحرر الوطني العالمية وقد نجحت في تحقيق الإستقلال وفك روابط كافة الدول المستعمرة والتابعة بمراكز الرأسمالية الإمبريالية مما تسبب بانهيارها . كما كان المعسكر الإشتراكي الباب الوحيد الذي من خلالة يمكن للدول المستقلة أن تحقق التنمية الإقتصادية والاجتماعية تعزيزاً لاستقلالها بقيادة البورجوازية الوطنية . انهيار المعسكر الإشتراكي وقد بدا واضحاً في ستينيات القرن المنصرم  كان السبب المباشر في انهيار ثورة التحرر الوطني وصولا إلى انهيار عالمي لطبقة البورجوازية الوطنية الدينامية لتخلفها في الحكم والسلطة طبقة البورجوازية الوضيعة التي لا تمتلك أي مشروع تنموي. وخير مثال على ذلك الإنهيار هو ما جرى في العالم العربي فكان بديل عبد الناصر في مصر أنور السادات وبديل عبد الكريم قاسم في العراق صدام حسين وبديل خالد العظم وصلاح جديد في سوريا حافظ الأسد وبديل بنبلا في الجزائر بومدين ؛ أما خارج العالم العربي فكان بديل باتريس لومومبا في الكونجو موبوتو، وبديل احمد سوكارنو في أندونيسيا سوهارتو، وبديل ألليندي في التشيلي بينوشيه .
العسكر في روسيا ضد الاشتراكية، والسادات وصدام والأسد وبومدين وموبوتو وسوهارتو وبينوشيه ليسوا ضد التنمية فقط بل وضد شعوبهم أيضاً .           
(يتبع)

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
تهرؤ النقود
سعيد زارا -

الرفيق العزيز فؤاد شكرا على المقال. فيما يخص النقطة التالية : مبادلة الخدمات بأضعاف أضعاف كلفة إنتاجها عمل مباشرة على التآكل المتزايد لقيمة النقود بعد فصمها عن قيمة البضاعة وهو ما أدى إلى العصف بقانون القيمة الرأسمالية وبتعطيل ميكانزمات السوق المعهودة . هل يمكن ان نوضحها بالشكل الاتي: مبادلة الخدمات باضعاف اضعاف كلفة انتاجها و لانها اي الخدمات لا تلد النقد كما تفعل البضائع فتضطر الابناك المركزية و خصوصا البنك الفيدرالي الامريكي و البنك المركزي الياباني و الاوروبي الى ضخ كتل نقدية هائلة في الدورة الاقتصادية الميتة و هو ما يجعل قيمة النقود تتاكل بشكل متزايد. و هو ما يفسر التفاوت الكبير بين الكتلة النقدية التي تزيد عن الانتاج بكل اصنافه زيادة مهولة. تحياتي

إلى الرفيق العزيز سعيد
فؤاد النمري -

ما تقوله صحيح لرجل مشارك في البحث مثلك أيها الرفيق العزيزلكن قد تجد من يسألك من أين تأتي البنوك بالأموال التي تضخها في الدورة الإقتصادية الميتة ؟ولماذا الدورة الإقتصادية ميتة ؟إسمح لي أن أشرح الموضوع فيما بلي ..الإحصاءات الأميركية تقول أن مجمل الإنتاج المحلي يصل إلى 16 ترليون دولارمثل هذا البيان لا يعطي الحقيقة الحقيقة أن البروليتاريا الأميركية هي من أنتج كامل القيمة ( 16 ترليون دولار مع التحفظ الشديد على قيمة الدولار) وباع منتجو الخدمات إلى البروليتاريا خدمات بقيمة 13 ترليون دولار وهو ما مكنهم من إعادة إنتاج كل هذه الخدمات التي لم تضف للإقتصاد القومي شيئاً يذكرالخدمات التي بودلت ب 13 ترليون دولاراً هي في الحقيق لا تزيد كلفة إنتاجها عن ترليون واحد أو ترليونين وهو ما يعني أن إنتاج البروليتاريا لم يتعد 5 ترليون دولار دفعت منها 2 ترليون لمنتجي الخدمات كي ينتجوا خدمانهم والتي باعوها بدورهم للبروليتاريا بقيمة 13 ترليونالفارق بيت ترليونين هي كلفة إنتاج الخدمات و 13 نرليون قيمة مبادلتها أي 11 ترليون هو ما تغطي عليه البنوك وعلى حساب دولارات الطبقة العاملة فيتهرأ الدولار حتى يصل دولار 1970 يساوي 33 دولارا من دولارات 2011 ولذلك اضطررت حضرتك لأن تستخدم عبارة الدورة الإقتصادية الميتة الموضوع الهام جداً عناية المقال هو البنيان الدولي للنظام القائم وقد تحول من نظام طينته الاسمنت القوي إلى نظام طينته الطين الترابي الرخوكان النظام الدولي تقرره وسائل الإنتاج البضاعية أما اليوم فتقرره قيمة الدولار والتي اعتبرها مؤتر رامبوييه هي الأصل بعيدا عن البضاعة والذهب وقد بات لا بساوي أكثر من 3.5 سنتاتوهو ما يستكمل يالقسم الثاني من المقالتحباتي مع الشكر على مداخلتك العلمية في الصميم

مقالات راقية
خوليو -

تستحق هذه المقالات قراءة متأنية ليستطيع غير المتخصص بالاقتصاد فهمها واستيعابها ،،غير انني وحسب معرفتي البداءية في أمور الاقتصاد ارى فبها اجوبة عن أزمة النظام الراسمالي الحالي حيث اندهش بمشاهدة كيف ان المصارف المركزية تضخ أموال هائلة واسال نفسي طالما ان المال موجود،، فلماذا استمرارية هذه الازمة الخانقة التي وقع فيها النظام الراسمالي الآفلة شمسه ،، لذلك ارى في مقالات الاستاذ الخبير فؤاد اجوبة وتسليط ضوء مخالف للأضواء الاخرى التي تحاول شرح أسباب هذه الازمة ،،اشكر الاستاذ فؤاد واتابع مقالاته بشغف وانتظر الحلقة الثانية من هذه المقالة لأروي ظماي في معرفة أسباب هذه الكارثة القاتلة ،،شكراً مرة اخرى .

الصديق خوايو
فؤاد النمري -

أسعدتني يا صديقي خوليو طالما أنك تستنير بأنواري وإلى الأمام في الجزء الثانيولعل ردي على الرفيق سعيد يوضح أسباب تهرؤ النقودرغم أن مقالتي الهامة جداً تروح برخص الأخريات فلا تظهر في الصفحة الأولى لأربع وعشرين ساعةتحياتي للصديق خوليو

الصديق خوايو
فؤاد النمري -

أسعدتني يا صديقي خوليو طالما أنك تستنير بأنواري وإلى الأمام في الجزء الثانيولعل ردي على الرفيق سعيد يوضح أسباب تهرؤ النقودرغم أن مقالتي الهامة جداً تروح برخص الأخريات فلا تظهر في الصفحة الأولى لأربع وعشرين ساعةتحياتي للصديق خوليو