فضاء الرأي

هندسة الإصلاحات في الصين و خرافات التنمية بالعالم العربي

قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

في ديسمبر 1978، أصدر المؤتمر الوطني بيانا توجيهيا ترددت أصداؤه في جميع أنحاء الاقتصاد الصيني. البيان دعا إلى حل الاختلالات الاقتصادية ووضع حد ل"الفوضى في الإنتاج ، والبناء ، والتداول ، والتوزيع.." كما أعرب عن الرغبة في الحد من صلاحيات الإدارة المركزية في الشأنالاقتصادي، وإصلاح نظام البلديات ورفع مستويات المعيشة . 

إن هذا البيان شكل بحق ثورة سياسية و اقتصادية واجتماعية في الصين لأنه فتح البلاد على تحولات عميقة،جعلت الصين تنتقل من التخلف إلى التقدم، و من الهامش إلى المركز ...و اختيارنا لهذا البيان و للتجربة الصينية جاء في سياق عام محلي و دولي يهتم بالمارد الصيني لا سيما من الناحية الاقتصادية ...

و الغرض من هذا المقال تنوير الرأي العام العربي، وتوجيه بوصلة اهتمام الإصلاحيين و طالبي التغيير، إلى نماذج دولية استطاعت الخروج من رحم التخلف و التهميش لتجد  لبلدانها مكانا تحت شمس الحضارة والمدنية و التقدم ...و لسنا في حاجة إلى التأكيد على رفضنا لمبدأ "الأصينة"، على اعتبار أن العالم العربي و معه الإسلامي يتوفر على منظومة ثقافية وفكرية يمكن أن تشكل قاطرة  للتغيير و الإصلاح ..

لكن التجارب المقارنة تفيد صناع التغيير في أخد الدروس، و تجنب المثالب التي سقط فيها الغير. و حينماندرس تجربة الصين الشعبية لابد أن نضع في الاعتبار أننا أمام معجزة تنموية صنعها شعب بأكمله...

فهذه التجربة التنموية الصاعدة أبطلت مفعول مجموعة من الخرافات التنموية، التي شكلت و لازالت تشكل في البلاد العربية عائقا أما تحقيق التنمية بمفهومها الشامل، و هذه الخرافات يمكن إجمالها في العناصر التالية: 

أولا – خرافة الانفجار الديموغرافي: عندما نسمع في البلاد العربية أن معظم هده البلاد تعاني من انفجار سكاني و أن مستوى العرض من السلع و الخدمات العمومية يظل أقل من الطلب ، وبدلا من إرجاع الفشل في إشباع الطلب على هذه السلع العمومية كالصحةوالتعليم و النقل ...إلى سوء الإدارة و التدبير يتم في الغالب إرجاع هذا القصور إلى النمو الديموغرافي، و الواقع أن مجموع ساكنة العالم العربي بأسره، لا تمثل ثلث ساكنة الصين، و التي تقدر بحوالي 1.4 مليار نسمة، ومع ذلك فهذه البلاد استطاعت أن تحقق تقدما جد ملموس في مجال تقديم السلع العمومية بجودة و كفاءة عالية...

ثانيا – خرافة "التنمية بالتقسيط": عملية التنمية عملية مركبة فمن غير المعقول الاهتمام بالصحة مثلا دون التركيز على نشر التعليم، أو التركيز على التنمية الاقتصادية و إهمال التنمية البشرية، و التجربة الصينية تعطينا في هذا المضمار درسا بليغا في مجال هندسة عملية التنمية و الإصلاحات الاقتصادية والإدارية المتتالية، صحيح أن البلاد تبنت مبدأ التدرج في تنزيل العديد من الإصلاحات، لكن العملية ككل خدعة لهندسة دقيقة من حيث الجدولة و الامتداد الأفقي و العمودي للإصلاحات ...

ثالثا- خرافة تحقيق الإصلاح بنظام سياسي و بيروقراطي فاشل: من المسلم به أن الإصلاح يقتضي حدا أدنى من الإدارة الفعالة و الإرادة الصلبة ، وهذا ما ينطبق على النظام السياسي و الحزب الشيوعي الصيني، فقيادات الحزب بعد وفاة "ماوتسي تونغ" امتلكت الجرأة و الإرادة على القيام بعملية نقد ذاتي لمسار التجربة الماوية، و تحقيق انتقال أبيض للسلطة داخل الحزب و الدولة وصعود قيادات عرفت بتوجهها الإصلاحي طيلة الحقبة الماوية، ولعل و جود قيادي ذو قدر من النزاهة و المشروعية لدى فئات واسعة من الحزب و الشعب الصيني سهل عملية الإصلاحات اللاحقة...لذلك فإن النظام السياسي الفاسد و الفاقد للإرادة و الشرعية يصعب أن ينفذ إصلاحات بنجاح...

و لعل هذه الخرافات الثلاث هي الداء الذي يستوطن الجسد العربي منذ زمن ليس بالقصير، فشعارات الإصلاح و التغيير، رفعت منذ نهايات القرن 19 و مطلع القرن 20 ، و توجت بإقامة أنظمة و إسقاط أخرى، لكن ظلت دار لقمان على حالها، فالمنطقة العربية لا تعاني من الاستبداد السياسي و الحكم الفردي فحسب، بل إنالأمر أعمق من ذلك فبجانب الاستبداد هناك الجهل و التجهيل و إسناد الأمر لغير أهله، فآفة العالم العربي أن الحاكم يحتكر السلطة والتجارة إنه الحاكم بأمر الله وسلطته على البلاد و العباد لا حدود لها و لا راد لقضائها، على خلاف النموذج الصيني، فالحكم هناك بيد الحزب الشيوعي الصيني، نعم هناك ديكتاتورية الحزب الواحد، لكن القيادات الحزبية والسياسية يتمانتخابها من قبل أعضاء الحزب، لذلك فان المتصدرين للمشهد العام هم من خير أبناء الصين ...لكن إذا رجعنا لبلداننا وجدنا أن معظم صناع القرار لا يملكون الكفاءة والأهلية لإدارة متجر فكيف بإدارة مصير شعب. 

فالخلل ببلداننا ليس في قلة الفرص و الموارد و لكن في فساد الرؤوس المدبرة و عجزها عن إنتاج حلول وبدائل من خارج الصندوق، و لن أجد أفضل من قول النبي محمد عليه الصلاة والسلام لمن سأله عن الساعة منذ قبل 1400 سنة فقال : «إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري [59])، و ها نحن نرى بأعيننا صدق نبوءة النبي علبه السلام وخراب بلداننا وسيرها بعزم نحو الهاوية ...و الله غالب على أمره...

*إعلامي مغربي و أكاديمي متخصص في الاقتصاد الصيني و الشرق آسيوي .

 

 

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لا وجه للمقارنة وهذا شرط
النهضة والتقدم والتفوق -

المقارنة ظالمة نحن كشعوب عربية مسلمة نقبع تحت انظمة وظيفية قمعية عميلة للغرب وجاسوسية له ، وحتى العملاء الذين جربوا التمرد على الغرب جرى تدمير مشاريعها النهضوية مثل مشروع محمد على باشا في مصر وبعده مشروع عبدالناصر ومشروع صدام حسين ، المشاريع النهضوية الحقيقية والانتاجية والتي تعبر بالشعوب الى الاستقلال الوطني والابداع والابتكار يحاربها الغرب ويبقي فقط على المشاريع الاستهلاكية التي تكون موادها الأولية مستوردة منه لن يسمح الغرب للشرق المسلم بنهضة حقيقية في جود الانظمة الوظيفية والكيان الصهيوني ولذلك لابد ان تتوجه الجهود أولاً لإزالة هذه النظم والكيانات الوظيفية واولها الكيان الصهيوني

الحل واضح
فول على طول -

الكاتب والباحث الاقتصادى فى شئون الصين والشرق الأوسط ومعة تعليق رقم 1 عرفوا أسباب مشاكل الذين امنوا وسبب تخلف المسلمين وهو الغرب الكافر الذى يتربص بالمسلمين ومعة الكيان الصهيونى وعليهم الحكام المسلمون المستبدون ...خلاص عرفتم المشكلة أو سبب تخلفكم ...اذن ما هو الحل ؟ الحل هو القضاء على أسباب المشكلة وهذة نظرية معروفة وبسيطة وسهلة ولا تحتاج الى باحثين ...عليكم بالقضاء على الغرب االكافر والكيان الصهيونى ومعهم حكامكم المستبدون ...لكن هل تعتقدون أن هذا ممكن ؟ أو بعد هذا هل بالفعل سوف يتقدم الذين امنوا ؟ أم تظلون متخلفون وتبحثون عن أسباب أخرى لتخلفكم ؟ الذين امنوا يبدأون بالبحث وينتهون دائما بأن الأخرين هم السبب فى تخلفهم ...لا يمكن أن يكون السبب فى المؤمنين ...ربنا يشفيكم قادر يا كريم .

متى يتوقف هذا الفول
عن التوهم؟ -

هذا الفول "يصطنع" المشكلة ويضع الحل لترهاته الوهمية!. هل من وعي زائف يفوق ذلك؟؟ نسيت -كعادتك- هجراننا لمبادئ عامة تبني الأمم الحديثة مثل ماليزيا وتركيا: الدين المعاملة.. ويؤثرون على انفسهم.. ان الله يحب اذا عمل أحدكم عملاً ان يتقنه...أَلَيْسَتْ نَفْسًا؟... ولا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَئآنُ قَوْمٍ علـى ألاَّ تَعْدِلُوا اعْدلُوا هُوا أقْرَبُ للتَّقْوَى.. وهل ينبؤك مثل خبير.. لعن الله الراشي والمرتشي...ولو كنت على نهر جار... وشاورهم في الأمر.. من غش فليس منا... تركه ما لا يعنيه..... وغيرها الكثير.

لا يوجد عند الفول
أجهزة استقبال؟ -

الم يقل لك منذ سنة ان العوامل الكيدية الخارجية تفسر جزئياً ولا تبرر مطلقاً تخلف الأمة؟؟ والتفسير غير التبرير بالطبع بروفسور فول. الاصل تقوية "البيت الداخلي"بالعودة الى اسس بناء الامة الاخلاقية والعلمية مع الأخذ بالحسبان مؤامرات "الخارج" وأنانيتهم. لا بأس، فالتكرار يفيد غير الشطار.

الشيح لا حافظ ولا فاهم
فول على طول -

اهدأ قليلا يا شيخ وحاول تركز ولا تقفز من موضوع الى أخر وتهرب من الموضوع الأصلى حتى تخرج بنتيجة ...المقال وتعليق رقم 1 - ودائما تكررون نفس الكلام - بأن سبب تخلفكم وبلاويكم هو الغرب الكافر والكيان الصهيونى والحكام المستبدين - راجع المقال وراجع تعليق رقم 1 وحاول تركز - أى أنكم عرفتم أسباب المشكلة ...والحل دائما يكون بالقضاء على أسباب المشكلة ...فهمت ؟ اذن ما هو التهكم فى تعليقى ؟ عموما أنا بالفعل أزدرى الأغبياء ومن لا يريد الفهم ...وتكررون دائما أن الدين معاملة وأنا سألتك هل بالفعل معاملتكم للناس تثبت أن دينكم هو الأعلى أم العكس ؟ وماذا عن معاملة اليابانيين للبشر وهم من أرقى الشعوب فى التعامل مع البشر ...هل تعتبر ديانة الشنتو ديانة اليابان أفضل ديانة ؟ لا تهرب وحدد اجاباتك ...

تعليق
أبو ذر -

هل عيسى ابن مريم إله؟ وإذا كان كذلك، مَن قال ذلك؟

رمتني بدائها
وانسلت -

نسيت الحرب العالمية الاولى والثانية ومشاركة اليابان فيها؟

هذار الفول
بعد وجبة فول دسمة -

ما علاقة اليابان بالموضوع؟