فضاء الرأي

وَهْج الأرْبعِين

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

إذا كانت الأربعين تعني كل ما تعنيه في ثقافات وكوامن الشعوب والأفراد، فإن ما بعدها وهجٌ وكشفٌ ونورٌ وحريّة. 
بلوغ محطّة الأربعين، يعني الوصول إلى لحظة الحقيقة والمسؤولية، حيث لا مهرب من أجوبة واضحة على أسئلة مصيريّة، ماذا أنجزت، في حياتك، في أسرتك، في عملك؟ هي _ برأيي_ كشف حساب مبكر يمهّد لدخول رسمي إلى مربّع " الجودة ".

ورد في العديد من المأثورات الشعبية قولهم: " يخلق من الشبه أربعين " و" من عاشر القوم أربعين يوماً صار منهم "، و" الأربعينيّة " يُحييها البعض من مختلف الديانات والثقافات بعد مرور أربعين يوما على وفاة الميت حيث لا ينزعون لبسهم الأسود إلا بعدها وتعني أيضاً إنتهاء حالة الحداد، وهي عادة مصرية قديمة منذ عهد الفراعنة. 
وإن إرتبطت " الأربعين " بالحزن والسواد فإنها أيضاً لحظة نهاية وعبور إلى الحياة الطبيعيّة بكل ما فيها من ألوان. 
 
نحن العرب، ويا لشقائنا، يرى أكثرنا في سن الأربعين يأساً وقنوطاً وذبولاً إستباقياً، فيُسارع إلى الإستسلام السّهل أمام أوهام هي بذاتها من صنع ما ترسّب في أذهاننا من إنطباعات خاطئة. 
فما بالنا لو نظرنا إلى حقائق " الأربعين " من زاوية أخرى، فنحن مجتمعات شابّة سريعة الإنفعال، تتأثر بالعاطفة الدينية على نحوٍ خاص، ومراحل العمر المبكرة لا تسمح للسواد الأعظم من الأجيال الفتيّة بسعة الإطلاع على منابع الأفكار ومشاربها المختلفة ولا حتى على معانيها ومقاصدها، وفي ظل حالات الفوضى نجد أن خطاب الإرهاب ينتشر بين الشباب إنتشار النار في الهشيم، وأن معظم هؤلاء " الضحايا " هم من الفئة العمرية بين 15-25 عاما، أليس الإرهاب أكثر ما يهدد مجتمعات وشعوب ودول منطقة الشرق الأوسط، ثم أليس الوعي والنضج من أبرز شروط التخلص من هذه الآفة الفتّاكة؟ أوَليس من بلغ الأربعين نجا؟. 
إلى هذا، تضيق الأنفاس على الشباب ويحاصرهم التشدّد مدعوماً بفائض عادات وتقاليد تبالغ في المنع والتقييد والتحريم، فالفنون مكروهه ومُحرّمة، والرياضات مهملة، والعلاقات الإجتماعية مقيّدة بإعتبارات ضيّقة، فلا يجد الشاب من منفذٍ يعبّر من خلاله عن هويّته وهواياته وطاقاته إلاّ سراً أو خارج النسق والصندوق، لهذا نلاحظ أن نسبة كبيرة _ ومسكوت عنها _ من الشباب تتعاطى المخدرات والمنشطات في نزق وطيش مزيّف ليس فيه إلاّ ما يندم عليه أي شاب فورَ الخروج منه. 
والحال، نتوق وننشد مجتمعاً عربياً " أربعينيّاً " مُنتجاً وعاقلاً يفهم العالم، وقادر على أن يحدد موطيء قدم له فيه، يمارس التسامح و يضطلع بمسيرة التنمية على أفضل وجه ممكن. 

الغرب الهادر بالحياة والإبداع لا يتوقف لا عند الأربعين ولا حتى عند السبعين، هو مسكون بالحركة والإنتاج والبحث الدائم عن الجديد، وإنك لتحتار في سن معظم النساء الغربيّات وقد أصرَرْن على حسن طلّتهن رشاقةً وموضةً وذوقاً وجمالاً، وإعتبار ذلك مسألة ثقافية تتعلق بتقديم أفضل صورة أمام الغير دلالة على إحترامه، فيما تصرّ بعض موروثاتنا الذهنية _ ويا للهول _ على إحياء مراسم وأد "المرأة الشرقيّة " في الأربعين!. 

أذهلني ما رصدته في عدد غير قليل من المجلات النسائية العربية ووسائل إعلامية أخرى من تكريس فاضح للصورة النمطية عن سن " الأربعين "، فهي ملأى بأحاديث العزاء والتعويض في تسليم ضمني _لا إرادي_ بأن بلوغ هذا السن يعني نهاية كل شيء، فتتردد _ مثلاً _ مصطلحات ( العمل الخيري – إسعاد الآخرين – جمال الروح لا جمال الشكل- سن الأمل لا سن اليأس )، فيما يغيب أي حديث عن ديمومة "الأنوثة " أو أي إهتمام بمظهر الجسد. 
معلوم أن تراكمات موروثة مترسبة في النفوس والنصوص لا يمكن زحزحتها بسهولة، لكنّ الشغف وحب الحياة كفيل بتغيير الكثير من الأفكار القاحلة السائدة. 

 جنّ الشعر لا يأتي إلاّ بغمائم بيض ورقائق مسحوره، والشعراء إستثناء دائم، إلاّ أن لدى أكثرهم "فوبيا" الأربعين، غازي القصيبي، المتعدد المواهب والإنجازات، شاعراً وديبلوماسيا ووزيراً، صوّر ما فعلته الأربعين بنفسه وجسده بعد أن أحالت أحاسيسه الفتيّة إلى كهولة فأطفأت شعلة حماسه وإستراح الفتيل بعد أن نفذ الزيت، قال: 
 
قبضةُ الأربعين تهْصُر روحي.. فأحاسيسي العذارى كهولُ 

لم تَعد ثمّ شعلة من حماسٍ.. سَكب الزيت واستراح الفتيلُ 

وفي قصيدة أخرى يتساءل بقلب يحوي بين طياته الألم والحسرة على صباه الذي ولّى فيقول 

 عدتُ كهلاً تجره الأربعون.. فأجيبي أين الصبا والفتون؟ 
     
يتداول البعض أن لكل إنسان 10 سنوات من حياته يكون خلالها في قمة حيويته ونشاطه وعطائه وإبداعه، ويحظى فيها بما تضمره له الحياة من فرص، وغالباً ما تأتي هذه العشر بعد الأربعين، هنا من البديهي أن يكون المرء قد صقل تجاربه ومعارفه وصار مُهيئاً لكل أنواع الإستحقاقات والمهمّات، الأربعون أرض المعركة الحقيقيّة إذا ما حقق الإنسان فيها إنتصاراته منجزاً قصتّه تاركاً بصمته، وبعدها، يا مرحبا بأبيض الشعر وشمس المغيب. 

تقول فيروز في الأغنية باللهجة اللبنانية المحكيّة: "تعا تا نتخبى من درب الأعمار.. وإذا هني كبروا.. نحنا بقينا صغار.. وسألونا وين كنتو.. وليش ما كبرتوا إنتو.. منقلن نسينا.. واللي نادى الناس.. تيكبروا الناس.. راح ونسي ينادينا ". 

جميل أن نبقى أطفالاً في أرواحنا، نعيش الحياة على سجيّتها، كأن نضحك لأناسٍ لا نعرفهم، أو أن نتلقّف كرةً طائشة من أولاد يلعبون على ناصية الشارع، نُراوغ بها ثم نرسلها ركلة " رونالدونيّه " ونتابع المسير.. 

شخصياً، وإن كانت الأعمار بيد الله، لتمنيت لو كان لي أن أركب كبسولةً صاروخيةً تخطفني من ما تبقى لي من عقد الثلاثين لترمي بي في أحضان الأربعين، حيث جائزتي، وموعدي مع الحرية. 

كاتب وصحافي لبناني

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مرحلة تبليغ الرساله
أمين -

كثير من الواقع والمنطق في كون عام الأربعين هو عام إكتمال النضج والإستعداد التام لتبليغ أي دعوة أو رسالة ، والنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم بعث للناس وهو في سن الأربعين

لا يصلح العطار ما أفــ...
غسان -

بالنسبة للمرأة العربية فلا شك أنها تقاوم أزمة ما بعد الأربعين وهناك تقدم في هذا الإتجاه وعديد من النساء تخطين هذا " المطب " لكن بشكل عام لا يحب أي إنسان فكرة التقدم في العمر ومعظمنا يتغنى ويحن إلى أيام الصبا والشباب .....

مطلب سهل ممتنع !
كاتيا منصور -

أقتبس من ما قال الكاتب : " والحال، نتوق وننشد مجتمعاً عربياً " أربعينيّاً " مُنتجاً وعاقلاً يفهم العالم، وقادر على أن يحدد موطيء قدم له فيه، يمارس التسامح و يضطلع بمسيرة التنمية على أفضل وجه ممكن " . وهذا ما أتوافق معه عليه ، لكنه يبدو صعبا وبعيييييد المنال

اماراتيه ولي الفخر
اماراتيه ولي الفخر -

إذا كانت الأربعين تعني كل ما تعنيه في ثقافات وكوامن الشعوب والأفراد، فإن ما بعدها وهجٌ وكشفٌ ونورٌ وحريّة. بلوغ محطّة الأربعين، يعني الوصول إلى لحظة الحقيقة والمسؤولية، حيث لا مهرب من أجوبة واضحة على أسئلة مصيريّة،))<< هممممم ونسيت اتقول على أهم حاجه عن ""40 سنه " ان هي السن اللي نزل على الانبياء " الوحي " لتبليغ الرساله السماويه يعني هذي السن المناسبه يعني ممدوحه عند الخالق مش مذمومه مثل عقلية أهل الطين والطين يبقى طين يعني "" نــاقص "

ثقافة الموت ..وعكسها
فول على طول -

انما الدنيا لا تساوى جناح بعوضة ...انما الدنيا عبث ولهو ...الموت فى سبيل اللة .... الى أخر هذة القافة التى تحط من قيمة الدنيا وقيمة العمر والحياة ...الحياة الهبة الربانية التى يحياها الانسان مرة واحدة فقط لا غير ....تعاليم الدين الأعلى تحتقر الحياة وترغب الموت ولذلك لا تجد انتحاريين الا من الذين أمنوا وأغلبهم فى العشرينات من العمر ....أما المرأة المؤمنة فهى تكرة نفسها مجرد أن تعرف أنها أنثى ...وتكرة جسدها وشعرها ووجها لأنها عورة ..وفى حالة خصام دائم مع جسدها وتخشى أن يظهر منة شئ لأن الههكم سوف يعلقها من خصلات رأسها ...وهذة بعض أمثلة قليلة جدا ..فى النهاية تجد الرجال المؤمنين انتحاريون ويعشقون الموت والنساء المؤمنات كارهات لحياتهن وخائفات من الموت لأن أغلب أهل النار منهن ... وأن الأزواج مشغولين عنهن بالحوريات والولدان ...مساكين الذين أمنوا .

اضاءة في
زمن الرويبضة -

حفظ النفس هي من المقاصد والمقدسات الاسلامية، الى جانب حفظ العقل والدين والمال والنسل . وقال تعالى تأييداً لهذا المقصد : "مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ". متى يبتعد العلمانيين العرب عن الانتقائية الممزوجة بخطاب الكراهية؟؟؟

الحياة مطلوبة حتى
للزهر وقبل القيامة بلحظات -

قال صلى الله عليه و سلم : ( إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها )!

الحياة مطلوبة
حتى للحيوان -

وفي حديث آخر في الصحيحين عن أبي هريرة: "بينما كلب يطيف كاد يقتله العطش إذ رأته بغي من بغايا بني إسرائيل فنزعت حذائها فسقته فغفر لها به".

الى شيخ أذكى اخوتة
فول على طول -

يا شيخ ذكى نرجوك أن تتوقف عن التدليس ...قراء ايلاف ليسوا تلاميذ كتاتيب من اياهم ...الاية كالاتى : مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ...انتهت الاية ..يعنى كتب على بنى اسرائيل وليس على المسلمين ولا داعى أن نددخل فى التفاسير ..انتهى - أما قيمة الحياة عند الذين أمنوا ومن كتبكم فهى كالاتى : عن سهل بن سعد – رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه و سلم : ” لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء “.قال الله تعالى (( انما الحياة الدنيا لعب و لهو ))المرجع : ساعة و ساعة للشيخ محمود المصري لدنيا لا تساوي شربة ماء - مركز العاصفه - إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ ۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ ۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ ۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (111) ...انتهى - يعنى اللة اشترى من المؤمنين أنفسهم ولكن فى الحقيقة هو باع لكم جنة الأوهام ولم يدفع شيئا ...بل ضحك عليكم وجعلكم تنتحرون مقابل جنة وهمية من الحور والولدان والخمر والعسل واللبن واللحم ...نكتفى بذلك .

موضوع مهم
Rano -

انا بلمع متل النيزك لاني دخلت الاربعين< (هايدي صوتي الساركستيك) والحقيقه انه الواحد في الاربعين يشعر بصراع شبيه بما في المقال بينه وبين المجتمع٫ هو آو هي يوكد اني لا زالت حيوي وصاحي وسمارت٫ والمجتمع يدفعه للوراى٫ والاكبر منه يدفعوه حتى اكتر من الاصغر< وآنا في الحقيقه كرمال المجتمع بتمنى لو ضليت في التلاتينات وشعور انه اللي جاي اكتر من اللي راح ٫ وفي المجتمع العربي الاريعين هي ٦٠ في باقي العالم٫ مطلوب تعتزل الحياه والشغل والضحك والحب والملابس الرشيقه والسعاده والضحك

مختصر الكلام
مجد القاسم -

قال الكاتب الذي أحييه .."الغرب الهادر بالحياة والإبداع لا يتوقف لا عند الأربعين ولا حتى عند السبعين، هو مسكون بالحركة والإنتاج والبحث الدائم عن الجديد، وإنك لتحتار في سن معظم النساء الغربيّات وقد أصرَرْن على حسن طلّتهن رشاقةً وموضةً وذوقاً وجمالاً، وإعتبار ذلك مسألة ثقافية تتعلق بتقديم أفضل صورة أمام الغير دلالة على إحترامه، فيما تصرّ بعض موروثاتنا الذهنية _ ويا للهول _ على إحياء مراسم وأد "المرأة الشرقيّة " في الأربعين!. " وهذا مختصر الكلام .