فضاء الرأي

ما جَمعَه " المُـول" لا يُفرّقه دينٌ أو إنسان

قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

إذا ما إستثنينا شغف " الشوبّينغ " الذي يتلبّسنا ويعجّل في آخرتنا، فإن "المُول" يَجمعنا، تلك الرُّقعة الكونيّة المصغّرة تختصر بين جنباتها الكثير بإعتبارها متنفساً حيوياً نابضاً بالحياة، خدماتٌ وترفيهٌ وأفكار وأَبعاد وقصص وأخبار مبذورةٌ في مكان واحد، رجال يطالعون الجرائد الورقية التي وجدت في أروقة المقاهي حضنها الدافيء الأخير، على مقربة منهم في ركن أنيس، مجموعة من أهل الفكر والأدب يناقشون ما آلت إليه الأحوال في ضل التحوّلات ومرحلة ما بعد الحداثة، في ركن المطاعم إزدحامٌ مروري وروائح شهيّة تنبعث من مطابخ شرقيّة وغربيّة تقدم كل أنواع المأكولات، في الممرات والردهات الواسعه تسمع خليطاً من لهجات ولغات مختلفة، وقهقهات أطفال ممزوجةٌ بأصوات أخرى، موسيقى خفيفة وطرطقات الكعوب العالية لنساء مُكللاتٍ بالغبطه وهنّ يَمشين مَشي الغزلان بين المتاجر، واجهاتُ محلات أنيقة ويافطاتٌ مضيئة لأسماء ماركات عالمية فاخرة.

هنا، في هذا المكان العامر، كثافة صورٌ وإنطباعات على مدار دقات الساعة. 
فليس " المول" مركزاً محصوراً بالتسّوق فحسب، بل يخدم أيضاً كمركز رصد وإستطلاع ومؤشر إجتماعي وإقتصادي ومنصة جمع معلومات وبيئة تلاقي ومكان تعارف، زوّاره أناس من كل الأعمار والأعراق والأشكال والثقافات، فيه ترى العباءة السوداء والشورت القصير جنبا إلى جنب في مشهد بديعٍ زاخر بالتنوع والتعدد والأمل. 

تُبدع " الرأسماليّة " _ رغم لاعدالتها أحياناً _ في إبتكار الأفكار التي تحاكي التطور، وفكرة " المولات " هي إحدى إبداعات هذه الفلسفة المنتصرة حتى الآن، إرتكزت على أساس تأمين كل ما يريده المستهلك في مكان واحد وهي حل لتوفير الوقت والجهد مع مزيد من الراحة والترفيه. 

ويُتيح " المول " منافع كثيرة للتاجر والمُتسّوق على حد سواء، فهو يحتوي مئات المحلات المتلاصقة التي يسوّق بعضها بعضاً، فمن يدخل لشراء منتج معيّن سيجد نفسه أمام مروحة عروضات ومغريات تُذكره بإحتياجاته أو حتى تخترع له حاجات جديدة، بالمقابل توفر مراكز التسوق الكبرى المغلقة هذه تنقلاً سهلاً وآمناً وسلساً للزوار بين واجهات المحلات بعيداً عن تأثيرات عوامل الطبيعة من شمس حارقة أو شتاء ماطر أو غير ذلك إضافة إلى عوامل ترفيه كثيرة وتسهيلات وخدمات لا تحصى. 

تعود فكرة إنشاء أول "مول" في العالم إلى " فيكتور غروين" وهو مهندس أميركي نمساوي الأصل، هاجر إلى الولايات المتحدة الأميركية عام 1938 م، وكانت رغبته في الأساس أن يكون" المول" عبارة عن مكان للتواصل الإجتماعي، حيث يمكن للناس الإجتماع ببعضهم و تناول الغذاء أو شرب القهوة، و تم بناء أول مركز تسوّق في ولاية " ديترويت " الأميركيّة مطلع خمسينيات القرن الماضي حيث كان في الهواء الطلق محاطاً بمساحات خضراء، أما الثاني فكان في ولاية " مينيابوليس " وتميّز بوجود حدائق بطيور و أشجار و بحيرات و جدران من النباتات، كما عُرضت فيه الأعمال الفنية و النوافير وسواقي المياه الجارية. 

اللافت أن " غروين" حرص على الطابع البيئي الإجتماعي الترفيهي لفكرة مركز التسوّق، لكنّ في أواخر الستينات تعاظم الجانب التجاري الربحي البحت داخل هذه المراكز بشكل كبير لتصبح على حالتها التي نراها اليوم، هذا التحوّل في أصل الفكرة دفع بالأب المؤسس للمولات إلى نبذ فكرته والتنصل منها، و قد عبر عن ذلك في كتاباته، حيث كرّر مراراً أنه يرفض إنفاق الاموال على تلك التطورات التي دمرت المدن، ويقول: " إنك تذهب لتشتري شيئا معينا لكنك تجد نفسك وسط الكثير من الأشياء الأخرى لدرجة تنسى معها سبب قدومك أو الغرض الذي تريد شراؤه، فتبدأ فكرة التسوق من اجل التسوق ". 

واضح أن مراكز التسوّق جاءت كنتيجة طبيعيّة لتوسع المدن وتزايد السكان وأيضاً كأحد أشكال علاقة المستهلك الحديث بالإنتاج والدخل، وتطورها ومستقبلها مرهون بالمنحى الذي تسلكه هذه العلاقة، فالمستهلك أينما كان في العالم ذكيٌ ومتغير، وإنّ نمو التجارة الإلكترونية في الوقت الراهن من شأنه أن يوفر على هذا المستهلك ما قد يؤثر سلباً على حجم الإقبال على " المولات " ويؤدي إلى خفوت بريقها وضمور نجمها وإن تدريجياً وعلى مراحل. 

بكل حال، يبقى " المُول" مساحة لقاء، مبعث راحة ومتعة، علامة إزدهار ودليل عافية وأمن وإستقرار، يستمد وجوده وتكوينه من إستقطاب الناس، ولا يستمر إلا بالأبواب المفتوحة.

 قد يستطيع أي إنسان أن يعيش بمنأى عن عقيدة ما، لكنه لا يستطيع أن يحيا بغير حاجاته الأساسية من غذاء ولبس وماء وهواء، ويختلف الناس كثيراً في العقائد والأفكار والفلسفات، لكنّ أحد لا يختلف مع أحد في مدى إستغراق كل إنسان في مسؤوليات الحياة وسعيه لتأمين الرزق ومتطلبات العيش، ويستحوذ التسوّق في هذا الإطار على الجزء الأكبر من إهتمامات وحاجات الإنسان الحياتية اليوميّة سواءاً كانت حسيّة أم ترويحيّة، وهذا ما يجمع كل بني البشر على إختلاف مشاربهم. 

ولا تخلو المولات من " قفشات" جميلة، فما أن همّ زميل صحافي لامع بدخول " المول " بصحبة صبيّة حسناء، حتى لمَح من بعيد أحد معارفه ماشياً مع العائله، فما كان منه أمام هذا الموقف " المُهيب" إلاّ أن أشار لحسنائه بإنتظاره في محل قريب، ريثما يقوم بواجب التحيّة و السلام على القادمين من موطن الأحباب. 
 فلماذا تخفي هواك عن العيون أيها الزميل العزيز؟ 

كاتب وصحافي لبنان

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
جيد أن هناك ما يجمع
غسان -

المول يجمعنا فعلا وما بين سطور الكاتب دعوة مفتوحه إلى البحث عن كل ما يجمع بين البشر وهو كثير ، فيما الذي يفرق أفكار وأوهام غير منتجة ويُساء توظيفها لتتحول بسرعة إلى معول تخريب وهدم وإرهاب ... يبقى المول مساحة تواصل إنساني لا غنى عنه في هذا العصر

المول مكان وليس جامع
اقتصادي -

المول لا يجمع الناس الا مكانياً وليس جوهرياً. والدليل ان الفقير لا مكان له في المول سوى الحسرة والجوع. انها ايديولوجيا الأغنياء. المول يحتاج وبالحاح الى أخلاقيات السوق.

القيم الموضوعية تجمع ولا
تفرق- غسان -

القيم الموضوعية -التي تتجاوز عقبة المغالطة الطبيعية- لا تفرق حقيقة بين الشعوب بقدر الأنانية البشرية على عكس ما يعتقده البعض. القيم البشرية الشخصية والمتنوعة هي مجرد قناع يخفي وراءه النرجسية والغرور الانساني.

mall means shopping
MARIAM -

mainly we visit malls for shopping ,to check the latest sales , new collections , but if it is a matter of entertainment there''s a lot of other places could be more suitable

ما جمعة المول
فول على طول -

المقال خفيف وظريف وهذا ما عهدناة من السيد الكاتب ونحيية على ذلك ...نعترض فقط على عنوان المقال ...الاية المسيحية تقول : ما جمعة اللة لا يفرقة الانسان ...والمقصود بها أن الزواج فى المسيحية زواج دائم ومن المفترض أن لا يفرقة الا الموت ...ولكن المول ربما لا يجمع أحد ..كل يسير فى طريقة بغرض شراء ما يلزمة ..وممكن أن يتمشى فى المول ...أو يجلس فى بعض الأماكن المخصصة بالمول مع بعض أصدقائة أو صديقتة ولكن بعد ساعات معدودات ان لم يكن بضع ساعة يعود الى بيتة ... أى أن المول لا يجمع الا بضع من الوقت ...تحياتى للكاتب وهذا فقط للتوضيح . عموما بالفعل فان فكرة المول فكرة عبقرية وتخدم البشر جميعا .

!
Rano -

عمري ما فكرت مين صاحب فكره المول٫ هلا عرفت٫ مرسي< بس انا شخصيا بتعب في المولات واصبحت غالبا افضل اروح للمول لمحل او اتنين وبعذ ساعه ببلش انخنق٫واكل المول غالبا تراش< في اوروبا في بلازا وهي الطف لانها مفتوحه وفيها مساحه خضرا وضو بس في الشتا المول ادفا!

فول
واحده -

هيدا الشخص فول سخيف وسمج ودمه تقيل وغير مهضوم

الى واحدة
فول على طول -

يا ست واحدة هو أنا طلبتك للزواج لا سمح اللة ....بسيطة ارفضينى لو طلبتك ..أتمنى أن ترفضينى ...يا رب ترفضينى ...يا شيخة ارفضينى ...يعنى جات عليكى انتى ..كثير قلبك رفضونى لنفس السبب الذى تقولينة . أنا عارف كدة . ربنا يوفقك مع غيرى يا شيخة .

تنويه
غسان -

السيد فول على طول ربما قصد الكاتب من العنوان وسياق النص أن حاجات الناس ومتطلبات عيشهم أهم - عمليا - وأكثر إلحاحا وتأثيرا في الحياة اليومية من بعض العقائد والفلسفات والنظريات وغيرها .. وبالتالي هذه الأمور تجمع كل الناس بخلاف ما تفرقه العقائد والماورئيات .... أسعد الله أوقاتك بكل خير

وأحذر التسمم الدموي
من أكل الفول -

وأنت ليه زعلان... خليك مع فولك.