فضاء الرأي

التحديث في اللغة والاجتماع: ظاهرة الإنشغال بالتلفون وتجاهل الآخر (Phubbing)

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

 

مع استمرار موجة التغيرات السريعة في التكنولوجيا لابد أن تستجد ظواهر، وتبرز تغيرات جديدة في سلوك مستخدميها. ومع بروز الظواهر الحديثة خاصة السلوكية منها، كان لابد أن يتم استحداث مصطلحات جديدة لتوصيفها واختزالها بكلمة واحدة أو تركيب من عدة كلمات. 

​وهكذا فإننا نشهد حالياً إضافةَ مُصطلحٍ جديدٍ إلى قاموس اللغة وهو(Phubbing) ، يمكن أن نلفظه بالعربية فبنغ/ فبنكـ / فبنج، فالحرف الثالث هو (جيم أعجمية)، أو كما تُلفظ الجيم باللهجة المصرية. وهو تركيبٌ مقتطع من (فون+ سناب (Phone+Snub. فالأولى من (Phone) التليفون، والثانية (Snub) من التجاهل. ولو أردنا ترجمتها  حرفياً إلى العربية، فسيكون المصطلح الأفضل هو (التجاهل بالانشغال بالتليفون). ولكن لو أن العربية تقبلت صيغة الاختزال هذه، فربما يكون المصطلح ولو على سبيل المزحة هو (تجافن). 

​المصطلح الجديد هذا يشير إلى ظاهرة الانشغال بالأجهزة الألكترونية النقّالة (تليفون، آيباد، تاب ..الخ) عن الآخر المقابل، أو تجاهله في موقف اجتماعي،يقتضي أن تبادله، أو تُعطي الانتباه له. في عام 2012 تمت صياغة هذا المصطلح الجديد من قبل وكالة إعلانات في استراليا كجزء من حملة اعلانات تسويقية بالاشتراك مع قاموس ماكواري (Macquarie Dictionary). وفي عام 2016 تم الاعتراف به واضافته إلى القاموس الانكليزي. كذلك ظهرت اشتقاقات من الكلمة مثل الفعل والاسم والحال وهكذا.يُعرفه قاموس أكسفورد: "إنه ممارسة تجاهل الشخص المُقابل أو الأشخاص الآخرين من أجل الإنشغال بجهاز ألكتروني نقال أو أكثر. وفبنغ (Phubbing) هو أحد أعراض الاعتماد المتزايد على أجهزتنا النقالة وشبكة الانترنت". 

​فالمصطلح إذن يعكسُ ظاهرةَ الإنشغالِ، بل الإدمانِ على استخدام هذه الأجهزة خصوصاً التليفون النقال، الذي يُرافقُمعظمَ الأشخاصِ أينما حلّوا، سواء في البيوت أو العمل أو التنقل. والمُزعج فيها، وهو صلب موضوع هذا المصطلح، أن ينشغل الشخصُ المُقابل عنك بجهازه الألكتروني، في الوقت الذي يُفترض أن يكون هناك نوعٌ من التفاعلِ بينك وبينه. وما يرفعُ درجةَ ردّ الفعلِ، هو التصورُ أن الآخرَ مُضطرٌّ إلى الردِّعلى رسالةٍ قصيرةٍ مثلاً، أو قراءة رسالة، بينما هو منشغلٌ عنك أو متجاهلٌ لك، وهو ما يحدث سوء الفهم غالباً أو يُسئ إلى العلاقاتِ بين الأفرادِ، بل يُدمرُ علاقاتهم الاجتماعية في أحيانٍأخرى.

​أنهُ طابعُ الحياةِ الجديدةِ الذي بات متوقعٌ، حيث تشاهد أو زوجين، أو حبيبين أو صديقين، أو مجموعة أصدقاء، منشغلين بأجهزتهم النقالة، بينما تجمعهم طاولة جلوس واحدة في مكان عام أو في بيتهم. وفي نفس السياق، يمكن أن تجد كل أو معظم أفراد الأسرة مشغلين على أجهزتهم في وقت يقتضي أن يكون هناك نوعٌ من التفاعلِ بينهم، أو حاجةٌ إلى التفاعلِ. 

​إن هذا النوع من الانشغال، له عواقبٌ صحيةٌ واجتماعيةٌسلبية، فعلى الصعيد الصحي، فإن استخدامَ تلك الأجهزة بكثرة، يؤثرُ على الدماغِ والنظرِ، وقلّةِ التركيزِ، وبالتالي، ضُعف الذاكرةِ، والاعتماد على الاجهزةِ على الأجهزة عوضاً عن محاولةِ التذكّرِ والحفظِ، ولعل غير ذلك من التداعيات الصحية. أمّا على الصعيدِ الاجتماعيِّ، فإنه يَخِلُّ (بأنْسَنَةِ) الفردِ، ويجعلهُ أكثرَفرديةٍ وعزلةٍ. ويُضعفُ العلاقات الاجتماعية، وتناقلِ الخبراتِ بين الأجيال. 

​من الصعب بطبيعةِ الحال اقتراح حلولٍ، أو علاجاتٍ لمثل هذه الظاهرةِ السلبيةِ، لكن من الأفضل التوعية بمضارها الصحية والنفسية والاجتماعية. ومُحاول ايجادِ مُشتركاتِ حوارٍواحترامِ الأطرافِ المُشاركة في الحديثِ، من أجل جذب الطرف الآخر، أو الجميع واشراكهم في النقاشات حتى وإن كانت على مستوى العائلة، واحترام الرأي الآخر، وإن كان صادر من طرف طفلٍ صغيرٍ. هذه الأمور من شأنها أن تكون عوامل جذب للانتباه، والمُشاركة في الحواراتِ، والنقاشاتِ، وتقليلِ الانشغالِ بالأجهزةِ، وعقلنةِ استخدامها بقدرٍ ما.

د. حميد الهاشمي، مختص بعلم الاجتماع- لندن hashimi98@g,mail.com

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
موضوع جميل
د. باسم الياسري -

الدكتور الفاضل اسمح لنا بنشره في مجلة ضفاف وسنشير الى موقع ايلاف مع التقدير