جدل أميركي حول خيارات التعامل مع إيران
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك
صورة من الأقمار الاصطناعية تظهر منشأة قم
شكك خبراء في نجاح المبادرات المختلفة التي يقوم بها الكونغرس الأميركي بهدف فرض عقوبات جديدة على ايران لإرغامها على الاذعان للمطالب الغربية بشأن ملفها النووي. إذ أرسل الكونغرس هذا الأسبوع نصًا إلى الرئيس باراك أوباما لإقراره، يتضمن عقوبات على الشركات الاجنبية التي تبيع البنزين إلى ايران. ويأتي هذا التحرك التشريعي الحثيث في أعقاب الكشف عن وجود منشأة ايرانية ثانية لتخصيب اليورانيوم بالقرب من مدينة قم المقدسة في 25 ايلول/سبتمبر.
تقرير واشنطن: عاد الجدل حول الخيارات المطروحة للتعامل مع الملف النووي الإيراني ليتصدر واجهة المشهد السياسي الأميركي من جديد، خاصة بعد أن كشفت طهران عن وجود منشأة سرية لتخصيب اليورانيوم في مدينة قم. فالمعارضون لنهج أوباما في التقارب مع طهران رأوا في هذه الخطوة دليلاً على عدم جدية طهران في الحوار مع أميركا، ومن ثم عدم فعالية استراتيجية الحوار التي يتبناها أوباما. وعلى الجانب الآخر هناك من يصر على ضرورة الاستمرار في سياسة الحوار مع طهران، بل هناك من يرى أن الولايات المتحدة لم تبذل الجهد الكافي لتهدئة المخاوف الإيرانية. التقرير التالي سيتناول أهم الخيارات التي طرحت حول التعامل مع إيران.
سياسة أكثر صرامة في التعامل مع إيران
يواجه الرئيس الأميركي باراك أوباما انتقادات من قبل المحافظين مفادها: أن سياسة الحوار والانفتاح التي ينتهجها مع طهران "سياسة ساذجة"، وأن على الولايات المتحدة أن تعود إلى استراتيجية أكثر صدامية مع إيران، مبنية على القوة العسكرية. لكن نيكولاس بيرنز، مساعد وزيرة الخارجية الأميركية السابقة وأستاذ السياسة الدولية، يرى أن هذه الانتقادات خاطئة، وذلك في مقال له تحت عنوان "فرصة أوباما مع إيران"، نشر ببوسطن جلوب في الأول من أكتوبر الجاري. فالضغط الدبلوماسي الهادئ الذي يمارسه أوباما على إيران يتيح فرصة أفضل للسيطرة على جهود إيران النووية. وبسبب هذه الاستراتيجية، كما يرى بيرنز، أصبح للولايات المتحدة مصداقية أكبر لقيادة تحالف دولي شامل نحو فرض عقوبات على طهران في حالة فشل المحادثات.
لكنه يشير إلى ضرورة أن يتبنى أوباما سياسة أكثر صرامة في التعامل مع إيران، تقوم على تكثيف الضغوط على الحكومة الإيرانية من خلال التحول من استراتيجية الانخراط والانفتاح إلى تبني استراتيجية تجمع بين استمرار المفاوضات، والقيام بعمليات تفتيش صارمة جديدة لمنشآت إيران النووية، والتهديد بفرض عقوبات أقوى بكثيرٍ من العقوبات السابقة. ومن أجل منح الدبلوماسية فرصة أكبر للنجاح. في هذا الإطار، يقدم بيرنز مجموعة من التوصيات لإدارة أوباما، نجملها في الآتي:
الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد محط أنظار العالم
أولاً: ضرورة الاستمرار في المحادثات، رغم إدراك إدارة أوباما كلها أنها قد تفشل بسبب نفور الحكومة الإيرانية من الوصول لتسوية. ويستند بيرنز في ذلك إلى أنه إذا لم تدخل الولايات المتحدة في محادثات مع طهران، فإنها لن تعرف أبدًا ما إذا كان التوصل إلى نتيجة سلمية مع طهران ممكنًا أم لا؟. ونظرًا لمخاطر شن الحرب مع إيران خلال العام أو العامين القادمين، فإن إدارة أوباما مدينة لمواطنيها باستنفاد الجهود الدبلوماسية مع إيران. وحتى لو فشلت المفاوضات، فإن ذلك لن يكون بالأمر السيئ، بل على العكس سيكون له مصداقية كبيرة عند المطالبة بتشديد العقوبات الدولية ضد النظام.
ثانيًا: على أوباما كبح جماح إسرائيل عن شن ضربات عسكرية ضد إيران. ورغم أنه يتفهم بشكل كامل مخاوف إسرائيل من القوة المتنامية لإيران، يرى بيرنز أن استخدام إسرائيل للقوة العسكرية يمكن أن يجر الولايات المتحدة إلى حرب ثالثة لا تستطيع تحملها. وقد تؤدي هذه الخطوة الإسرائيلية إلى إنقاذ شعبية أحمدي نجاد بإعطائه ذريعة لحشد تأييد الرأي العام ضد المعتدي الخارجي.
ومن ثم تتمثل الاستراتيجية الأذكى، من وجهة نظر بيرنز، في اللعب على تزايد الانقسامات داخل صفوف النخبة الإيرانية عن طريق تأخير أي استخدام للقوة العسكرية لمعرفة ما إذا كانت المعارضة الداخلية ستضعف أحمدي نجاد بصورة أكبر.
ثالثًا: يجب على الولايات المتحدة أن تعد لفرض عقوبات أكثر صرامة ضد الحكومة الإيرانية، لكن هذا الأمر، حسبما يرى بيرنز، سيكون بمثابة معركة شاقة مع كل من روسيا والصين. فروسيا هي المزود الرئيس للأسلحة لإيران، في حين أن الصين هي الشريك التجاري الأول لإيران. وقد قوضت تعاملات روسيا والصين مع طهران من تأثير ثلاثة قرارات صادرة من مجلس الأمن الدولي بفرض عقوبات على إيران منذ عام 2006. ولأن أوباما قد لبَّى رغبة الصين وروسيا في التفاوض مع إيران، فإن بيرنز يرى أنه سيكون لديه كل الحق في الإصرار، إذا فشلت المحادثات، على أن توقف بكين أعمالها المتنامية في مجال الطاقة مع إيران، وأن تنهي موسكو جميع مبيعات الأسلحة لطهران والدعم المالي والتقني الذي تقدمه لمفاعل بوشهر النووي.
رابعًا: يجب على إدارة أوباما التحرك بسرعة لإجبار إيران على الاختيار بين التفاوض والمواجهة. وسيكون لدى الولايات المتحدة ودول أخرى الحق في أن تقدم لإيران طريقًا للخروج من الأزمة، من خلال تقديم الحوافز الاقتصادية وزيادة فرص الحصول على الطاقة النووية المدنية، في حالة موافقة إيران على تفكيك دائم لجهودها الخاصة بامتلاك أسلحة نووية. وفي المقابل على واشنطن أن تتحول لفرض عقوبات قاسية وطلب القيام بعمليات تفتيش صارمة على جميع المنشآت النووية الإيرانية من قبل الوكالة الدولية للطاقة، وأن تخطط لمزيد من القيود المالية الدولية، وأن تدعم رغبة مجلس الشيوخ في فرض عقوبات ضد إيران في مجال الطاقة.
أخيرًا، يشير بيرنز إلى ضرورة تعزيز واشنطن لروابطها العسكرية مع إسرائيل والدول المجاورة لإيران كجزء من جهد أوسع لبناء نظام احتواء حول إيران للحد من قوتها ونفوذها، فمن شأن ذلك أن يوفر استراتيجية بديلة في حالة حدوث أي نزاع عسكري صريح، لا يزال محفوفًا بالمخاطر بالنسبة إلى مصالح الولايات المتحدة". وكما يقول بيرنز: فإنه بعد أن عرضت الولايات المتحدة غصن زيتون على طهران خلال الأشهر التسعة الماضية، يجب الآن على أوباما أن يوضح بما لا يدع مجالاً للشك، أن الولايات المتحدة ستكون خصمًا صعبًا للغاية في الأشهر المقبلة" .
وفي المقابل، اعتمد مجلس النواب الاربعاء مشروع قانون يتيح للولايات والحكومات المحلية ان تستبعد من الصفقات الحكومية الشركات التي تتعامل مع ايران في قطاع النفط وتبلغ استثماراتها فيها 20 مليون دولار او اكثر. ويدرس الكونغرس مشاريع قوانين اخرى بهدف تزويد اوباما بسبل فرض عقوبات على ايران في حال فشل الحل الدبلوماسي. وتستهدف النصوص خصوصًا واردات البنزين الايرانية الحيوية بالنسبة للبلد الذي تعجز مصافيه عن تلبية احتياجاته.
وقالت سوزان مالوني من مركز سبان لسياسات الشرق الاوسط ضمن مجموعة بروكنغز انستيتيوت البحثية لفرانس برس "لا اعتقد ان لهذا اي جدوى بالنسبة للدبلوماسية الاميركية"، واضافت "في هذه المرحلة، نشهد على الاقل بداية عملية سياسية مع ايران. هذه الاجراءات تقدم ببساطة للادارة منظورًا للعمل عكس توجهاتها".
إقرأ المزيد:احتمال وفاة المرشد الاعلى تطرح تساؤلات عمن سيخلفه
خبراء يضعون سيناريو هجوم إسرائيل على إيران في نصابه
إيران مستعدة لإتفاق يتعلق بمشروعها النووي
مكالمة نصحت ابنة مستشار نجاد بعدم العودة لإيران
ومن ناحية ثانية، قالت مالوني ان التدابير التي يتصورها البرلمانيون "قلما تترك الاثر المرجو"، موضحة ان "الايرانيين لديهم خبرة في التحايل على العقوبات". لكنها قالت انها تفهم "الضرورات السياسية" للمشرعين الذين يستعدون لانتخابات 2010.
وتؤكد مالوني من جهة ثانية انه في حال فشل المسار الدبلوماسي، فان "العقوبات المجدية فعلا هي التي يتم تاسيسها على قاعدة واسعة (مع دول اخرى)"، ولكن حتى في هذه الحالة، فان الروس "غير مستعدين" للمشاركة في رايها.
ويقول دانيال برومبرغ الاستاذ في جامعة جورجتاون انه يشك انه "حتى في حال تبني عقوبات معززة، منها عقوبات على المنتجات النفطية المكررة، ان يرغم ذلك ايران على الاذعان للمطالب الغربية"، ولكنه يضيف في الوقت نفسه انه من المفيد ان تظهر هذه الدول "استعدادا لفرض عقوبات اقسى، ولكن فقط ان كانت الادارة مستعدة لان ترفق ذلك بجزرة وبحوافز اخرى".
ومن جانبه، يرى جمشيد تشوكسي، الذي كتب في اب/اغسطس مقالة في نشرة "فورين بوليسي" الذائعة الصيت بعنوان "العقوبات المعقدة ستظل غير مجدية"، انه "بصورة عامة، فان العقوبات على ايران لم تكن يوما مجدية. فهي لا تفعل سوى زيادة الاسعار بالنسبة لرجال الاعمال الايرانيين (...) وسيكون الوضع مماثلا بالنسبة للعقوبات التي يتم وضعها حاليا".
واضاف ان "الايرانيين يستعدون لذلك منذ وقت طويل. من الان وحتى 2012 سيكونون قادرين على الاعتماد تمامًا على انفسهم" في ما يتعلق بالبنزين. ويضيف ان ايران تتفاوض مع دول اخرى للحصول على وارداتها من البنزين، في اشارة الى الصين وفنزويلا.
وقال "التفاوض وانت تحمل عصا في يدك ... هذا لن يجدي نفعا". ولكن هذا ما يستعد للقيام به رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب هوارد برمان الذي اعد مشروع قانون العقوبات الذي سيناقش بنهاية الشهر الجاري ليعطي الرئيس اوباما "الادوات الضرورية" للتفاوض مع ايران.
فرض العقوبات والتركيز على ملف الديمقراطية
يرى روبرت كاجان المؤرخ الأميركي البارز بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي وصاحب كتاب عودة التاريخ ونهاية الأحلام أن المفاوضات الدولية مع إيران تتجاهل كليةً "الهم الرئيس لحكام طهران"، وهو بقاؤهم في السلطة، وذلك في مقال له تحت عنوان" Forget the Nukes"، نشر في صحيفة واشنطن بوست في 30 من سبتمبر 2009.
فالهدف الأسمى للنظام الإيراني منذ الانتخابات، من وجهة نظر كاجان، يتمثل في كسب الوقت ومحاولة إعادة تأسيس وتوطيد السيطرة على الداخل دون أي تدخل أجنبي، وهو ما نجح النظام في تحقيقه بشكل مثير للإعجاب.
وقد عاونت إدارة أوباما، ربما عن غير قصد، النظام الإيراني في أن ينجو من الأزمة، طبقًا لكاجان. فقد رفضت أن تجعل من مسألة بقاء النظام جزءًا من استراتيجيتها. بل تعاملت مع إيران وكأنها ليست في خضم أزمة سياسية حادة. ويبدو أن الرئيس أوباما قد رأى أن التركيز على الاضطرابات المستمرة في طهران من شأنه صرف للانتباه عن المهمة الرئيسة لوقف البرنامج النووي الإيراني. وهذا هو تحديدًا ما أراد الحكام في طهران من أوباما أن يفعله؛ التركيز على الأسلحة النووية، وتجاهل عدم استقرار النظام، بحسب كاجان.
ويشير إلى أنه كان من الأفضل أن تركز إدارة أوباما على عدم استقرار النظام وتتجاهل القنابل النووية، مشددًا على أن هذا ما يجب أن يكون الهدف من العقوبات في المرحلة القادمة. فبالرغم من أن العقوبات لن تقنع الحكومة الإيرانية الحالية بالتخلي عن برنامجها النووي- حيث ينظر كل من أحمدي نجاد وعلي خامنئي للبرنامج النووي بوصفه مسألة حياة بالنسبة لهما- فإنها، أي العقوبات، يمكن أن تساعد المعارضة الإيرانية على إسقاط النظام.
ويفند كاجان حجج معارضي فرض العقوبات، مشيرًا إلى أنهم ما زالوا يبنون تحليلهم على منطق "مرحلة ما قبل الثاني عشر من يونيو" (قبل الانتخابات الرئاسية)، حيث لم يكن هناك أي معارضة جدية لرجال الدين، ومن ثم كان يبدو تصور أن العقوبات يمكن أن يكون لها أي تأثير على حكم رجال الدين ميئوسًا منه، بل كانت هناك خشية من أن تؤدي تلك إلى تعزيز التأييد الشعبي للنظام.
هذا التحليل، من وجهة نظر كاجان، لم يعد مناسبًا اليوم. فقد أسفرت الانتخابات الرئاسية عن أزمة شديدة أحدثت شرخًا لا يمكن إصلاحه بين النظام وشريحة واسعة من المجتمع الإيراني، بما فيهم بعض رجال الدين. ومن ثم تبدو الفكرة القائلة بأن المعارضة الإيرانية سوف تلتف فجأة حول أحمدي نجاد وخامنئي، في حالة فرض الغرب للعقوبات، "سخيفة". فالمعارضة دخلت في "صراع حتى الموت" مع النظام، وعندما تبدأ العقوبات في التسبب بمصاعب للنظام، ستبدأ المعارضة بالحديث عن أن هذا النظام يقود إيران نحو الدمار.
وبناء على ما سبق، يرى كاجان أن على الولايات المتحدة المضي قدمًا في فرض "عقوبات قاسية" Crippling Sanctions على إيران في أقرب وقت ممكن، وعدم الانتظار لأشهر تسمح فيها لقادة إيران بإطالة أمد المحادثات.
ورغم أن هذه العقوبات لن تؤدي بالضرورة إلى سقوط النظام الإيراني، كما يرى المؤرخ الأميركي، فإن احتمالات سقوطه كنتيجة للمعارضة الداخلية والضغوط الخارجية أكبر من احتمالات تخليه عن برنامجه النووي طواعية.
وبحسب كاجان فإن لدى الولايات المتحدة مصلحة استراتيجية في تغيير القيادة في إيران، فهناك سبب وجيه للاعتقاد بأن "إيران الديمقراطية" قد تتخلى عن السلاح النووي، مثلما أدت دمقرطة روسيا إلى تخليها عن الاستراتيجيات الخارجية والدفاعية للاتحاد السوفيتي، أو على الأقل سيكون لديها، أي "إيران الديمقراطية"، استعدادًا جادًا للتفاوض. وحتى لو لم يكن الأمر كذلك، فإن سلاحًا نوويًّا في أيدي "إيران ديمقراطية مندمجة في العالم الليبرالي الديمقراطي سيكون أقل إثارة للمخاوف بكثير من سلاح نووي في يد أحمدي نجاد".
تناولنا في مقالنا الأول خيار إتباع إدارة أوباما سياسة صارمة تجاه إيران مع رفض العمل العسكري سواء من قبل الولايات المتحدة الأميركي، وكذلك خيار فرض مزيدٍ من العقوبات على النظام الإيراني مع التركيز على تغيير النظام الإيراني لتكون إيران دولة ديمقراطية. فدمقرطة إيران ستقلل من مخاوف امتلاكها لبرنامج نووي. وفي تلك المقالة نواصل تناول باقي الخيارات الأميركية للتعامل مع طهران.
إعادة الاصطفاف الاستراتيجي
خلافًا للطرحين السابقين، يذهب كل من فلنت ليفرت Flynt Leverett مدير مبادرة جيوبوليتكا الطاقة بمؤسسة أميركا الجديدة New America Foundation، والمدير السابق لشئون الشرق الأوسط بمجلس الأمن القومي- و"هيلاري مان ليفرت "Hillary Mann Leverett، المديرة السابقة لشئون إيران وأفغانستان والخليج والعربي بمجس الأمن القومي، إلى أن إدارة أوباما تفتقر إلى الجدية الدبلوماسية الكافية للتعامل مع إيران، وأنها لم تتخذ الخطوات اللازمة لتهدئة المخاوف الإيرانية وإقناع طهران بأن الولايات المتحدة جادة في تغيير نهجها تجاه إيران.
ويدلل الكاتبان- في مقال لهما تحت عنوان "كيفية استغلال الفرصة مع إيران"، نشر بصحيفة نيويورك تايمز، في 29 من سبتمبر 2009- على ذلك بعدة أمور منها أن الرئيس أوباما قد شكَّل مجلسًا قوميًّا لا يشاركه رؤيته حول إعادة التقارب مع طهران. ومن ثم فإن الحديث عن استراتيجية الانخراط مع طهران، ما زال يعامل على أنه وسيلة لـ"مكافأة" إيران إذا كان سلوكها إيجابيًّا، أو معاقبتها إذا كان سلوكها سلبيًّا، وهو النهج ذاته الذي كان الرئيس أوباما ينتقده أثناء حملته الانتخابية.
كما أن أوباما قد استخدم، في اجتماع الجمعية العامة، لهجة تذكر بمصطلح "محور الشر" الذي صكه الرئيس بوش، والذي عرف إيران وكوريا الشمالية بوصفها تهديدات رئيسة للسلام العالمي، وأقسم على محاسبتهم. وهو ما دفع الرئيس الإيراني أحمدي نجاد إلى القول بأن إيران تعتقد أن الولايات غير جادة بشأن تعاونها الاستراتيجي مع طهران.
وينتقد الكاتبان أيضًا تعويل الرئيس أوباما، وأعضاء في إدارته، على عدم الاستقرار الذي هدد بقاء النظام الإيراني في أعقاب الانتخابات الرئاسية التي أجريت في يونيو الماضي، "فمقارنة بالاضطرابات السابقة التي شهدتها إيران طوال 30 عامًا (نفي قهري لرئيس واغتيال آخر وحرب الثماني سنوات مع العراق والإطاحة بخليفة الإمام الخميني آية الله منتظري)، فإن الجدل حول الانتخابات الأخيرة ليس بالأمر الكارثي".
وبدلاً من الاستمرار في الإدعاء أن العقوبات سوف تغير من سلوك إيران وتدفع صناع القرار بها إلى تقديم تنازلات يشير الكاتبان إلى ضرورة أن تسعى الإدارة الأميركية إلى "إعادة الاصطفاف الاستراتيجي" strategic realignment ، مع طهران بشكل جدي كما فعل الرئيس نيكسون مع الصين. وسوف يتطلب هذا الأمر قيام الولايات المتحدة بخطوات إلى الأمام لتؤكد لإيران أن التقارب معها سيخدم الاحتياجات الاستراتيجية الإيرانية.
وعلى هذا الأساس يجب على الولايات المتحدة إيجاد إطار شامل للأمن والتعاون الاقتصادي بخصوص علاقتها مع طهران، وهو أمر لم تسمح الولايات المتحدة لمجموعة 5+1 باقتراحه أبدًا. وداخل هذا الإطار سيعمل المجتمع الدولي مع إيران على تطوير برنامجها النووي، بما في ذلك السماح بتنفيذ دورة الوقود على الأراضي الإيرانية، بشكل أكثر شفافية بدلاً من مطالبة طهران بإثبات العكس، أي عدم حيازتها أسلحة دمار شامل.
ويشدد الكاتبان على أن هذا الاقتراب التعاوني لا يجب أن يشوه من سمعة إيران بسبب علاقاتها السياسية مع حماس وحزب الله، بل يجب أن يعمل على انتزاع تعهد إيراني بالعمل على التوصل لحلول سلمية للأزمات الإقليمية.
ورغم أن البعض قد يدعي أن ما سبق "ثمن باهظ جدًا لتحسين العلاقات مع طهران"، يجادل الكاتبان بأن الثمن يبدو مرتفعًا فقط بالنسبة لهؤلاء الذين يربطون القيمة بالسياسات الفاشلة التي دمرت المصالح الأميركية في الشرق الأوسط وجعلت حلفاءنا أقل أمنًا.
الردع والاحتواء
يرى فريد زكريا Fareed Zakaria- الكاتب الأميركي البارز صاحب كتاب "عالم ما بعد أميركا" Post American World- أن الخيار الواقعي المتاح أمام الولايات المتحدة الأميركية يتمثل في الاحتواء والردع، في مقال له تحت عنوان "احتواء إيران النووية"، مجلة نيوزويك، 12 من أكتوبر 2008.
فكافة الخيارات الأخرى المطروحة للتعامل مع إيران، من وجهة نظره، بها كثير من العيوب، فالحل العسكري لن يكون مجديًا سواء، إذ إن أي هجوم عسكري لن يطول كل الأهداف النووية الإيرانية، إما لكونها مبنية داخل الجبال، أو لوجود بعض المرافق النووية التي لا تعرف واشنطن عنها شيئًا.
كما أن تبعات ما بعد الهجوم العسكري ستكون وخيمة، فمن ناحية، سيحضر الإيرانيون لسلسلة من الإجراءات غير المتناسقة، من بينها تفعيل دور المليشيات التي يمولونها ويسلحونها في أفغانستان والعراق، وربما أيضًا في لبنان وغزة، بشكل يمكنها من زيادة حدة التوتر في كل المناطق التي لديها نفوذ فيها. وخاصة في العراق وأفغانستان، ما يعني ازدياد عدد قتلى الجيش الأميركي وانتكاسة سياسية في هذين البلدين.
ومن ناحية ثانية فإن من شأن أي هجوم عسكري أميركي أو إسرائيلي أن يضع القوى المؤيدة لأميركا في العالم الإسلامي في موقف دفاعي، ويصب في صالح مجموعات مثل حماس وحزب الله والإخوان المسلمين، وأيضًا سيوفر للإرهابيين أداة جديدة فعالة لتجنيد مزيدٍ من المقاتلين. "وأيا كانت التفسيرات التي ستقدمها واشنطن، فهذا سيكون البلد الإسلامي الثالث الذي تهاجمه أميركا في السنوات الثماني بعد 11من سبتمبر، وبالتالي سيعتبر ذلك نمطًا تتبعه الولايات المتحدة". ومن جهة ثالثة فإن المكاسب المترتبة على الهجوم ستكون تأخير البرنامج النووي الإيراني لبضع سنوات على الأرجح، وليس إنهاءه.
وينتقد زكريا كذلك خيار الاستمرار في التفاوض، والاعتقاد السائد لدى البعض بأن الولايات المتحدة لم تفهم يوما المخاوف الإيرانية ولم تتفاوض بنية حسنة مع النظام، وأن على واشنطن أن تبذل جهودًا حثيثة لمحاورة الإيرانيين والإصغاء إلى مخاوفهم والتجاوب معها، والتخفيف من شكوكهم، ووضع حد لسياسات تغيير النظام، وتوفير احتمال حقيقي بأن يتم الاعتراف بالجمهورية الإسلامية، وإقامة علاقات طبيعية مع إيران.
فهو لا يعتقد أن النظام الإيراني في صميمه يريد علاقات طبيعية مع أميركا، حيث إن الانعزال عن الغرب والعدائية تجاه الولايات المتحدة ركيزتان أساسيتان للنظام الحالي، وهما السببان اللذان أديا إلى نشوء هذا النظام ويغذيانه كل يوم. وبحسب كلماته فإن الولايات المتحدة "قد اعتذرت بشأن الدور الذي لعبته في انقلاب 1953، ومدت يدها إلى إيران وعرضت إجراء مفاوضات مفتوحة، وفى كل مرة، صدتها إيران مدعية أن التوقيت ليس ملائمًا أو أن الكلمات المستعملة خاطئة أو أن العرض لم يكن سخيًّا بما يكفى"، مضيفًا إلى أن تتخذ حكومة إيران قرارًا بأنها مهتمة في التقرب من أميركا، ليست هناك كلمات أو بوادر، مهما كانت ذكية، ستنهى هذه الأزمة".
ويخلص زكريا من تفنيد الخيارات السابقة إلى أن "الاحتواء والردع المستدامين"، هما الخيار الأنسب للتعامل مع إيران، فإيران "دولة تعيش في قوقعة، وإذا تم التعامل معها بشكل جيد، يمكن إبقاؤها داخلها إلى أن يصبح النظام أكثر شفافية وأكثر تعاونًا في المسألة النووية".
ويدلل على عزلة إيران بعدد من المؤشرات منها أن تصاعد الدور الإيراني في الشرق الأوسط قد أثار الريبة في العالم العربي، ما أدى إلى توطيد علاقاته مع الولايات المتحدة، بما في ذلك العلاقات العسكرية. وفى الغرب، تبدي الدول الأوروبية قلقها من انتشار الأسلحة النووية، وانزعاجها من خداع إيران وعرقلتها للأمور، ما دفعها إلى أن تصبح أكثر صرامة على مر السنوات في التصدي لإيران وحلفائها. وحتى روسيا والصين، اللتان حاولتا المحافظة على روابطهما مع إيران، تدركان أنه لا يمكنهما التظاهر بعدم الاهتمام بانتشار الأسلحة النووية والاستخفاف بقرارات الأمم المتحدة. لذلك سمحتا باتخاذ بعض الإجراءات ضد النظام الإيراني".
ولتحقيق ذلك الردع والاحتواء، يقترح زكريا على الولايات المتحدة القيام بعدة خطوات، أهمها:
الإبقاء على العقوبات الحالية لكن دون إضافة عقوبات جديدة أكثر شمولية، مثل فرض حظر على استيراد الوقود المكرر، تشكيل هيكل جديد يمكن من خلالها للبلدان القلقة بشأن التهديد الإيراني أن تجتمع وتحدد الاستراتيجيات.
تقريب مصالح البلدان العربية المعتدلة من مصالح إسرائيل، ويشير إلى أن إيران تخشى هذا التحالف المحتمل، ويعتبر أن ذلك هو السبب الذي دفع أحمدي نجاد للعمل جاهدًا لتقديم نفسه بوصفه المدافع الأساسي عن القضية الفلسطينية.
التوقف عن تضخيم التهديد الإيراني، من خلال الترويج له. فالولايات المتحدة، من وجهة نظر زكريا، تمنح إيران نفوذًا مجانية.
ويشير زكريا أخيرًا إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووي "لن يكون نهاية العالم"، مبررًا موقفه هذا بأن "الشرق الأوسط يحتوي على أسلحة نووية منذ عقود. وإذا كانت ترسانة إسرائيل المقدرة بـ200 رأس نووي لم تدفع مصر إلى تطوير أسلحة نووية خاصة بها، فمن غير الواضح إن كانت قنبلة إيرانية واحدة ستدفعها إلى ذلك".
التعليقات
مافيش غير حلين
الحل الاكيد -اما ضربة قوية لجميع منشئات ايران النووية تدمرها بالكامل وضرب مواقع الصواريخ وتجمعات الحرس الباسيج او اسقاط النظام وتغييرة واحلال اشخاص لايؤمنون بايران نووية وعدائية وليعيش العالم بدون هتلر جديد وكل دولة تعرف حدودها الجغرافية دون اطماع في الغير