بالرغم من اعلان ايران عن موافقتها على افساح المجال أمام مفتشي الامم المتحدة بالدخول الى موقع كشفت عنه في منطقة قم لحلحلة الازمة المتعلقة بملفها النووي، لا تزال الدول الغربية متخوفة من قدرات برنامج طهران النووي. وتتضاعف احتمالات شن اسرائيل هجوم على منشآت ايران النووية بالاضافة الى فرض عقوبات عليها للضغط على برنامجها، اذ تكشف صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; الأميركية في تقرير لها عن امكانية تراجع تطور برنامج ايران النووي عبر توجيه ضربة اسرائيلية لمنشآتها النووية.

القاهرة: في وقت يتزايد فيه الحديث داخل عدد من الأوساط السياسية والعسكرية حول العالم عن إمكانية وقف خطر إيران النووي بعملية عسكرية إسرائيلية، تضع صحيفة quot;كريستيان ساينس مونيتورquot; الأميركية في تقرير لها الكثير من النقاط quot;المفقودةquot; على الحروف، في تلك الإشكالية المثيرة للجدل التي لم تحسم حقيقتها بصورة نهائية حتى الآن. تتحدث الصحيفة في إطار تقريرها التحليلي المطول عن مدى قدرة إسرائيل على مهاجمة إيران، وهنا يجمع عدد كبير من الخبراء على أن هجوما ً إسرائيليا ً قد يبطئ من تطوير برنامج إيران النووي لبضع سنوات، لكن من غير المحتمل أن يتمكن من إيقافه، ويرجع الخبراء ذلك إلى أن إيران تتأهب لهذا السيناريو المحتمل، ويشير أحدهم إلى أن عملية مثل هذه ستكون معقدة للغاية.

بداية ً، تعترف الصحيفة بقدرة إسرائيل على مهاجمة إيران، لكنها تشدد في ذات الوقت على أنها لن تتمكن، على الأرجح، من تدمير جميع مواقع إيران النووية، التي تدعي طهران أنها تعمل في إطار الأغراض السلمية. وتلفت الصحيفة كذلك إلى أن إسرائيل قد سبق لها وأن حذرت مراراً وتكرارا ً خلال الأشهر الأخيرة من الانسياق وراء إجراء محادثات مع إيران لأجل غير مسمى، مشيرة ً إلى أن طموحات إيران النووية تشكل التهديد الأكثر إلحاحا ً على المنطقة. وفي الوقت الذي تثار فيه موجات من النقاش المحتدم حول فعالية وحكمة العملية الإسرائيلية، أعلنت إسرائيل بكل وضوح أن ذلك يعتبر خيارا ً جديا ً.

تشير الصحيفة في هذا السياق إلى الاعتراف الذي سبق وأن أكد من خلاله دان هالوتز، الرئيس السابق لسلاح الجو الإسرائيلي، عندما سُئِل قبل بضع سنوات عن طول المسافة التي قد تقطعها إسرائيل لوقف برنامج إيران النووي، حيث قال حينها quot;2000 كيلو متر quot; ndash; وهي المسافة التي تفصل تقريبا ً بين إسرائيل ومواقع إيران النووية الرئيسية. ثم تنتقل الصحيفة بعد ذلك، لتسهب في تحليلها للتفاصيل عن العملية المحتمل حدوثها إذا ما أقدمت تل أبيب على تنفيذ هجومها، حيث تشير إلى أن سيناريو مهاجمة مفاعلات إيران النووية يختلف شكلاً وموضوعا ً عن المخططين الذين سبق وأن هاجمت إسرائيل من خلالهما المفاعل النووي العراقي أوزيراك عام 1981 ومحطة الطاقة النووية السورية التي كانت قيد الإنشاء عند تعرضها للهجوم عام 2007.

وهنا توضح الصحيفة وجهة نظرها بالقول إن الموقعين (العراقي والسوري ) كانا منفردين فوق سطح الأرض، أما مهاجمة إيران فهي مسألة مختلفة إلى حد كبير، نظرا ً لوجود العديد من المواقع والمنشآت التي توجد تحت سطح الأرض، فضلا ً عن أن العملية ستتطلب قيام الطائرات الإسرائيلية بالطيران لمسافات أطول، بالإضافة للدخول في مواجهة مع أسلحة عدو أكثر تطورا ً. وفي هذا السياق، تنقل الصحيفة عن الجنرال شلومو بروم، الرئيس السابق لوحدة التخطيط الاستراتيجي في هيئة الأركان العامة بالجيش الإسرائيلي والباحث البارز الآن في معهد الدراسات الأمنية الوطنية بتل أبيب، قوله :quot; ستكون تلك العملية معقدة للغاية. لا أعتقد أن بإمكانك عقد مقارنة بين هذا السيناريو مع ما حدث في مفاعل أوزيراك العراقي ومحطة سوريا النووية. ففي هاتين الحالتين، كان هناك هدفا ً واحدا ً ndash; كما كانت قدرة هاتين الدولتين على فعل أي شيء ضد إسرائيل معدومةquot;.

وتشير الصحيفة هنا إلى إن إيران تمتلك ما لا يقل عن 17 موقعاً نوويا ً ينتشرون على نطاق واسع بجميع أنحاء البلاد، بالإضافة للمفاعل الرئيسي في ناتانز، الذي تم تشييده تحت سطح الأرض ببعض الإجراءات التي تضمن له تحمل القنابل quot;الخارقة للحصونquot; الموجودة في ترسانة إسرائيل. وبرغم إصرار بروم على صعوبة وضع تقديرات للهجوم على إيران، إلا أنه رأى أنه سيبطئ تطور برنامج إيران النووي حوالي خمس سنوات على الأكثر.

وترى الصحيفة أنه في حالة تنفيذ إسرائيل للهجوم، فإنها ستقوم على الأرجح باستخدام المقاتلتين إف- 15 و إف -16 ، الذين سيكون لزاما ً عليهما أن يطيرا مسافة قدرها 1100 ميل للوصول إلى مفاعل ناتانز، وأبعد من ذلك للوصول لأهداف مثل المفاعل النووي في بوشهر جنوب البلاد. وتقترب تلك المسافة من الحد الخارجي للقدرة الخاصة بمثل هذه الطائرة، رغم تمكن الطائرات من الذهاب لمسافات أطول بتوصيل خزانات وقود إضافية أو بإعادة تموينها بالوقود في الهواء. وتنتقل الصحيفة لتشير إلى المسارات التي قد تلجأ إليها إسرائيل عند شن الهجوم، فتشير إلى أن أقصر الطرق تمر من فوق المملكة العربية السعودية، وبعضها عبر العراق. ومع هذا، تؤكد الصحيفة على أن كلا الدولتين سترفضان على الأرجح الموافقة رسميا ً على مثل هذا الهجوم، ومن غير المحتمل أن تشاركا في جهود البحث والإنقاذ في حالة إصابة طائرة إسرائيلية. وتشير الصحيفة كذلك إلى أنه في حالة اضطرار طائرة إسرائيلية للهبوط بأي من البلدين، فإن ذلك سيتحول إلى كابوس دبلوماسي.

أما عن الرد المتوقع من جانب إيران في حالة التعرض للهجوم، فتقول الصحيفة إن الإيرانيين سيحاولون بلا شك إسقاط الطائرات أثناء التجوال بأجوائها الجوية التي تبلغ مسافتها 400 ميلاً. خاصة ً وأن البلاد تمتلك 29 منظومة دفاع صاروخي من طراز quot;تور إم1quot; روسية الصنع، كشفت عنها البلاد في عرض عسكري آواخر سبتمبر / أيلول الماضي. كما أجرت إيران مؤخرا ً تجارب على صواريخ تمتلك القدرة ndash; شأنها شأن النسخ السابقة - على الوصول إلى القواعد العسكرية الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، وقد تلجأ إيران للرد على إسرائيل من خلال تنظيم حزب الله. وهنا يقول غيرالد شتاينبيرغ، المحلل السياسي في جامعة بار إيلان الإسرائيلية، انه وبالرغم من إمكانية وقوع تلك الاحتمالية، إلا أن إسرائيل ستتمكن من التعامل معها، حيث يُنظر إلى هذا التهديد على أنه يقل في الخطورة بكثير عن السلاح النووي الإيراني. وتشير الصحيفة في النهاية إلى أن إسرائيل ستتكبد خسائر باهظة في حال شنها هجوماً أحاديا ً على إيران، وهي العواقب ذاتها التي قد تلحق بالولايات المتحدة، وذلك لأن عملية مثل هذه ستكون معقدة ومكلفة من الناحية السياسية.