بمعالجة أسبابه والدمج بين الحلول الأمنية والقضائية والثقافية
قانون جديد لمكافحة الإرهاب في تونس هدفه استئصال الظاهرة كليًا
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تسعى السلطات الانتقالية في تونس إلى القطع نهائيا مع قوانين بن علي لمكافحة الإرهاب والتي كانت تركز فقط على الجانب الأمني، والقانون الجديد الذي تم إعداده، يضم مقاربة شاملة تنصّ على معالجة أسباب الإرهاب، والتصدي له وفق مقاربة أمنية وحقوقية وقضائية متكاملة.
محمد بن رجب من تونس: عقدت وزارة حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، مؤخرا، مؤتمرا دوليا حول"مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب" الذي سيعوض قانون مكافحة الإرهاب لسنة 2003 وذلك بمشاركة خبراء أمميين ودوليين وحقوقيين ونشطاء من المجتمع المدني.
عوامل خارجية وداخلية
أكد رئيس الجمهورية محمد الصنف المرزوقي في المؤتمر، أنّ "تفشي ظاهرة الإرهاب في تونس تعود إلى تداخل عدة عوامل خارجية وأخرى داخلية أبرزها الخلل الذي تعانيه المنظومة التربوية وبالخصوص التربية الدينية بالإضافة إلى فشل سياسات التنمية طيلة سنوات".
وقال في افتتاح الندوة الدولية حول مشروع القانون الجديد لمكافحة الإرهاب إنّ "مكافحة الإرهاب لا يمكن أن تكون بأي حال من الأحوال غطاء أو مبررا لانتهاك حقوق الإنسان".
وشدّد على أنّ "معالجة هذه الظاهرة تتطلب مراجعة الخيارات التنموية الخاطئة طيلة العقود الماضية، على المستوى الأمني والاجتماعي"، مؤكدا ضرورة التعامل مع الظاهرة "بقوة القانون وبأدوات الدولة".
الحرية أم الأمن؟
من جانبه، أكد سمير ديلو وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية أنّ "نجاح مكافحة الإرهاب مرتبط بالحرص على احترام حقوق الإنسان"، مشيرا إلى أنّ مواجهة الإرهاب تتطلب "تكاتف كل القوى الوطنية لمواجهته بتوفير الدعم للقوات العسكرية والأمنية وبالتطبيق الصارم للقانون في إطار الاحترام الكامل للحرمة الجسدية والمعنوية للموقوفين وعائلاتهم وتوفير شروط المحاكمة العادلة"، مبرزا في السياق ذاته أنّ "الشعوب التي تقايض الحرية بالأمن تخسرهما معا".
العنف السياسي والإرهاب
أكد عبد الباسط بن حسن، رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان لـ"إيلاف" أن تونس تمرّ الآن بتجربة صعبة في مواجهة العنف السياسي والإرهاب مبينا أنّ أحد الأسباب وراء تطور هذه الظاهرة وفي مراحل متقدمة هو عدم وجود الإطار القانوني المناسب والخاص بمقاومتها، وكذلك عدم تطبيق القوانين الموجودة لذلك يتطلب إعداد قانون لمقاومة الإرهاب يعرّفه بشكل دقيق واعتمادا على الاجتهادات الدولية، ويجرّم بشكل واضح، ليس فقط العمليات الإرهابية، بل كذلك من يدعو من خلال الخطابات التحريضية ومن يساعد سواء بالتمويل أو بأشكال أخرى.
حقوق الإنسان
وأشار بن حسن إلى ضرورة أن يضمن القانون في الوقت نفسه تجريم الظاهرة وعقاب مرتكبيها وذلك في إطار احترام حقوق الإنسان، ومن ذلك الحق في محاكمة عادلة تتوفر فيها الشروط وهذا يقيم العدالة دون الذهاب إلى فكرة الثأر أو المواجهة العمياء للظاهرة، على حدّ تعبيره.
وشدّد بن حسن على أهمية دعم القوانين بسياسة وقائية وإستراتيجية أمنية واضحة إلى جانب الاهتمام بقضايا الثقافة والتعليم والإعلام وغيرها من الجوانب التي تساعد على الوقاية من ظاهرة الإرهاب.
نقلة نوعية
أكد شكيب الدرويش، مستشار وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية ضرورة تغيير فصول عديدة من قانون ديسمبر2003 الخاص بمكافحة الارهاب، والذي سن في عهد بن علي، والبداية كانت بالتعريف الدقيق للجريمة الإرهابية الموافقة للمعايير الدولية ولالتزامات كانت أمضت عليها تونس وذلك للابتعاد عن التعريف القديم الذي كان ملتبسا وفضفاضا واستعمل لتصفية حسابات مع الخصوم.
وأضاف الدرويش في تصريحات لـ"إيلاف" أنه تم تقنين وسائل تحرٍ جديدة للكشف عن الإرهاب والإرهابيين مثل اعتراض الاتصالات بسبب التنصت والتسجيلات السمعية البصرية التي تصل حدّ تركيز عدّة معينة بمحلات سكنى بسبب الاشتباه في مجموعة معينة من الأشخاص، وتم كذلك تقنين الاختراق ولم يكن هناك قانون ينظم هذا الجانب وهو عبارة عن انتهاك لحرية الإنسان، وتكون الرقابة والإشراف للقضاء بتقرير معلل وكتابي ولأجل محدود.
آليات الحماية والمساعدة
قال الدرويش إنه فضلا عن آلية الحماية هناك آليات المساعدة أي الاهتمام بضحايا الإرهاب إن كانوا أمنيين أو مدنيين وذلك بتوفير العناية الصحية والنفسية والعلاج المجاني والنصح والمشورة القانونية ودفع تعويضات.
يضيف: "هذا المشروع أسس للجنة الوطنية لمقاومة الإرهاب ومنع تمويله وتتضمن مجموعة الوزارات المعنية بمقاومة الإرهاب وهي مفتوحة على المجتمع المدني والكفاءات والخبرات يرأسها قاض من الرتبة الثالثة وهي ستعمل على تنسيق الجهود التي تتعلق بحماية الشهود ومساعدة الضحايا ونشر ثقافة التسامح والاعتدال وتنشيط التعاون الدولي مع نظيراتها في كل بلدان العالم من أجل مقاومة ظاهرة الإرهاب العابرة للحدود".
أهداف المشروع
تمّ تحديد أربعة أهداف تتمثل في توفير ما يلزم من مقتضيات الأمن من خلال التوقي من الإرهاب قبل عمليتي الزجر والردع، ثم توفير ما يلزم من الضمانات لكل متهم للدفاع عن نفسه وأن لا تنتقص حقوقه وإن كان مشتبها به في جريمة إرهابية، أما الهدف الثالث فهو تأمين المساعدة للضحايا وأخيرا ضمان السلامة للقضاة ولمأموري الضابطة العدلية وللمخبرين والشهود وذلك بالاستناد إلى مرجعية دولية وإلى أفضل وأحسن الممارسات الدولية في مقاومة الإرهاب.
شروط النجاح
شدّد شكيب الدرويش، مستشار وزير حقوق الإنسان والعدالة الانتقالية، على وجود حاجة وطنية اليوم من أجل توفر قانون لمكافحة الجريمة الإرهابية متوافق مع المعايير الدولية وبعيد عن استعماله في خصومات سياسية وهناك حاجة حقوقية لطيّ صفحة قانون 10 ديسمبر2003.
ويرى أنّ ما يحصل اليوم في تونس من إرهاب يجعل الحاجة ملحّة إلى تمرير مثل هذا المشروع والمصادقة عليه قريبا.
واعتبر الدرويش النص القانوني "مهمّا، مطالبا بنصوص أخرى تدعمه ومنها "الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب التي تمت المصادقة على قانونها ولكن هيئتها لم تشكّل بعد، إلى جانب القانون الذي يهمّ تأمين الأمنيين في حوادث الشغل ثم تعديلات وزارة العدل التي اقترحتها في مجلة الإجراءات الجزائية وفيها تركيز على ضمانات الدفاع حتى يكون لتونس إطار تشريعي مكتمل ومناسب لمقاومة الإرهاب".
تجريم العنف السياسي
يرى رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن أنّ شروط نجاح مكافحة الإرهاب والعنف السياسي، تتمثل في توفر أجواء سياسية مساعدة على وجود نوع من الوفاق الوطني والاستقرار الذي يسمح بالإهتمام بهذه الظاهرة.
ودعا إلى أخلاقية سياسية تقوم على نبذ التعصب والكراهية والإقصاء، وإستراتيجية أمنية وطنية واضحة المعالم تهتمّ بالحاضنة التي تفرّخ هذه الظواهر وتتمثل في الملفات التي وقع تهميشها تماما بعد الثورة، وهي قضايا البطالة والفقر والتهميش الاجتماعي والاقتصادي والتعليم والثقافة وغيرها.