مرجعيات تدعو المسؤولين السنة إلى الاستقالة وتحرم قتال الجيش للأهالي

دخلت المرجعيات السنية العراقية على خط الأزمة التي تفجرت قتالًا اليوم في الأنبار، حيث اتهم الأب الروحي للاعتصامات الشيخ عبد المالك السعدي المالكي بالطائفية والسعي إلى إبادة السنة إرضاء لأميركا وإيران، ودعا الوزراء والنواب السنة إلى الاستقالة والانسحاب من العملية السنية، فيما أفتى المجمع الفقهي لكبار علماء الدعوة والإفتاء بتحريم مشاركة عناصر الجيش والشرطة في القتال الحالي الدائر في محافظة الأنبار.

أسامة مهدي: خاطب العلامة الشيخ السعدي العراقيين قائلًا "يا أهلنا العراقيين هبّوا للدفاع عن عقيدتكم وعرضكم وأرضكم". وأضاف في بيان إثر تفجر الاشتباكات بين القوات الأمنية والمحتجين والمعتصمين في محافظة الأنبار الغربية اليوم، وحصلت "إيلاف" على نصه "إنِّي أُوَجِّه ندائي هذا إلى الحكومة الطائفية التي تريد سحق وإبادةَ أهلِ السنة في بلدهم إرضاءً لإيران وأميركا تحت ذريعة مقاتلة الإرهاب".

لمصلحة إيران وأميركا
وتابع أن "هجومها اليوم على ساحة العزة والكرامة أكبرُ دليل على نواياها السيئة، وإلاَّ فلماذا لم تصبر إلى اتضاح ما يتمخَّض عنه اجتماع العلماء ورؤساء العشائر بالأمس؟، لذا أطالبها بالتهدئة وإطفاء نار الحرب بين الشعب الواحد". وأضاف الشيخ السعدي قائلًا "اتَّقوا الله وانسحبوا فورًا عن الساحة حقنًا لدماء العراقيين من جيش ومواطنين وتجنبًا للحرب؛ فإنَّكم تتحمّلون مسؤولية ذلك في الدنيا وفي الآخرة، ولا تُفرِّطوا في دماء شعبكم".

وطالب الجيش والقوات المسلَّحة "بعدم الاستجابة لأوامرَ تزُجُّكم في أُتُون الحرب، والموتِ على غير مِلَّة الإسلام؛ لأنَّ المهاجم هو الخاسر في الدنيا والآخرة، ومصيره النار، وإيَّاكم أن تدخلوا النار لحماية حاكم ظالم لم يُقدِّم إلى شعبه أيَّ خير، بل قدَّم الشر والنزاع والطائفية والفقر والجوع، ويجب عليكم الانسحاب والوقوف مع أهلكم". وقال "أمَّا المُدافع عن عقيدته وعرضه وأهله وأرضه فإنَّه شهيد عند الله تعالى".

وخاطب أهالي الأنبار قائلًا "وأنتم يا أبناء الأنبار، يا أهل الغيرة والشهامة - وخاصة شيوخ العشائر الذين ضرب المالكي قرارهم عرض الحائط - إصبروا وصابروا ورابطوا، ودافعوا عن أنفسكم بكل ما تستطيعون وببسالة وشجاعة؛ لأنَّكم المظلومون، والعدو غاشم يريد إهانتكم في عِقْرِ داركم، والله سبحانه وتعالى يقول: (فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ)، أي رُدُّوا عدوانهم، وإن جَنَحَوا للسِلم فاجنحوا لها، والله معكم وهو ناصركم، ما دمتم أهل حق في خروجكم مطالبين بحقوقكم ورفع الظلم عن المعتقلات والمعتقلين".

وأضاف "وأنتم يا أهل الفلوجة الأبطال والمدنَ الأخرى هُبُّوا، واقطعوا الطريق أمام المعتدين حقنًا لدماء العراقيين، ولا تتركوا إخوانكم في الميدان؛ لأنَّ المالكي يريد إبادة الجميع بذريعة الإرهاب؛ وليجعل من ذلك دعاية انتخابية له". وقال "ويا أهلنا العشائر العربية في جنوب العراق وغيره حَذِّروا أولادكم من المشاركة في هذا العدوان الصارخ على إخوانكم الآمنين في الأنبار، وادعوهم إلى الانسحاب فورًا نزعًا لفتيل هذه الفتنة بين العراقيِّين.. وعلى وزير الدفاع والحكومات المحلية في المحافظات الست وأعضاء البرلمان والوزراء السنة الاستقالة من مناصبهم ومقاطعة العملية السياسية والوقوف مع أهلهم، لأنَّ وجودهم كالعدم".

تحريم مشاركة الجيش في القتال
من جهته أعلن المجمع الفقهي لكبار علماء الدعوة والإفتاء في العراق تحريم مشاركة عناصر الجيش والشرطة في القتال في محافظة الأنبار. وطالب جميع ممثلي المكون السني بالانسحاب من وثيقة الشرف، ودعا المرجعيات الشيعية إلى تبيان موقفها مما يتعرّض له السنة في العراق.

وأضاف المجمع في بيان عقب اجتماع في أربيل، واطلعت على نصه "إيلاف" "إننا نحمّل حكومة رئيس مجلس الوزراء نوري المالكي مسؤولية ما يحدث في الأنبار بين أبناء الوطن الواحد، ونحرّم المشاركة في العمليات العسكرية ضد المواطنين".. داعيًا ممثلي المكون السني إلى "الانسحاب من وثيقة الشرف، بعدما أثبت المالكي أنه لا يحترم مواثيق أو عهودًا".

وطالب جميع القيادات السنية بالاجتماع من أجل الخروج بقرارات تحدد مصير هذا المكون وعلى السياسيين إعادة تقويم مشاركتهم السياسية ومراجعتها.. ودعا شيوخ العشائر ووجهاء الأنبار إلى منع أولادهم من المشاركة في هذه الحرب". وناشد المراجع الشيعية "تحديد موقفها مما يتعرّض له أهل السنة من حملات عسكرية واعتقالات عشوائية بحجة مكافحة الإرهاب".

وشدد المجمع على "الاستمرار في الحراك الشعبي بكل صوره، سيما صلوات الجمع الموحدة، لأنها واجب شرعي، وعدم الرضوخ إلى التهديدات الداعية إلى إيقافه، وعلى أهالي الأنبار الصبر والثبات والحكمة".. داعيًا الى إطلاق سراح النائب أحمد العلواني.

قوى تبحث الانسحاب من العملية السياسية
من جهة أخرى هددت القائمة العراقية بالانسحاب من العملية السياسية في حال استمرار العمليات العسكرية في محافظة الأنبار. وقالت إن اجتماعًا سيعقد مساء اليوم لأعضائها في منزل رئيس مجلس النواب أسامة النجيفي، لتعلن قرارها النهائي من الأحداث الجارية في الأنبار.

وقال النائب عن القائمة العراقية خالد العلواني في مؤتمر صحافي عقده في مبنى مجلس النواب اليوم "إن هناك اجتماعات ومشاورات لاتخاذ قرار بالانسحاب من العملية السياسية في حال عدم توقف القوات الأمنية عن عملياتها العسكرية الجارية في محافظة الأنبار". وأشار إلى أنه كان هناك اجتماع أمس في أربيل لبعض قادة العراقية، واليوم سيعقد اجتماع آخر في منزل النجيفي. وأضاف إن ما يجري في الأنبار هو محاولة لطمس مطالب المعتصمين والحقائق على غرار ما جرى في الحويجة وحديثة والفلوجة".

وأشار العلواني إلى "أن سلسلة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة المركزية من قطع للاتصالات والمواد التموينية، هدفها عقاب جماعي وعزل للمحافظة على غرار ما جرى في الحويجة".

اشتباكات ودعوات إلى الجهاد.. والتبرّع بالدم
وتدور اشتباكات بين قوات الأمن العراقية ومسلحين في مدينة الرمادي مركز محافظة الأنبار، قتل فيها جنود من القوات العراقية ومسلحون من العشائر، وسط دعوات تطلق من بعض المساجد إلى الجهاد والتبرع بالدم، وذلك بعدما حاولت الشرطة رفع خيم المعتصمين.

وتفجرت الاشتباكات صباح اليوم بين قوات الأمن ومسلحي العشائر قرب ساحة الاعتصام، تخللها تحليق مروحيات عسكرية فوق مكان الاعتصام. وسمعت من مكبرات الصوت في المساجد نداءات تدعو إلى الجهاد هاتفة "حي على الجهاد، حي على الجهاد" وأخرى تحث المواطنين على التوجه إلى المستشفيات للتبرع بالدم.

وفي مدينة الفلوجة في محافظة الأنبار أيضًا بدأت قوات الجيش العراقي اقتحام الأحياء الشرقية لها مع قصف بالدبابات والمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون على بعض أحيائها، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى. وبدأت القوات ظهر اليوم اقتحام أحياء العسكري والجغيفي والشرطة الواقعة في الجانب الشرقي من مدينة الفلوجة (62 كم غرب الرمادي) بعد قصفها بالدبابات والمدفعية الثقيلة وقذائف الهاون، مما أسفر عن سقوط عدد من القتلى والجرحى"، كما قالت وكالة "المدى بريس".

وأكدت أن اشتباكات عنيفة تدور الآن بين مسلحين مجهولين وقوات الجيش في هذه المناطق، فيما أطلقت قوات الجيش المتمركزة في معسكر المزرعة قذائف المدفعية الثقيلة والهاون باتجاه المدينة التي بدأت مساجدها توجّه نداءات إلى المواطنين للتبرع بالدم.

من جهته وصف مجلس محافظة الأنبار اليوم الوضع الأمني في المحافظة بأنه سيئ بسبب الاشتباكات بين قوات الجيش ومجاميع مسلحة منذ الفجر. وقال عضو مجلس الأنبار حميد الهاشم إن الوضع الأمني في المحافظة يزداد تدهورًا نحو الأسوأ بسبب الاشتباكات المسلحة بين قوات الجيش والعناصرالمسلحة في مدينتي الرمادي والفلوجة.

وأضاف الهاشم إن "مجلس المحافظة عقد جلسة طارئة اليوم بحضور جميع أعضاء المجلس لمناقشة تداعيات الحملة العسكرية الواسعة التي تشنها قوات الجيش ضد أهالي المحافظة، فضلًا عن إيجاد صيغة حل مشتركة وإيجاد الحلول المناسبة لإنهاء حالة التوتر بعيدًا عن المصادمات العسكرية في محافظة الأنبار". وطالب قوات الجيش بالخروج من المحافظة وإنهاء العملية العسكرية وإلغاء حظر التجوال المفروض على المدينة منذ ثلاثة أيام.

إزالة الخيم
وفي وقت سابق اليوم قامت الشرطة المحلية برفع الخيم من ساحة الاعتصام بالتعاون مع مجلس المحافظة، وذلك تنفيذًا للاتفاق الذي توصل إليه أمس وزير الدفاع وكالة سعدون الدليمي مع رجال الدين وشيوخ العشائر. وكان المالكي اعتبر الجمعة الماضي أن ساحة الاعتصام السني في الأنبار تحولت إلى مقر لتنظيم القاعدة، مستشهدًا بتلك الجمعة الأخيرة للمعتصمين، ومهددًا بحرق خيمهم.

ويخشى العراقيون أن تؤدي عملية رفع خيم الاعتصام اليوم إلى مزيد من أعمال العنف في العراق، الذي يشهد تصاعدًا في أعمال القتل اليومية منذ إزالة اعتصام مماثل في الحويجة غرب كركوك (240 كلم شمال بغداد) في نيسان (أبريل) الماضي، حيث قتل أكثر من 50 شخصًا.

وقبل بدء عملية رفع الاعتصام اليوم، اعتقلت قوة أمنية عراقية صباح السبت النائب أحمد العلواني، الذي يتمتع بنفوذ كبير في الأنبار والمؤيد للاعتصام بعد اشتباكات كثيفة قتل فيها خمسة من حراسه الشخصيين وشقيقه، في عملية زادت من حدة التوتر الأمني في المحافظة التي تسكنها غالبية من السنة.

وهذه ثالث عملية اعتقال تستهدف مسؤولًا سنيًا بارزًا أو أحد معاونيه في العراق منذ الانسحاب الأميركي نهاية عام 2011 حين أوقف حراس لنائب الرئيس العراقي طارق الهاشمي قبل أن يحكم هو غيابيًا بالإعدام بتهم الإرهاب، ولتليه بعد عام عملية اعتقال لحراس وزير المالية المستقيل رافع العيساوي في قضية أثارت أزمة سياسية كبرى، وأطلقت الاعتصامات ضد السلطات.

يذكر أن محافظات بغداد والأنبار وصلاح الدين وديالى وكركوك ونينوى تشهد منذ 23 كانون الأول (ديسمبر) من العام الماضي تظاهرات احتجاج واعتصامات تطالب بإطلاق سراح المعتقلات والمعتقلين الأبرياء ومقاضاة "منتهكي أعراض" السجينات، فضلًا عن تغيير مسار الحكومة وإلغاء المادة 4 إرهاب وقانوني المساءلة والعدالة والمخبر السري وإصدار عفو عام وإلغاء الإقصاء والتهميش لمكونات عراقية.

فيديو عن قطع مسلحين الطريق الدولي السريع بين الرمادي وبغداد