عبرا البلدة الصغيرة تودع الاسير من غير اسف
فضل شاكر المغني الرومنسي سابقا اسلامي متشدد مطلوب لدى العدالة اللبنانية
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك
تحول فضل شاكر، المغني اللبناني الذي حاز نجاحا عربيا واسعا وصاحب الصوت الدافىء الذي سرق قلوب النساء، بين ليلة وضحاها الى فار من وجه العدالة مع قائده وملهمه منذ سنتين رجل الدين السني المتشدد احمد الاسير.
بيروت: يعتبر فضل شاكر من اقرب معاوني احمد الاسير. وقد اصدرت السلطات القضائية مذكرات بحث وتحر بحق الرجلين و122 شخصا آخرين بعد الهجوم الذي نفذته مجموعة تابعة للاسير على حاجز للجيش اللبناني وتلته اشتباكات انتهت بدخول الجيش الى مقر الاسير في جنوب لبنان وفرار الاخير مع فضل شاكر وآخرين الى جهة مجهولة.
وكان شاكر حتى قبل سنتين خلت فنانا معروفا غنى الحب بكل الوانه واحيا حفلات غنائية لا تحصى في بلدان عدة. لكن غاوي القلوب اغواه الشيخ احمد الاسير، صاحب الخطاب المذهبي المتطرف والداعي الى "نصرة اهل السنة"، فترك كل شيء وتبعه.
ولد فضل شاكر من ام فلسطينية واب لبناني، وكانت طفولته صعبة وفقيرة في مخيم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في صيدا، على مقربة من المقر الذي انتقل اليه بعد انضمامه الى مجموعة الاسير في عبرا.
اسمه الحقيقي فضل شمندور في الخامسة والاربعين تقريبا، بدأ حياته الفنية مغنيا شعبيا في الاعراس في مخيم عين الحلوة الذي يعاني سكانه من ظروف معيشية بائسة.
ويقول موسيقي كان صديقا له في الماضي رافضا كشف اسمه "صوته رائع، والاستماع اليه امر ممتع".
ويضيف "الا انه كان ساذجا الى حد ما ويتأثر بكل ما يقال له. وكلما تقدمت نجوميته، ابتعد عن الناس الذين احبوه بصدق".
اصدر فضل شاكر شريطه الغنائي الاول في نهاية التسعينات، وازداد شهرة يوما بعد يوم حتى اعلن اعتزال الغناء في 2011.
ولا يزال المعجبون بفنه يتذكرون احد آخر الاشرطة المصورة (فيديو كيلب) التي صورها مع الفنانة يارا وهو يمسك بيدها ويتطلع فيها بشغف، ويحضنها، ويغني بصوته العذب "جمالك جمال مش عادي... كلامك كلام مش عادي.. شو بدي دلال على صوت الدلال غفيني".
بعد اغنية "بياع القلوب" التي عرفت نجاحا باهرا و"لو على قلبي داب في هواك" و"يا غايب"، انتقل الى الاناشيد الدينية والثورية.
وقال لمجموعة من المعتصمين المتضامنين مع الثورة السورية في 2012 "فني لم يعد يشرفني".
وقد وصفته صحيفة "السفير" الصادرة اليوم ب"المطرب التائب".
الا ان صديقه القديم يصفه بانه "حساس جدا، رغم كونه شخصا خجولا ومتحفظا اجمالا وغير اجتماعي".
ويضيف "عندما هجرته زوجته، كنا نشعر بانه سيبكي على المسرح عندما يغني".
لكن هذا الرجل الحساس صدم اللبنانيين جميعا الاثنين عندما وزع له على موقع "يوتيوب" شريط مصور التقط على ما يبدو قبل ايام، وظهر فيه شاكر وهو يتحدث عن قتيلين لم يعرف ما اذا كانا من الجيش ام من انصار حزب الله الذين اصطدم معهم من قبل انصار الاسير، ويقول "فطيسان خنزيران... الله يزيدهم!" ويرفع شارة النصر ويضحك.
وكان فضل شاكر من قبل جاهر بتاييده للقضية الفلسطينية، الامر الذي دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الى تقديم جنسية فخرية له.
وحاول شقيقه الضغط عليه مرارا ليترك الفن، لكن احمد الاسير هو الذي اقنعه بان الغناء حرام ومحرم في الاسلام. ويطلق فضل شاكر على الاسير لقب "اسد السنة".
وبسرعة، تحول فضل شاكر الى ابرز الوجوه بين مجموعة الاسير. وصارت له لحية، وبات كل لقاء عام مناسبة له للدعوة الى "الجهاد" والدفاع عن الدين، وشتم النظام السوري.
قبل انضمامه الى الاسير، كان فضل شاكر افتتح مطعما في صيدا في محاولة لاتباع نمط حياة اكثر هدوءا ورؤية اطفاله الثلاثة اكثر.
ويقول صديقه "قصته تحزنني، لكنني لست متفاجئا كثيرا. فلطالما كان من السهل التلاعب به".
ويضيف "هؤلاء الاشخاص استغلوه، واستغلوا اسمه. لقد كان عنصر دعاية بالنسبة اليهم".
بلدة عبرا تودع الأسير من غير اسف
وكانت بلدة عبرا الصغيرة المتاخمة لمدينة صيدا في جنوب لبنان بدت الثلاثاء ساحة حرب: اربع وعشرون ساعة من المعارك بين الجيش اللبناني وانصار الشيخ احمد الاسير تركت عشرات الابنية المدمرة وشوارع مغطاة بالركام وذهولا... لكن الاهالي يبدون بغالبيتهم ارتياحهم للتخلص من رجل الدين السني المتشدد الذي اثار تشنجا مذهبيا وحوادث امنية متنقلة في المنطقة على مدى اشهر طويلة.
وقد فرض الجيش اللبناني طوقا حول ما كان يعرف ب"المربع الامني" للشيخ الاسير المعروف بمواقفه المتطرفة وخطابه العنيف ضد حزب الله الشيعي، ومنع الصحافيين من دخوله. ويضم المربع مسجد بلال بن رباح الذي كان الاسير يؤم الصلاة فيه وابنية عدة تتضمن مكاتب وشققا سكنية للاسير وعائلته ومرافقيه وعدد من انصاره.
كذلك يمنع الجيش بعض المواطنين الذين يسكنون في المربع والذين عادوا اليوم لتفقد منازلهم من الدخول. ويوضح عسكريون ان "هناك ابنية مفخخة والغاما، والمكان خطر".
وتقول فاديا توما (55 عاما)، مسيحية، وهي تشير الى منزلها الواقع على بعد حوالى عشرين مترا وقد دمرت فيه غرفة نوم والمطبخ، "خرجنا من المنزل الثلاثاء الماضي بعد حادث اطلاق النار الذي حصل بين انصار الاسير ومسلحين من انصار حزب الله في المنطقة"، في اشارة الى حادث وقع قبل اسبوع بعد فتح جماعة الاسير النار على شقق قريبة من مقره قال ان حزب الله يستخدمها لمراقبته وتكديس الاسلحة.
وتضيف فاديا التي يقع منزلها في المبنى نفسه الذي فيه مسجد بلال بن رباح "قبل شهرين تقريبا، لم يكن وجودهم (مجموعة الاسير) يزعجنا. لكنهم بدأوا ببناء المتاريس، والمضايقات، لا سيما بعد ان عرفوا بوجود اصدقاء لنا من الشيعة".
وتروي فاديا، وهي ارملة، ان فضل شاكر، المغني السابق واحد المقربين من احمد الاسير، اقدم مرة مع مرافقه على صفع ابنتيها الشابتين بعد مشادة بينهم.
وتقول ابنتها مايا (27 سنة) "اغلبية الشيعة في المنطقة غادروها منذ وقت طويل وباعوا شققهم فيها".
في داخل المربع، قام الجيش صباحا بعملية تفجير الغام واسلحة صاروخية، ونقل في سيارة عسكرية صناديق ذخيرة واسلحة اخرى.
في محيط المربع، غطى الركام ومظاريف الرصاص الفارغ الشوارع، فيما تدلت اشرطة الكهرباء من الاعمدة. وتحمل كل الابنية آثار حريق وثقوبا واسعة ناتجة من القذائف والطلقات الرشاشة.
وشاهد مراسل فرانس برس سيارة من الصليب الاحمر تنقل جثتين، قال عسكري انهما لمسلحين. وكانت مصادر امنية افادت عن العثور على العديد من الجثث لمسلحين في المجمع، وعن عشرات التوقيفات خلال عملية التمشيط.
وكان في الامكان مشاهدة عناصر من الجيش يكملون التمشيط في عدد من الشقق.
بعض سكان المنطقة يتفقدون منازلهم ويحملون بعض الامتعة ويخرجون، كون المنازل غير قابلة للسكن بسبب الحرائق والدمار الذي طالها.
امام محل حسام شلون للفلافل، لا تزال بقع الدماء في الطريق. في هذا المكان، تعرض الجيش للهجوم من جماعة الاسير بعد ظهر الاحد، ما تسبب باندلاع المعركة التي قتل فيها 17 جنديا وعدد غير محدد من المسلحين.
ويقول شلون (33 عاما) لوكالة فرانس برس "اوقف الجيش واحدا منهم، فبدأ باطلاق النار"، مشيرا الى انه اختبأ في غرفة صغيرة خلف المحل لساعتين تقريبا، قبل ان يهرب الى ملجأ قريب امضى فيه الليل.
ويقول ان هذه الساعات "كانت اقسى من حربي 1996 و2006"، في اشارة الى هجوم جوي اسرائيلي على لبنان في 1996 استمر 16 يوما، وحرب تموز/يوليو 2006 بين اسرائيل وحزب الله التي استغرقت 33 يوما.
ويضيف "ان تعيش حرب شوارع بين الرصاص غير قصف الطيران".
ويشير الى تراجع الاشغال في المنطقة منذ بروز الاسير الى الواجهة الاعلامية قبل سنتين مع اندلاع النزاع السوري.
ويقول ناجي جابر الشيعي المتزوج من سنية والذي يملك محلين تجاريين قريبين من المجمع "الاسير مسؤول عما حصل وعن قطع الارزاق. الحمدلله ارتاحت المنطقة منه".
ويضيف "في ايام الحرب الاهلية (1975-1990)، لم يكن الجو في صيدا كما ذاك الذي اوجده الاسير"، في اشارة الى الانقسام المذهبي الحاد بين سنة وشيعة في منطقة صيدا ذات الغالبية السنية، لكن مع وجود لبقية الطوائف فيها.
وتبدو آثار الرصاص واضحة في المبنى بينما الطابق الثالث محترق تماما.
ويقول محمد (26 عاما) "انا سني، ولعلنا كنا مضطرين لتحمل الاسير" في جو الضغط المذهبي الموجود في البلد، "لكننا ناسف لوجود شخص مثله بيننا. ابناء صيدا يرفضونه ويريدون العيش بمحبة وسلام".
لكن ليس كل الناس يشارطون محمد رايه. فالكثيرون في صيدا ولبنان، وبينهم رجال سياسة مناهضون لحزب الله، اعتبروا خلال الساعات الماضية ان سبب ما حصل الحزب الشيعي الذي يملك ترسانة من الاسلحة يرفض وضعها في تصرف الدولة ويستقوي بها لفرض ارادته على الحياة السياسية، ما يثير احباطا لدى المجموعات الاخرى.
ويقول محمد الحلبي (32 سنة) الذي يعمل في الخليج وجاء لزيارة عائلته "الدولة موجودة في صيدا فقط، بينما يفترض فيها ان تكون في كل مكان. نحن مع الدولة، لكن تراخيها (مع حزب الله) اوجد مثل هذه الحالات".