فضاء الرأي

قراءة في المُشرِّع العراقي و"البطاقة الوطنية"

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

يعلم الممعن،ان المشرع العراقي،لم يعد منسجما مع نفسه،ولا متجانسا مع واقع العدالة المفترض،الذي ينبغي ان يتمظهر،ولو شكليا به،فقد طفق يفوح بالدين والمذهبية،وينقاد بمعنى المطاوعة سياسيا ؛اي حزبيا،ويؤتمَر كتلويا / شلليا،حتى ابتعد كلية عن دوره الانساني، الذي يناط به،وغفل عن مسؤولياته الاخلاقية،والمجتمعية،والقانونية المتوجبة في السعي،الى تحقيق العدالة،والالتزام بالانصاف،والتجرد،والنزاهة والحياد،كما ولايخفى، ان من يمتلك ارادة التشريع في العراق،اضحى يتلون بصورة طافحة، بالتحيّزالسلبي تشريعيا،لفئة على حساب اخرى،او يصطف الى جانب مكون ما،وفق ضوابط ل"عدالة انتقائية "، استحالت كثيرا ما الى"انتقامية"، فدفعت كيما ينزلق من يُفترَض فيه، ان يكون منصفا،الى انتاج و تقرير وتثبيت،ورعاية "حقوق ممتازة"،واخرى "ضعيفة"،او"متعالى عليها ؛"بل "كسيحة" في دولة العراق،وفق معطيات،لاتخرج في غالبها عن سنن الأبطش دينيا،ومذهبيا وهوياتيا وعرقيا،والمراقب الحصيف، يبلى كل هنيهة من تعقّبه،بصدمة وَخِيمة،جرّاء الفوضى التشريعية،المتعمدة في العراق،ويمنى ب"خيبة ظن" لاحدود لها ؛فانزلاقات السَّن مروّعة،محاطة بنزعات دينية،كارثية ومهلوسة؛ بخاصة وانها تنطق باسم الدولة ولحسابها،وتنتقم من رعاياها،ان لم نقل مواطنيها،حتى يغرق المراقب بفعلها في سوداوية لا مثيل لها،فيسائل اوعلى الاقل يسأل: هل مايزال يعتبر من استولى على الارادة التشريعية نفسه مشرّعا؟..كيف!..لمَ التحيّز اذاً! وبمَ يفسر كل ذلك التعارض،مع نص ورح الدستور،الذي ينغمرهو نفسه بالخلل والمعايب المبطِلة،ثم بأيّ عذر يحاجج مجافاته المنطقَ الانساني،القويم،المتواتر بين البشر،وكيف يبرر كل هذا الميل والهوى والاصطفاف في اصداراته؟!. وللتدليل على ذلك مثلا من الواقع المُعاش،ما شُرِّع عن "البطاقة الوطنية الموحدة "، مع العرض ان البطاقة الوطنية بحد ذاتها، كبنك يوفر المعلومات، والبيانات الشخصية ل / عن الفرد العراقي، امر محمود،بل هي احدى سمات الدولة الحديثة،باعتبارها تسهم في التعرّف على الشخص،وتزود السلطات المختصة بالتفاصل الشخصية،في خانة او قيد كل فرد،فضلا عن كونها خطوة حضارية، قد تدفع الى الاستقرارالوطني،واستتباب الأمن،فيما لو كانت النوايا صادقة ومخلصة، لكنها سُنِّتْ ههناك في العراق،كيما تكرس النزعة الدينية،وتؤصل عملية "نقض الاركان "،التي يمكن ان تؤسس عليها الوحدة الوطنية،بين اطياف المجتمع العراقي،المتعددة..لكن كيف..! وما هو هذا القانون الصادر، الهادر بالتمييز والتفرقة ؟ّ!.

ـ "قانون البطاقة الوطنية العراقية":

القانون الذي تبنى،توحيد "وثيقة الهوية الوطنية"،في العراق،او ذاك الذي عرف ؛بمسمى "قانون البطاقة الوطنية العراقية الموحدة "،مطعون فيه دستوريا وانسانيا وحقوقيا ووطنيا ؛فهو يتنافى مع اكثر من مادة في دستورعراق مابعد صدام اوقبله اوخلاله،ويعارض مبادئ حقوق الانسان المقررة دوليا،وينأى عن المعايير الاخلاقية،والقيمية المتعارف عليها،بين المجتمعات البشرية،كما انه لم يصدر عن إرادة تشريعية حرة،بل عن نزعة سياسية شائنة،ذات مخالب دينية،إبادية،ناهشة سلبت من هول وحشيتها،"صفة المشرع" في دولة العراق المدنية،عمن انتحل هذه الصفة جبرا،فشرع يصدر هذا القانون،او مايسمى بالقانون،وعرّت المقاصد الكائدة،وهتكت الدوافع غير الحريصة،الى درجة تحول معها المُرائي بمظهر المشرع، الى "داعية ديني" وانقلبت جرّاءها قبة البرلمان،الى مركز ديني / دعوي،يقوم بوظيفة الجامع اوالحسينية،مؤطَر بغايات سياسية إبادية، تنكسر في التصادم معها الوطنية،ومايمكن ان ينبني عليها من ولاءات،وهنا قد يتساءل احدهم ازاء ماتقدم: هل ثمة ادلة او قرائن،ام ان سوق هذا الكلام الاتهامي، لايتجاوزـ هنا ان يكون مجرد ضرب من ضروب الافتراء،المغلّف بالبلاغة والانشاء،ويفتقر تاليا الى الإثبات؟! عندها لابد من الاستعانة بالنصوص ؛حيث البينة في التفاصيل،بل للتفاصيل وحدها، ان تدلل على مواطن الإبطال،التي تعدم القانون المسنون.

ـ مواطن الطعن والإبطال:

اولاًـ انفصام القانون بين الشرعي والمدني:

ينفصم هذا القانون هيكليا،بين مواد شرعية ؛وان كانت قليلة،واخرى مدنية،واغلب المواد المدنية،لم تزد عن كونها اجرائية، تنفرد بالاستعراض التقني، بينما الجانب الاكثر مساسا بحياة الافراد والعائلات العراقية،قد تم قربانه ب"عقلية جهادية "؛إذ أُقحِمت "الذهنية العَقديّة" في القانون،فسلبته الصفة المدنية،واحالته الى "وثيقة دعوية "بامتياز،والذي يتحرى المواد (20 ثانيا، 21 ثانيا، 26ـ اولا وثانيا )، يتعرف دون تكلف على البعد/ المدى الاقصائي،الإبادي،في ذهنية الكتلة الاكبر دينيا، التي تسطو على العراق،وتميّز بل تصرّح بالتفرقة،بين عراقي وآخر،على اساس الانتماء الديني،وتعدم الفرد العراقي واسرته،حق الاختيار العقدي/ الديني،فالقانون المثقل بمواد إكراهية،يحمل تجاوزاً صارخا،غير ملتبس،على الخصوصيات،ويكشف عن، مقاصد الغاء الانتماء في العراق القادم،الى هويات مختلفة اومخالفة،فيصطف ؛إن عمدا ام عن قلةالإحتراز، الى جانب المد الداعشي،الذي اخذ يجتاح العراق بجنون وافتراس.

ثانيا المقاصد الدعوية:

هذا القانون المنفصم بين الشرعي والمدني، ينبئ بسفور، ان الهاجس الديني،هو الذي حرّك الى تحريره، في هذا الزمن المتعثر،من حياة العراق،واثبت للمقتفي،سعي بل اصرار من يسوِّق نفسه،تحت يافطة " المشرع العراقي "،الى الدفع نحواسلمة المجتمع العراقي،في المستقبل،وفرض من ثم اللون الواحد في العراق قسرا،دون ادنى اعتبار لقرار صاحب الشأن، فالروح الدعوية:

ـ تفوقت بجدارة في المادة( 20 ثانيا )،التي تذهب "يعد اللقيط أو مجهول النسب مسلماً عراقياً مالم يثبت خلاف ذلك "،وفعَّلتْ "إشكاليةَ فتنة" هنا، بخاصة اذا ما ثبت لاحقا للقيط ؛إنْ بعد بلوغه اوقبله، انه صابئي اوايزيدي او مسيحي..هل يحق له آنها الرجوع عن "اسلامه المخمَّن".

ـ وجهرت عبر المادة( 21 ثانيا )،بالتحيز وهي تستعرض اجراءات تصحيح القيود التي تتعلق بالاسم الكامل واسم الاب او الام في القيود فحجبت حق التصحيح بصراحة النص " يستثنى من احكام البند [اولاً] من هذه المادة من ابدل دينه الى دين الاسلام " ومنعت عبرعملية إلتفافية،واضحة،العراقيّ الذي أُكرِه بالإسلام،او تم قيده خطأ او سهوا،في السجلات المدنية،من الرجوع عن واقعه الافتراضي او الإكراهي اوحتى السعي الى تصحيح القيود،فدلّست حتاما تخلط بين تصحيح "واقعة غيرإرادية "،او عملية " الأسلمة القسرية او الافتراضية "،وبين "تبديل الدين "،وذلك سعيا الى إذكاء سعير الفتنة، او تكريس الفرقة،كثقافة مجتمعية في العراق.&

ـ وعززت تقنين "حقوق ذات إمتياز قطعية " للمسلم العراقي،و"حقوق مهدورة" للمختلف عنه في الدين، بصيغة وجوبية،آمرة في المادة(26 اولا)،فساندت التبشير بالدين الاسلامي،وألزمت انه: " يجوز لغير المسلم تبديل دينه وفقاً للقانون. "&

ـ ووثقت التجاوز تشريعيا،في المادة (26 ثانيا )،على حقوق القصر ؛إذ منعتهم من تقرير احولهم وشئونهم الشخصية،لجهة العائدية الدينية،بعد بلوغهم السِّن القانونية،اواكتسابهم الاهلية،وجزمتْ: " يتبع الاولاد القاصرون في الدين من اعتنق الدين الإسلامي من الأبوين "،فعرضتهم كما هو الحال مع اللقيط والمُكرَه بالاسلام والمُقيَّد خطأ اوسهواً في القيود المدنية ل"دعوى الردة "ومآلاتها الشرعية المعروفة،والسؤال الذي يتبادر الى الاذهان،حذاء هذا الغلو التشريعي / الشرعي الطافح على التصوص المفترَض فيها ان تكون مدنية:هل كان البرلمان ؛وهو يقرهذا القانون،"دار فتوى شرعية"، في احدى إمارات" الخلافة الاسلامية"،ام مجلسا تشريعيا في دولة مدنية.

ثالثا ومن مَطاعن الشق المدني في القانون:

ان ما يطعن القانون مدنيا،هو انه غفل عن المهجرين والنازحين،بالعنف او جبرا او فرارا،من الإبادة والإفناء، جرّاء الهجمة الداعشية،على الموصل وسهلها وسنجار وسواها،من ارض العراق،الى مواطن اخرى داخل او خارج العراق،سواء ان كان المقصود بالامر نازحا ام لاجئا،ولا يقف القانون عند حد التخلف،عن إفراد مادة او فقرة من مادة قانونية، بل عاقب بالغرامة كل من تخلف عن تأشير محل سكنه، في مكتب المعلومات التابع له، خلال المدة المنصوص عليها،في المادة ( 1 ) من هذا القانون، دون ان يستثني او يعذر وطأة احوال وظروف منكوبي المأساة الإبادية الكبرى التي خلفها ومايزال الإجرام الداعشي على ارض العراق او حتى يشير ولو تلميحا اليها والسؤال الرئيس:هل كان القصد من الإغفال عن قضية بحجم هذه عمدا فمساندةً للدواعش تشريعيا ام ان للمسألة وجوها وابعادا اخرى؟!

ايا كانت الابعاد والسياقات والأفهام،فالذي ثبت: ان القانون لم ولا يدلل الا على لوثة تزمتية،تبعد العراق عن كونه مهدا للحضارات البشرية،وتنأى به عن ان يكون ساحة، تتعايش فيها الالوان المختلفة المتعددة عراقيا، لذا فان المصوِّتين إن سُنّة كانوا ام شيعة إن عربا ام كردا ام تركمان،فانهم في لحظة التصويت،لم يكونوا مشرّعين بقدر ما كانوا دعويين مجحفين،متقمصين "الدواعشية"،بخاصة وان نفاذ هذا القانون،الذي حُرر في ثوب مدني،لايرتب الا نتائج شرعية،تنزل بلاهوادة على العراقي،غير الملتزم / غير المنضبط بها مما يحتم:

ـ التدخل القضائي العاجل:

فهذا التدخل وحده يتيح،كي يباشر كل ذي مصلحة اومتضرر، بمقتضى المادة (6 ) من "النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا" رقم (1) لسنة 2005،بالتقدم الى هذه المحكمة بإلتماس النظر في "عدم شرعية القانون" العاسف هذا،والمحكمة مطالبة بمجرد الإدعاء امامها،بمباشرة مهامها والالتزام بمسؤولياتها الانسانية،والاخلاقية،والدستورية،والقانونية،والغاء المواد الشرعية من هيكل وجسم هذا القانون،والقضاء من ههناك بعدم شرعيتها،والا يكون قد سرى هذا القانون الشرعي المجحف،وأُبطِل من ثمَّ مفعول العراق كدولة،ذات بصمات مدنية،فاعلة،صدّرتْ ذات يوم الحضارات الى العالم،الذي تمدّن في كثير من جوانبه عنه...الكلمة الحاسمة،لدى المحكمة الاتحادية،وهي التي تقرر،ان كان العراق دولة مدنية،ام مسيرَّة ذهنيا بالفكر الدعوي،الجهادي التكفيري..لكن ينبغي ان ترفع "دعوى البطلان وعدم الشرعية " امامها..! فمَنْ يدفع بعدم الشرعية..مَنْ قال مِن اصحاب الحقوق العراقيين..ها انا ذا..مَنْ؟.

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف