فضاء الرأي

العراق: "أمّةُ مجزأة والتجزّؤ فيها جزاء"

-
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

الكثيرون من الأشرار، والبعض من الأخيار يميلون ويعتقدون اليوم، وربّما يروّجون الى جلد الذّات ولومها وتحميلها بأسباب وبآثام حقيقية أو متخيلة. مراجعة الذات أولى خطوات التصالح المطلوب. والتصالح هو أساس الإصلاح العامّ. الماضي ذاكرة، والماضي الذي لم يعالج سيكون قابلا للعودة، أشباحه ستطارد الأفراد والجماعات دوما. تؤرقهم وتؤذيهم& بإستمرار. والماضي الذي لم يدفن، يدّمر الحاضر، ويشطر الوعي ويعفّن الهواء والماء وخلايا البشر.
&الخضوع الطويل معاد للإنسانية. والإذعان نادر في الطبيعة الحيّة. هو غالبا ما يعني، الخوف الذي يصنعه لنا الطغاة عبر الوعي الزائف أو الوعي الخائف. لا فرق.
&ومن هذه المعاداة للذات المزروعة في أعماق النفوس، ومن مكرها وتواطؤها، تنشأ البذاءة ويعّم الإستسلام وتستأنف الدورة المغلقة للكراهية والأحقاد وتختلّ المعايير والموازيين، لتبقى كفّة الأشرار دائما راجحة. أخيارنا وأشرارنا هم أنفسهم والمعركة هي ذاتها. هم مثل "إنسان فرانكشتاين". أو كروحين سكنا بدنا واحدا. لماذا؟.
لا تبحثوا عن الأسباب. فالرحلة اليها شاقّة وطويلة كإسطورة قديمة. وأنتم متعبون منذ عقود. ولا تقولوا مطلقا "إن عرف السبب بطل العجب". فالسبب بات أسباب. ولا تقولوا أكثر ممّا يسمح به التاريخ لكم قوله، سرّا أو في العلن.
&الغضب مشتّت بلا بوصلة ولا دليل. والظلم والاستبداد الطويل يخلقان ضحاياهما الدائميين في تبادل أدوار غامض بين الضحية القديمة وضحيتها الراهنة. ففي لهيب معارك الضحايا القدامى والجدد يعود الجلّاد ويبعث في ثوب جديد. البدائية وقانون الغاب ونواميس الطبيعة تعود وتترسّخ أكثر في غياب قوانين البشر. الخيار المتاح هو ما بين أشكال الموت فقط. ذبحا أم جوعا أم إختناقا في المركبات أم غرقا في أعماق البحار.
&القليلون من الناجين الفقراء عليهم إجتياز حدود& الإهانات والركلات وامتحانات التشكيك حتى في خلايا الدماء الوافدة والهاربة من الجحيم صوب المجهول. أية سياسات أدّت لهذا كلّه؟. هل لا يهمّ كلّ ذلك؟. لا تسألوا. فالهروب نحو النسيان قد يحفظ وجود الفرد أحيانا، ولكنه لا يحافظ على تماسك الجماعات ولا على تجديد عقدها الإجتماعي ورغبتها في التعايش. أليس كذلك؟.
& أرأيتم كم هي المفارقة عجيبة؟. نبحث عن الأسباب ونعشق النسيان في وقت واحد. وحين نعجز عن إيجاد الحلول، نمضي بسهولة الى أسهل الطرق في التحليل : جلد الذات.
ثمّة نظريات ومنظّرون كثر، مهّدوا طويلا لهذا التسطيح. وثمّة ساسة وسياسات أكثر، تعتاش عليها. ترويج الضحالة هي البضاعة، ودبّ اليأس في النفوس هي السوق الأوسع. نعم نحن متخلّفون ولكن لماذا؟. لا تسألوا. فالسؤال سيقلب المواجع ويحرث بقسوة في قيعان الذكريات البعيدة، ونحن ومراجعنا الفكرية والسياسية والدينية نكره الأسئلة ونتجنّب التفكير. انّه عصر الأسبرين.
الهروب الى الأمام هو ليس هروبا من الأزمات العميقة وليس عجزا عن مواجهتها فحسب، وانّما هو تهرّبا من المسؤولية أيضا وتسليما بالمقادير. الذوات البشرية لا تستسلم بهذه السهولة المهينة. هذا ما تقوله انجازات العلوم الانسانية منذ ما يزيد عن قرنين من الزمان. دموع الضحايا لم تعد تكفي لوحدها كي تحرّك الضمير العالمي. فالعالم تغيّر كثيرا، والضمير كذلك. لا أحد سيحترم الضحية الجبانة مهما بلغت بها درجات الألم. لا تسألوا ولا تتسولوا. ثوروا على طوائفكم التي تكاد أن تبتلع الوطن. ساحة التحرير وسط بغداد هي أوسع من كلّ الطوائف والعشائر وأحزاب الغفلة. ثوروا تصّحوا.

باريس
&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
العبودية الغاء
جبار ياسين -

مقالة رائعة تستحق ان تكون بيانا للثورات العربية والكردية في اقاليمنا ، أقاليم العبودية المختارة .

مع احتراماتي
Rizgar -

مع احتراماتي لاخواننا العرب لكن معروف ان العرب جاؤوا الى العراق منذ زمن عمر بن الخطاب و احتلوا هذه البلدان بعد سقوط الدولة الفارسية و كانوا يعيشون في الجزيرة العربية حياة البداوة و الغجر و يعبدون الاصنام …بعد محمد(ص) استغل الدين الاسلامي لمصالحهم القومية و الفئوية البدوية و قاموا بأحتلال اراضي الناس و السيطرة على هذه المنطقة ثم تخوين اصحاب الارض وتعريب المنطقة و قتل الابرياء و حرق الاراضي و تدمير المنطقة واغتصاب القاصرات …اعتقدنا و اعتقادنا خاطئ بأن صدام ابا حفرة اخر المستبدين العرب و اخر ظالم و فاسد من نسل ابا سفيان و عصر معاوية و يزيد كلما يخرج لنا كل يوم حجاج اخر و عفلق اخر و ابا حفرة اخر و......... وبعد فشل الاخوان ا لاعراب في تحقيق غرائزئهم الدموية فا سسوا داعش لتحقيق التعريب والانفال والاغتصاب ........فهل بامكان دولة مبنية على رغبات عنصرية ؟ البقاء ؟ الجواب طبعا No way

إلى الكاتب مع المودة
ن ف -

الله، الله! هذه ليست مقالة، إنما هي سمفونية تُشنّف أذن الثوّار فقط. أما القاعدون في بيوتهم فلهم أن يلعقوا جراحهم وحسب. شكراً للكاتب الرائع ودمتَ لنا. أنظرُ قُدماً لقراءة ما تكتب.

قراءة التاريخ
جبار ياسين -

يا اخي يا رزكار ، اعتقد ان قراءة بضعة كتب تاريخية رصينة سيعزز من تعليقاتك القادمة . هذا اقتراح صداقي اكثر منه تعال . اقرأ مثلا كتب المؤرخ العراقي جواد علي والمؤرخ الألماني كارل بروكلمان لكي تصل الى نتيجة متوازنة في تاريخ العرب، شرقية وغربية معا . نفي تاريخ الآخر هو نفي للذات بتعير الير كامو . تذكر ان كلمة عربو آشورية ولا علاقة لها بيعرب الجرجي زيدانية . ولك كل الخير.

البداوة لن تفارق ثقافتنا
عصام حداد -

مقال رائع يحتاج التعمق فيه اكثر ومن ثم ليُدّرس ويعمم في المناهج الدراسية من اجل خلق اجيال تمقت وتحتقر روح البداوة المتأصلة في اعماق الذات ،،مازال الكثير منا لا ينظر الى المستقبل ورضي لنفسه ان تتقوقع في الماضي السحيق المبنية احداثه على الكثير من الدجل والشعوذة والاكاذيب والقصص الملفقة،،شكرا لك سيدي الكاتب

إلى جبار
ن ف -

عيني جبار، هذا المخلوق الذي تتحدث عنه لا يجيد القراءة ولا حتى الكتابة. لقد مرّ من تحت راداري منذ زمن بعيد. فهو الكردي الوحيد على وجه البسيطة (هو طبعاً لا يعرف معنى كلمة ((البسيطة)) ويظنّ أنها تعني: سهلة) الذي لا يجيد اللغة الكردية. يحلو له أحياناً أن يكتب بضع كلمات باللغة الإنجليزية فيوقع نفسه في ورطة حقيقية، لأنه لا يجيد حتى اللغة الإنجليزية. الشيء الوحيد الذي يتقنه هو أكل الكباب وشرب الماستاو ((اللبن)).

ايلاف ليست بريدا لكن...
جبار ياسين -

اضحكني حد القهقهة تعليق ن.ف . وبما ان ذاكرتنا مرتبطة بالمفردات فقد تذكرت حادثة بعيدة مع شاعر كردي صديق ، رحل عن دنيانا منذ حين. ذلك العام وكانت الحرب على الأبواب . كان للكلمات رنين الفضة بينما غابة بيرنام تزحف على قلعة دنيسنان كما في مكبث شكسبير .وصل صديقنا مطار هيثرو على اطراف لندن قادما من كردستان عبر إسطنبول . أول سؤاله كان عن مطعم كباب ؟ لم يتناول شيئا الا بعد ان حضر الكباب وهو القادم من حضارة الكباب ليتحدث في فجائع الحروب. ظل هذا لغزا بالنسبة لي. لكن يبدو ان الكباب مهم في حضارتنا الغذائية رغم انه لم يرد في أي من الكتب المقدسة. قيل ان الفجل جاويش العشاء لكنه يكون اطيب مع الكباب وقيل العكس . وهذا هو مغزى " نكون أولا نكون " بالنسبة للبعض. لذلك صار حالنا :انزلني الدهر على حكمه ، من شامخ عال الى خفض . بقي ان نسأل عن دور الكباب في هذا الامر . لا اظن ان ايلاف ستنشر تعليقي ، لكن الكبائر تولد من تراكم الصغائر . وحسبنا الصبر والنقاش العقلاني مع رزكار او جبار.