فضاء الرأي

قراءة في كتاب "مصر والمصريون في عهد مبارك" 1981-2011

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

&

يستعرض الكاتب وضع المجتمع المصري منذ مطلع القرن العشرين حتى نهاية عصر الرئيس حسني مبارك أي في ثلاث مراحل هي: الإقطاعية في العهد الملكي والاشتراكية في عهد جمال عبد الناصر والانفتاحية في عهد السادات وحسني مبارك. ففي المرحلة الإقطاعية كانت الطبقة الوسطى صغيرة الحجم إلا أنها متميزة بالعلم وأسلوب الحياة لكن تأثيرهم السياسي كان محدودا بالنظر إلى سيطرة الأجنبي على سياسة واقتصاد الدولة. كما تميزت الطبقة الوسطى بالمشاعر الوطنية وكانت في معظم الأحيان ذات أصول تركية ومفتتنة بالثقافة الغربية ميالة إلى تقليدها بينما كان دور الطبقة الدنيا شبه معدوم بسبب انتشار الفقر والجهل. وقامت الطبقة الوسطى بثورة عام 1919 وتمكنت من وضع دستور للبلاد في عام 1923. كما تمكنت من تنمية الاقتصاد وبناء قطاع الصناعة المصرية، لكن نجاحه كان محدودا بسبب الاحتلال الانجليزي وفرض قيود عليه.&أما في عهد جمال عبد الناصر فقد ازدهر المجتمع المصري بفضل سياسة الإصلاح الزراعي وإلغاء الإقطاعات مما سمح بدخول أعداد كبيرة من أفراد المجتمع إلى الطبقة الوسطى وارتفع معدل الهجرة من الريف إلى المدنية كما ألغيت امتيازات الطبقة العليا وألقابها وشهدت الحركة الثقافية والعلمية والفنية ازدهارا غير مسبوق. ويرى الكاتب أن الحماس الهائل للثورة لم يتمخض عن ثمار اقتصادية مجدية وذلك بسبب النظام الذي فرضه ناصر من حيث تبعية الإنتاج للدولة ورغم حماس الاقتصاديين الوطنيين إلا أن خطة التنمية العشرية التي وضعها ناصر 1960-1970 كانت طموحة جدا وغير قابلة للتطبيق. ولكن مسيرة التنمية توقفت في أعقاب هزيمة العرب في عام 1967 وانفصال سوريا عن مصر. ويعزا ذلك التوقف إلى أن الاعتماد كان على الدولة بشكل كامل فلما تعرضت الدولة لانتكاسة انتكس الاقتصاد كذلك لعدم وجود مؤسسات اقتصادية قادرة على حماية نفسها.&وعندما تقلد السادات الحكم في عام 1970 شهدت البلاد نموا اقتصاديا بسبب سياسة الانفتاح الاقتصادي وهجرة المصريين إلى دول الخليج وقد ارتفعت نسبة نمو الدخل القومي إلى 8% وهي الأعلى في تاريخ مصر. ولكن ذلك النمو كان زائفا بسبب كونه ريعيا ولا يعتمد على الإنتاج، وتحول المجتمع المصري إلى مجتمع استهلاكي وغزت البضائع الأجنبية أسواقه ولم تعد المنتجات الوطنية قادرة على التنافس.&عندما تولى الحكم حسني مبارك في عام 1981 تسلم اقتصادا منهكا ومجتمعا استهلاكيا، لكنه استمر في سياسة الانفتاح واستمر ضعف الحماس للعمل والإنتاج في وجه الطوفان الأجنبي الذي سيطر على اقتصاد الدولة، كما أدى انخفاض سعر النفط في عام 1986 وانخفاض الطلب على العمالة المصرية من دول الخليج إلى انخفاض كبير في نسبة النمو الاقتصادي وارتفاع شديد في نسبة البطالة وحالما نشبت حرب الخليج الثانية وعاد آلاف المعتربين المصريين من دول الخليح، تعرض اقتصاد مصر لضربة قاصمة فارتفع مستوى التضخم وتراجعت التحويلات المالية من الخارج وضعف الإنفاق الحكومي وتراجع مستوى معيشة الطبقة الوسطى تراجعا ملموسا مما كثف حركات الهجرة إلى الخارج بين صفوف المصريين. ويمكن القول أن الطبقة الوسطى في هذا العصر تلاشت وانقسم المجتمع إلى طبقتين هما العليا والدنيا، وانكمشت الطبقة الوسطى التي كانت تلعب دورا مؤثرا في الاقتصاد والسياسة إلى أدنى مستوى.&عزا الكاتب التراجع الاقتصادي في العهد الملكي إلى المستعمر الأجنبي، وفي المرحلة الاشتراكية إلى دخول البلاد في حروب واعتماد الاقتصاد على الدولة أما في المرحلة الثالثة فإلى الانفتاح والعولمة الاقتصادية واعتماد مصر على الاقتصاد الريعي والتحويلات من الخارج. وهو يرى أن مصر في عهد جمال عبد الناصر وضعت في المسار الصحيح وهو اعتماد الاقتصاد على الإنتاج، وهذا أمر بديهي وهو مؤشر على قوة الاقتصاد الحقيقية. ولكن الانفتاح في عهد أنور السادات حول المجتمع إلى مجتمع استهلاكي غير قادر على المنافسة.&وفي الحقيقة أن إشارة الكاتب إلى حزم عبد الناصر مع الفساد هو جوهري ويعتبر الأساس في أي اقتصاد في العالم، حتى وإن اعتبره المتضررون دكتاتورا، فإذا انتشر الفساد كما حدث في عهد السادات ومبارك، فهو كاف لكسر العمود الفقري للدولة. وليست حالة مصر فريدة، فجميع الدول النامية تعاني من ضعف الإنتاج وانتشار الفساد. إن ما جلبته العولمة من انفتاح غير مقيد إلى مصر أدى إلى نفس الآثار التي تعاني منها الدول النامية التي لا توجد لديها ثروات طبيعية تخفف من وطأة الآثار السلبية الناجمة عنها. وبينما بدأت مصر مسيرة التنمية بتعزيز قطاع الصناعة قبل الانفتاح، فإن الانفتاح وضع له نهاية مبكرة، وذلك لأن السوق الرأسمالي يعتمد على الميزة التنافسية للمنتجات وهو الأمر الذي تضعف فيه المنتجات المصرية أمام المنتجات الأجنبية. بالإضافة إلى ذلك فإن استشراء الفساد من خلال حصول المسئولين على عمولات مقابل المشاريع التي تقام في البلاد أدى إلى نشوء فئة مستفيدة تستحوذ على جل إيرادات الدولة مما يترك غالبية الشعب في العراء. إذن فعوامل تدهور الوضع الاقتصادي والتنمية موجودة في مصر وهي ضعف الإنتاج وقلة الموارد الطبيعية والفساد وهذا كفيل في جعل مصر تتراجع اقتصاديا وثقافيا واجتماعيا.&يبدو جليا من تجارب الدول أن المسار الاشتراكي هو الأنسب للدول غير القادرة على منافسة عمالقة الصناعة في العالم، وهذا لا يعني الدخول في مواجهة معها، فقد أطاحت تلك الدول بحكم معمر القذافي الذي أغلق الأبواب في وجه الشركات الغربية، ولم يشفع له تراجعه في الفترة الأخيرة، وجيشت الشعب ضده، مع أن نظامه وفر لليبيين كل ما يحتاجونه من الأساسيات والكماليات. إذن لا أحد يستطيع حماية اقتصاده من العولمة، ولكن لا بد من التحايل على الموقف بحيث يكون جزءا من اقتصاد الدولة تحت سيطرتها لضمان عدم انتشار الفقر بالصورة التي وصفها جلال أمين، وترك النشاطات الأخرى للقطاع الخاص. أما ما ذكره أمين عن حرب 1967، فلا أحد ينكر أن الدخول في مواجهات مع جيوش عظمى تحت هذه الظروف ليس من الحكمة في شيء، وقد أدرك العرب ذلك، بمن فيهم الفلسطينيون الذين انقسموا حول هذا الأمر، وما كان ينبغي لهم أن ينقسموا، إذ أن الدخول في حروب مع إسرائيل يجلب للفلسطينيين الدمار ولا يحقق شيئا، وعليهم التركيز على بناء اقتصادهم وصناعاتهم إلى أن يصبحوا قادرين على استرداد شيء مما فقدوا، ويجب ألا ننسى أن الفلسطينيين استطاعوا كسب الرأي العالمي إلى حد كبير من خلال الفعاليات الثقافية التي ينفذونها في الخارج ومن خلال وسائل الإعلام.&لقد قامت الثورة في مصر للإطاحة بالرئيس مبارك احتجاجا بالدرجة الأولى على تفشي الفقر في المجتمع المصري ولن تعتبر الثورة ناجحة إلا إذا حققت الهدف الذي قامت من أجله وهو النهضة الاقتصادية وهذا يتطلب تخطيطا وليس شعارات فالتحدي الاقتصاد القائم هائل جدا إذ أن الأسواق فتحت للبضائع الأجنبية ولا مجال لغلقها لأن ذلك سيثير غضب الدول المتقدمة وربما تقوم بالانتقام من خلال التحريض على أعمال شغب داخلية. فالأمر يتطلب من الحكومة المصرية الجديد ة العمل على تعزيز قطاع الصناعة والسياحة وهما العنصران الرئيسيان في الدولة نظرا لأنها تفتقر إلى الموارد الطبيعية، ولا يمكنها الاعتماد على تصدير القوى العاملة لأن هذا الأمر لا يعتبر تنمية اقتصادية بل دخلا ريعيا يتأثر بالتقلبات السياسية. ولا بد من الإشادة بوقفة الدول العربية النفطية التي أمدت مصر بالمساعدات النقدية لمساعدتها على النهوض من جديد ولا بد لمصر أن تستفيد من هذه الفرصة من خلال التخطيط والتنفيذ لاقتصاد جديد قادر على المنافسة في ظل العولمة الاقتصادية.&&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف