كتَّاب إيلاف

ليلةَ كان الله معي

-
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك


"من كتابي المقبل الذي سيصدر قريبا والمعنون / مذكرات مثقف عراقيّ أوان الحصار"

في يوم عاصف بالريح من ايام الشتاء قاسية البرد في العام / 1994، والمثقلة بالجوع نتيجة الحصار الاقتصادي المدمّر على بلادي ومعظم ابناء شعبي المغلوب على أمرهم، والتي لم تُبقِ لي راحة بال او هدوء مع خواء الجيب تماماً ؛عدتُ الى مسكني مساءً بعد ان أضناني التعب الشديد بحثا عن رزق ولو يسير يقيم أوَد أسرتي ليوم او يومين&

&كانت الفاقة تضيق بخناقي بحيث لم اجد مالا حتى لشراء ارغفة الخبز لاطعام عائلتي. اعتكفت في غرفتي وحيدا أقلّب امري يمينا وشمالا باحثا عن حلّ لتخفيف هذا البؤس فلم اجد مخرجا او بارقة أمل تنجيني من هذا المأزق. وبينا انا على هذا الحال نادتني زوجتي طالبةً مني توفير شيء من طعام الافطار للغد.

&وفجأة خطرت لي فكرة لم اعتد تنفيذها مطلقا في كل محطات عمري مهما حيق بي من عوز او حاجة وهي استعارة سيارة احد اصدقائي بحجة نقل ولدي "المريض" الى المستشفى لعلاجه من وعكة صحية ألمّت به، كان مسكن صديقي غير بعيد عني اذ يمكنني الوصول اليه راجلا.

&طرقت الباب ممثّلا دور الاب الذي أصابه الذهول وطلبت منه مفاتيح السيارة لفترة وجيزة لنقل ابني الى اقرب مشفى وانا اتصنع الارتباك والقلق المفرط على الوضع الصحي لوليدي؛ فأذعن لطلبي بعد تردد واضح على وجهه، قدت السيارة وحدي وعطفت بها الى مركز المدينة أملا في الحصول على من يستأجرني لتوصيله الى المكان الذي يريد، ففي زمن الحصار هذا كان العمل في تأجير السيارات الخاصة (تاكسي) مألوفا لدى عامة الناس.

اشتدّت الريح ورافقها مطرٌ كثيف يهطل بغزارة، اقْـتربت الساعة من العاشرة ليلا دون ان يشير لي احد فرحت أتنقل من شارع الى آخر ومن حيّ الى حيّ بلا جدوى حتى وصلت ضواحي بغداد غربا وأنا في حالة يأس تام، لولا ان لمحت احد السابلة يتعامل مع سائق تاكسي قدّامي فتريّثت قليلا حتى وقفت خلفه، غادر سائق التاكسي دون ان يتّفقا، ناديت الرجل الواقف على الرصيف وعرضت عليه خدماتي لإيصاله؛ فردّ عليّ بان سيارتي صغيرة ولاتكفي حمل أسرته الكبيرة فألححت عليه وأقنعته بضرورة الركوب معي وإيصاله حيث يشاء فوافق مكرهاً.

وصلنا الى البيت الذي سأقلّ أسرته منه وأتجه بهم الى مدينة الفلوجة، كانوا أربع نساء مع ثلاثة اطفال وقمت بترتيب جلوسهم حشراً وأقعدت الاطفال في احضان النساء والرجل بقربي الذي حدّثني عن حصول خصام عائلي مع مضيّفه أضطره للعودة الى بيته في هذا الوقت المتأخر من الليل البارد الممطر.

قبل منتصف الطريق واثناء وصولنا محطة الوقود طلبتُ منه مبلغ الاجرة لأملأ خزان السيارة بالبنزين. وبشقّ الانفس وصلت الفلوجة قبيل منتصف الليل حيث كانت السيارة تحتكّ بالأرض احيانا بسبب ثقل الحمولة وأفرغت حمل السيارة الثقيل وحمدت الله على ما أصابني من رزق. وفي طريق العودة على مشارف المدينة هطل عليّ رزقٌ آخر؛ إذ أومأ لي شبح رجلٌ بالوقوف وحدثني بلغة انجليزية ركيكة فهمت منها انه يريد الوصول الى المطار؛ حملت وإياه حقائبه وأجلسته جنبي ومن خلال حديثه عرفت انه من كوريا الجنوبية ويعمل خبيرا فنيا في احدى الشركات العاملة في العراق وهو بصدد تصفية حسابات الشركة وإنهاء أعمالها.

مرّت اقل من ساعة حتى أوصلته الى المطار لقاء مبلغ غير زهيد لم اكن اتوقعه، أدرت السيارة عازما الرجوع الى بيتي وتسليم السيارة لصديقي بعد ان امتلأ جيبي لكن صوتا جاءني من بعيد طالبا مني عدم المغادرة وإيقاف سيارتي جانبا، كان صاحب الصوت رجلا يعمل سائقا في تاكسي المطار فأشار لي انْ: تمهّل لأن طائرة حطّت توّا في المطار قادمة من موسكو وفيها وفد كبير من منتسبي وزارة الإعلام الموفدين.

&بقيت منتظرا خروج الوفد بعد اكمال الاجراءات الروتينية وما ان خرج البعض منهم حتى اتجهوا الى السيارات ومنها سيارتي واضعين حقائبهم دون ايّ اتفاق مسبق حول الاجرة او مكان الايصال، نظرت في الوجوه فإذا هم خير اصدقائي ومعارفي ممن كنت اعمل معهم سابقا قبل إحالتي على التقاعد عنوةً، أحسست بالخجل لأول وهلة ولكنني سرعان ما استعدت وضعي الطبيعي، كانوا اربعة موفدين فقمت بإيصالهم كلاً الى بيته جائلا في أحياء بغداد المترامية الأطراف بعد ان استلمت من كلّ فرد مبلغا وفيرا كأجرة.

عدت الى صديقي مالك السيارة قبل ان يوشك الفجر على الظهور، سلّمته السيارة ومفاتيحها شاكرا حسن صنيعه ورجعت جذلان وانا في غاية البهجة والانشراح فقد امتلأ جيبي مالا كثيرا يكفيني وأسرتي شهرا كاملا في رغد العيش وكدت ألمس بيديّ النديتين رحمة الله وحنوّه على عباده، ولمّا وصلت البيت؛ كانت زوجتي في انتظاري لتصبّ جام غضبها عليّ بسبب غيبتي الطويلة بهذا الليل الشاحب والممطر وصاحت في وجهي بعصبية ظاهرة: اين كنت ومن كان معك الى هذه الساعة المتأخرة؟ فقلت لها وانا منشرح الصدر: ياعزيزتي كان الله معي.

&

jawadghalom@yahoo.com

&

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
ليت...
ako -

ليت أيتام (صدام) يستذكرون قسوة سنوات الحصار الأقتصادي أبان حكمهموأظنهم سيتناسون ما حصل بنا من أهدار للكرامة ونسيان قيمنا الأنسانية بالعمل بالسخرة والألتحاق الاجباري بالجيش الشعبي وجيش القدس وفدائيوا قائدهم وجيوب فارغة ومستقبل مظلم وأستعداء العالم كله ضد شعبنا المظلوم

صراحة ممتعة
علي السواد -

الاستاذ والشاعر جواد غلومحقا امتعتنا معك رغم ليلتك القاسية وانت تتحدث عن السنوات العجاف سنوات الجوع الخرافي في تسعينيات القرن الماضي دمت بخير.

اايام الله لا يعيدها
علي -

ايام صعبة. الله لا يعيدها على العراقيين وان شاء الله ما تكرر على اي شعب في العالم.. غباء الطاغية وتامر العرب ووحشية امريكا وفشل مجلس الأمن في الدفاع عن الشعوب كانت وراء ذلك الحصار الظالم على الشعب العراقي.

رحمةً بوطنك يا هذا ......
عادل -

هلاّ صببت جام غضبك على مَن فرض الحصار على اطفال بلدك وحرمهم من الغذاء والشيوخ المرضى من الدواء , بهدف اذلاله ولكي يصل الى الحال الذي عليه الآن. والتساؤل هو هل انت عراقي بالارتباط والمواطنه وليس بالتجنس ؟؟؟؟؟

تلفيق الأباطيل!!
العراقي القح -

قبل سقوط العراق عام الفين وثلاثة ؛ عرض محمد باقر الحكيم على الأمريكان أن يدلهم على أسلحة الدمار الشامل العراقية؟؟ وقال بالنص :" العراق يمتلك أسلحة دمار شامل وأعرف مواقعها واحد واحد ومستعد للتعاون مع الأمريكان لإيصالهم لها"...الطريف إن الأمريكان ، وردا على عرض محمد باقر الحكيم رفضوا مساعدة الحكيم ، وقالوا ما معناه" إحنا نعرف شغلنا"...الكاتب غلوم ، يحاول إقناع القاريء "وربما الأمريكان على طريقة مولانا محمد باقر الحكيم " إن عائلة من الفلوجة تركت منزل مضيفها في الساعة عشرة بالليل "في ليلة شتوية ممطرة" وإتجهت للشارع بغية العودة للفلوجة...واصل حسابكم أغا ... وحتى يملا الرجل جيبه بالمال الحرام كونه يستخدم سيارة صاحبة بدون علمه ...وجد خبيرا من كوريا الجنوبية في الشارع "هكذا قال غلوم" وأكيد الكاتب يقصد الطريق الرابط بين الفلوجة وبغداد "أكيد الساعة أصبحت ١٢ بالليل" لأن طريق الذهاب والأياب للفلوجة راح يضيع ساعتين" ؛ يريد نقله للمطار ، طيب خبير ومن كوريا الجنوبية وليل وشتاء ومطر وبالشارع وبنص الليل: عيني غلوم لو مخليها كوريا الشمالية شوية أهون ، ومن راح للمطار لقى وفد جاي من الخارج؟؟؟ حسب معلوماتي ما كان هناك نقل جوي بين بغداد والعالم بسبب الحصار بالأربعة وتسعين ؛ وكاتب هذه الكلمات"العراقي القح" ترك العراق وقتها بالباص من بغداد للأردن ومن الأردن طيران؟ عيني غلوم ؛كل ما نأمله ان لا ياتي يوم نرى فيه كاتبا شيعيا يقول : تم تحرير العراق في زمن الخليفة جورج بوش!!! العراقي القح.

هذا حر بغداد!!
العراقي القح -

إستاذ غلوم...هذا حر بغداد يخبل أكبر واحد...الحرارة وصلت ٦٠ السنة...أكيد أدمغة العراقيين تغلي...وصارت تتخيل أمور متصير بس بالأفلام الهندية... بس أني ورا ماكتبت التعليق إجت ببالي فكرة... قلت أخاف إستاذ غلوم وصل الخبير الكوري الجنوبي لمطار عمان ونسى"إي من بغداد طبعا"... إضحك...بس صلحها للقصة لخاطر أخوك...سويها خبير هندي...لأن ذول الهنود إحنا نقدرلهم...توصله لمطار بغداد ، وما يلقى طيران "بسبب الحصار" يروح مشي للهند....... العراقي القح.

الى العراقي القح
احمد الماجد -

أسلوبك في التعليق رثّ ومؤلم ويعبّر عن الجهل والحقد والتطفّل المخزي .. أليس لديك عائلة ؟ أين الأدب في الكلمات وأين الخُلق.. المثل الصيني يقول : غبيّ من يظن انه أذكى من الناس..