فضاء الرأي

إسرائيل والعدالة الدولية

فلسطينيون قرب تمثال للرئيس الجنوب أفريقي الأسبق نلسون مانديلا قرب رام الله في الضفة الغربية
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

تكمن نقطة القوة في اقتياد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية في أنها جاءت من قبل دولة لا تنتمي إلى "الأمة العربية" ولا إلى "الأمة الإسلامية"، وتعترف، فضلاً على ذلك، بإسرائيل، ولا يوجد اسمها في لائحة معاداة السامية.

لسنا من المتوهمين بشأن محكمة العدل الدولية، ولا يخفى علينا أنها جزء من مؤسسة شرعت بفرض حصار ظالم ووحشي من قبل مجلس الأمن على جماهير العراق مدة ثلاثة عشر عاماً بحجة معاقبة نظام صدام حسين لاحتلال الكويت. حينها، قالت وزيرة الخارجية الأميركية مادلين أولبرايت في مقابلة مع إحدى القنوات الأميركية أن الأمر يستحق موت أكثر من مئتي ألف طفل عراقي بسبب نقص الغذاء والدواء، رداً على سؤال محاورها إن كانت سياسة أمريكا تجاه العراق تستحق هذا العدد من الضحايا. حينها، لم تتحرك محكمة العدل الدولية، ولم تفعل أيضاً بعد غزو العراق واحتلاله وقتل الآلاف من جماهيره تحت عنوان نشر الديمقراطية، بعد فشل إثبات امتلاكه أسلحة دمار شامل، وفشل إيجاد صلة تربطه بتفجيرات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر). وهذا غيض من فيض، فملفات جرائم أميركا وعموم الغرب لا تعد ولا تحصى في أفغانستان وفيتنام وكوسوفو والبلدان الأفريقية، ومع هذا لم تحرك محكمة العدل الدولية ساكناً.

إقرأ أيضاً: بعض أوهام حرب غزة

بشكل آخر نقول إنَّ جرائم إسرائيل ليست بجديدة ضد الفلسطينيين، فحرب الإبادة التي تشنها اليوم في غزة تتواصل منذ أكثر من سبعة عقود ونصف، إلا أنَّ الجديد هذه المرة أنَّ الولايات المتحدة الأميركية فشلت في منع وصول ملف الدعوى المقامة بحق إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، ومرد ذلك انحسار النفوذ السياسي للولايات المتحدة الأميركية في العالم، والذي يعكس ضعفها أيضاً في السيطرة على المؤسسات الدولية. هذا هو الفارق ما بين حالة العراق في عقد التسعينيَّات من القرن الماضي، والذي فيه أعلن النظام العالمي الجديد بزعامة أكبر دولة "بلطجية" وصولاً إلى غزوه واحتلاله من دون أي ترخيص من مجلس الأمن ولا أي مؤسسة دولية أخرى، وبين ما يحدث اليوم، وتحديداً أمام محكمة العدل الدولية.

تجدر الإشارة إلى أنَّ دفاع الطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة الأميركية عن إسرائيل، ونفي وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تهمة الإبادة الجماعية عنها، هي في الحقيقة دفاع عن سياسة أميركا وعن جميع مواقفها ودعمها العسكري والسياسي والاقتصادي لإسرائيل. واذا ما أدانت محكمة العدل الدولية إسرائيل، فإنما تدين أيضاً بشكل صارخ كل سياسات الولايات المتحدة الأميركية في العالم، وهذه ما تخشاه الإدارة الأميركية أكثر ما تخشاه إسرائيل.

إقرأ أيضاً: تغير في تكتيك النفاق الدولي

بيد أن دلالات اقتياد إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية، وبغض النظر عن أي نتائج قد يسفر عنها، تصل الى جوانب أخرى وحيوية، منها بدء العد التنازلي لأفول التضليل الإعلامي العالمي، أي نهاية الإفادة القصوى من تهمة "معاداة السامية" لقمع حرية التعبير التي لطالما كان الغرب يتبجَّح بها بقيادة الولايات المتحدة الأميركية. فعشرات الموظفين أوقفوا عن العمل أو وبخوا أو طردوا بسبب تغريدة أو كلمة تضامن مع الشعب الفلسطيني، وقد دحضت إذا لم نقل مزقت مرافعة محامي دولة جنوب أفريقيا أمام قضاة المحكمة صفحات وصفحات من الرواية الإسرائيلية التي روج لها الإعلام الغربي، خصوصاً الإعلام الرسمي والمأجور في الولايات المتحدة الأميركية. وبات الجزء من العالم المتوهم بأن إسرائيل هي واحة الديمقراطية في الشرق الأوسط، ينظر اليوم بأم عينيه كم كان مخدوعاً بالرواية الإسرائيلية التي صورت الفلسطينيين على أنهم لا يستحقون الحياة لأنهم يكرهون إسرائيل ويعادون السامية.

وها هي المحكمة الدولية تدفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ليظهر بإطلالته غير البهية عشية جلسات اليوم الأول، ويقول لنا إنَّ إسرائيل لا تنوي احتلال غزة، وأنه لا يقاتل سكان غزة، بل يحارب حماس، بعكس تصريحاته السابقة هو وأعضاء حكومته النازية مثل وزيرا المالية والأمن القومي في إسرائيل بتسلئيل سموتريتش وايتمار بن غفير، وتصريحاتهما كانت من بين الوثائق التي قدمت إلى المحكمة، فجاءت تقطر عنصرية ويندى لها جبين الإنسانيَّة.

إقرأ أيضاً: برميل البارود الإيراني

وأخيراً، وبقدر ما يعدّ تحرك دولة جنوب أفريقيا لرفع دعوى قضائية ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية إثباتاً لما ذهبنا إليه سابقا من أنَّ القضية الفلسطينية هي قضية ضمير الإنسانية، قضية تضع أسئلة كبرى على ماهيتنا الإنسانية متجاوزة كل معتقد ودين وقومية وعرق وجنس، بنفس القدر يجب أن تمثل راهناً يوم حداد لمن ينعتون أنفسهم بالمقاومة والممانعة، لأن جنوب أفريقيا سحبت البساط من تحت أقدامهم وأغلقت أمامهم أسواق المتاجرة بالقضية الفلسطينية، وقامت بتمزيق هويتهم الزائفة، فلا عزاء لهم سوى إقناع حكومة جنوب أفريقيا بالانضمام إلى محور "المقاومة والممانعة"، عسى ولعل يجدون في الخطوة صبراً وسلواناً.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
مصداقية جنوب افريقيا ..ومن ورائها ؟
قول على طول -

افريقيا أكبر قاره بها ابادات جماعيه ..السودان ..اثيوبيا ..نيجيريا ..مالى ..الكونغو ..ليبيا ..الخ الخ ..وكلها دول قريبه من جنوب افريقيا أو على الأقل فى نفس القاره ..ولم نسمع أن جنوب افريقيا فعلت شيئا ايجابيا واحدا تجاه هذه الابادات ..مما يجعلنا نشكك فى نوايا ودوافع جنوب افريقيا . ربما جنوب افريقيا لم تسمع عن البشير وما فعله من تطهير عرقى وابادات جماعيه فى السودان وعجبى

وأين الانسانية ؟
قول على طول -

أؤكد أولا أننى ضد قتل أي انسان ومع حق كل انسان فى حياة حرة كريمة، وفي وطن آمن وبعد: أين الانسانية عندما قام صدام حسين بحرق جزء من شعبه وهم الأكراد، ويقدر بمئات الالاف، بل قامت الجامعة العربية بتأييد صدام؟ ولم نقرأ لكاتب عربي واحد أو مسلم يندد بما فعله صدام؟ بل يقول أنه أحرقهم بالكيماوي المحرم دوليا. وعندما أحرقتم سوريا وبأموال الدول العربيه وقتل مئات الالاف وتشريد الملايين السوريين؟ وهل سمعت عن الابادة العرقيه التى قام بها البشير وقتل 5 مليون سودانى من أهل الجنوب ؟ يتبع

وأين الإنسانية ؟ تابع ما قبله
قول على طول -

هل سمعتم عن فرق الجنجويد وما فعلوه بأهل دار فور؟ وهل سمعتم عن الاباده فى السودان على أيدي المؤمنين أتباعاكم .. وضد بعضكم ؟ هل سمعت عن التهجير والاباده التى تعرض لها المسيحيون والأزيديين والشبك في العراق الحبيب على أيدي الدواعش الذين جاءوا بالدين الأصلى الحنيف؟ وهل سمعت عن الحكومات التى استولت على ممتلكات أقليات فى بلادكم بعد ابادتهم بالقتل أو بالتهجير؟ طبعا الانسانية لا تهتز لذلك بل فقط عندما يكون العدو صهيونى أو كافر فقط. نقول تانى أم هذا يكفى ؟

المسيحيون في القدس العتيقة
حدوقه -

المسيحيون في القدس العتيقة يضطرون الى اضيق الطريق تفادياً لرذاذ الشتائم والبصاق من اليهود، مشاهد مروعة لمسيحيين في القدس القديمة لا يدينها الإعلام، في الثاني من أكتوبر، 2023، التقط مراسل هآرتس مشهداً مروعاً في القدس القديمة. جماعة من الحجّاج المسيحيين يحملون صليباً كبيراً من الخشب، يمرون عبر الطريق الذي [من المفترض] سلكه المسيح إلى خشبة الإعدام. يظهر فجأة سربٌ من المتدينين اليهود، يلتقي الوفدان. يمر الوفد المسيحي في طريقه، وكانوا حجاجاً أجانب. يبصق اليهود، حتى الأطفال، على المسيحيين. الأخيرون يواصلون طريقهم دون رد. ‏"البصق على المسيحين طقس يهودي قديم. هل نسينا، تحت تأثير الثقافة الغربية، ما هي المسيحية؟ لا أظن أن ملايين اليهود الذين شردتهم الصليبية سوف ينسون يوماً ما". ‏يسكا هاراني، الناشط الإسرائيلي، أخذ الحكاية بعيداً. أسس الرجل "هوتلاين" متخصص في رصد الجرائم المرتكبة بحق المسيحيين في إسرائيل، وهي وظيفة لا يوجد لها نظير في أي بقعة من الأرض يقطنها مسيحيون.

المسيحية والعشق الحرام؟!
حدوقه -

الحقيقة في مكان آخر. فقد أدلى رجال دين مسيحيون [مقدسيون] بشهادات مثيرة، قالوا إن اليهود صاروا يبصقون على قمصانهم وليس فقط على الأرض بالقرب منهم. في تأويلها للحادثة قالت مؤسسة "أبناء العهد" - اليهودية المتخصصة في مكافحة معاداة السامية- إن المسألة متجذرة في الضمير الديني اليهودي، ولم تحدث في الفراغ. وأنّ "آلاف اليهود الذين عاشوا في أوروبا أجبروا على تبديل ديانتهم تحت طائل العذاب والتنكيل. ذلك التاريخ محفورٌ في كتب وتعاليم رجال الدين اليهودي وسيبقى كذلك إلى الأبد".