فضاء الرأي

الفلسطيني محمد حمادة.. بطل من رحم المعاناة

قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

"من رحم المعاناة يولد الأمل، ومن قلب المأساة يأتي الفرج"؛ هذه العبارة هي أقل ما يقال عن الفلسطيني محمد حمادة، الذي قدم نموذجًا يُحتذى به في الصمود والتحدي، من خلال التغلب على الصعاب وتحقيق حلمه بالوصول إلى أولمبياد باريس 2024.

من يرى ويتابع الأحداث المأساوية في قطاع غزة المكلوم، لا يمكنه أن يتخيل أو يصدق أن من بين الأنقاض التي تغطي غزة بالكامل يخرج رياضي مثل محمد حمادة، يتغلب على كافة الصعاب ويواجه الموت في كل لحظة. لكن العزيمة والإيمان المترسخ بداخله جعلاه يصمد ويكافح لتحقيق حلمه بتمثيل وطنه فلسطين في أولمبياد باريس.

صناعة بطل أولمبي أمر صعب للغاية ويتطلب قدرات وإمكانيات كبيرة، لكنها ليست مستحيلة. هي منظومة صناعية متكاملة، لها أهدافها وأدواتها ومقوماتها وآلياتها ودراساتها وتجاربها وحوافزها وتفاصيلها المدروسة بعناية فائقة. والتجارب التي نجحت في صناعة الأبطال الأولمبيين كثيرة ومعروفة، ولكننا أمام حالة استثنائية تتطلب الوقوف أمامها. فما فعله محمد حمادة يجب أن يكون منهجًا يُدرَّس في المدارس والجامعات لتعلم كيفية التغلب على التحديات من أجل تحقيق الحلم.

ولد محمد حمادة في حي التفاح بمدينة غزة الفلسطينية عام 2002، وتمكن من تحقيق حلم عائلته بأن يكون بطلاً في رياضة حمل الأثقال. شارك في العديد من البطولات العالمية وحصل على عدد كبير من الميداليات.

من بين البطولات التي شارك فيها، كانت بطولة آسيا في أيار (مايو) 2021، حيث احتل المركز السابع، واحتل المركز الثامن عالميًا في رفع الأثقال. كما شارك في بطولة أوزبكستان العالمية، حيث رفع 141 كيلوغرامًا و171 كيلوغرامًا في النطر، بمجموع 312 كيلوغرامًا عن الرفعة الأولى والثانية.

جاءت هذه الانتصارات بالرغم من افتقار محمد حمادة، وأغلب الرياضيين في غزة، إلى النوادي الرياضية والأماكن المجهزة التي تمكنه من التدريب بشكل صحيح للمنافسة على ألقاب عالمية كبرى. رغم الأوضاع الصعبة التي يعيشها سكان قطاع غزة بسبب الحرب التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي منذ شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، والتي ما زالت مستمرة بعد مرور 9 أشهر، إلا أن الرباع الفلسطيني محمد حمادة كان يحلم بالمشاركة في أولمبياد باريس 2024.

كان محمد حمادة هو أول رباع فلسطيني يمثل بلده في تاريخ المسابقة. ورغم أنه كان الأقرب إلى الحصول على الميداليات، إلا أنه تمكن من تحسين رقمه في عالم بطولة حمل الأثقال بين بقية الأبطال العالميين.

وقد كانت مشاركة محمد حمادة في هذه البطولة بمثابة حلم، كونه، وبالرغم من صغر سنه، كان قادرًا على رفع علم بلده في هذه التظاهرة الرياضية العالمية التي يتابعها الجميع من كل بقاع العالم، ليصبح الأول في تاريخ اللعبة الذي يشارك باسم فلسطين.

لمع اسم محمد حمادة من جديد بعد حصوله على ميداليتين: ذهبية وبرونزية ضمن مشاركته في بطولة العالم للشباب والناشئين لرفع الأثقال التي استضافتها اليونان في عام 2022. وعلى الرغم من صعوبة ظروف التدريب في قطاع غزة، إلا أن الإنجازات التي حققها محمد حمادة تؤكد قدرته على المشاركة في الأولمبياد.

ولكن جاءت الحرب على غزة بعد أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 لتعقد المشهد أمام البطل، الذي وجد نفسه محاصرًا وسط الحرب وقريبًا من الموت الذي كان يلازمه كل يوم. رغم الحرب الدامية والمعاناة القاسية التي يشهدها قطاع غزة، ظل البطل يتدرب بقوة وعزيمة وسط أصوات الانفجارات المدوية، التي كانت قد تنهي حياته في أي لحظة. لكنه لم يهب، بل استمر في التفكير في حلم المشاركة في أولمبياد باريس 2024.

إقرأ أيضاً: اغتيال هنية وشكر.. إيران تكتفي بالتصريحات!

ظل الرباع الفلسطيني ينزح من مكان لآخر بعد أن تعرض منزله للقصف، وكاد أن يفقد حياته، ولكن شاء القدر أن ينجو ليواصل مسيرته أملًا في تحقيق حلم المشاركة في الأولمبياد.

تجربة النزوح التي خاضها لم تكن سهلة ولا يستطيع أحد تحملها، فقد كان يتنقل بين الطرقات المليئة بجثث الشهداء والجرحى، حتى تمكن من الخروج برفقة مدربه الخاص وشقيقه حسام حمادة بعد أن مكث 23 يومًا على الحدود.

عاد محمد حمادة إلى قطر، وهناك حاول مجددًا أن يعود إلى نظامه الرياضي السابق ويتشبث بحلمه الوحيد، وهو استكمال مساره الرياضي الذي بدأه في سن صغيرة، متمنيًا تتويجه بمشاركة جديدة في أولمبياد 2024.

نجح محمد حمادة في مغادرة غزة ووصل إلى مدينة فوكيت التايلندية للمشاركة في بطولة كأس العالم، الجائزة الكبرى المؤهلة لأولمبياد باريس 2024. لكنها كانت أول مشاركة له بعد خروجه من غزة، ورغم خسارته الوزن وتوقفه عن التدريب لمدة ستة أشهر، لم يحقق أي نتائج تُذكر، وهي آخر بطولة تأهيلية لأولمبياد باريس.

إقرأ أيضاً: نتنياهو وأوهام النصر

تأثر وزن محمد حمادة بالمجاعة التي يشهدها القطاع بعد قيام جيش الاحتلال الإسرائيلي بمنع دخول المساعدات الإنسانية، وفقد ما يقارب 20 كيلوغرامًا، مما أدى إلى عدم قدرته على المشاركة في أي بطولة. إضافة إلى غياب المرافق الرياضية أو الأماكن التي يمكنه فيها التدريب من أجل الأولمبياد. وضاعت منه بطاقة التأهل، لينشر بعد ذلك رسالة عبر حسابه على فيسبوك يؤكد فيها أنه يستحق التأهل لأولمبياد لوس أنجلوس 2028 والمنافسة على الميداليات.

البطل محمد حمادة، الذي سبق له المشاركة في أولمبياد طوكيو 2020، واجه ظروفًا صعبة خلال الحرب على قطاع غزة ونجا من الموت ليواصل استعداداته لاستعادة مستواه الحقيقي الذي ظهر به في أولمبياد طوكيو 2020. كان يحلم برفع علم فلسطين والمشاركة في أولمبياد باريس هذا الصيف بدعوة من اللجنة المنظمة.

مر محمد حمادة بأوقات عصيبة، مثل كل أبناء الشعب الفلسطيني الذين يتعرضون للعدوان، ومع ذلك قرر استكمال المشوار، وتمكن في البداية من الخروج من مدينة غزة إلى رفح ونجح في المغادرة إلى مصر ومنها إلى البحرين في أولى خطوات استكمال برنامج الإعداد الأولمبي. ولم يكن أمامه ومدربه سوى أسبوع واحد للمشاركة في بطولة العالم لرفع الأثقال المؤهلة لأولمبياد باريس التي أقيمت في مدينة فوكيت بتايلاند، وشارك بالفعل وعاد بعدها إلى المنامة مرة ثانية لاستكمال المعسكر.

وتوجه محمد حمادة بعد ذلك إلى الدوحة لاستكمال البرنامج الأولمبي، استعدادًا للبطولات المقبلة ومنها أولمبياد باريس، في حال تمت الموافقة على مشاركته، باعتباره شارك في بطولة تأهيلية واحدة من أصل ثلاث بطولات أساسية، فلم يتمكن من المشاركة في أول بطولتين بسبب تواجده في غزة خلال الفترة.

إقرأ أيضاً: هل تنجح وساطة الصين في المصالحة الفلسطينية؟

رغم قسوة المرحلة، يسعى محمد حمادة إلى تنفيذ برنامج إعداد للمشاركة في دورة الألعاب الآسيوية المغلقة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، وبطولة العالم للكبار في كانون الأول (ديسمبر) من نفس العام.

المآسي التي مر بها محمد حمادة تحتاج إلى تسليط الضوء عليها، ليشهد العالم أن جرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي لم تمنع الكوادر الفلسطينية من تحقيق أحلامها. مهما فعل العدوان الغاشم، لن تنال من عزيمة وإصرار شعب فلسطين على الصمود، ولن تفلح خطة التدمير النفسي والمعنوي والجسدي في محو الهوية الفلسطينية.

قوة وعزيمة محمد حمادة وإيمانه بأن النصر سيأتي مهما طال أمد الحرب، هي انعكاس للشعب الفلسطيني ككل، وليس لأهل غزة فقط. فمسيرته ونجاحه بمثابة هزيمة للاحتلال الإسرائيلي الذي عجز عن تنفيذ مخططه بمحو الهوية الفلسطينية والاستيلاء على الأرض.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف