فضاء الرأي

انسحاب منظمات الإغاثة ومصير شمال غزة

حصار غزة وقصفها يدفع ثمنه المدنيون
قراؤنا من مستخدمي إنستجرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على إنستجرام
إضغط هنا للإشتراك

لا شك أن الفشل التام من جانب المجتمع الدولي في وقف العدوان الغاشم من قِبل جيش الاحتلال الإسرائيلي تجاه المدنيين في قطاع غزة يعكس خطورة الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، في ظل اتساع رقعة الصراع بعد تعدد جبهات القتال بين إسرائيل وحزب الله وإيران.

الوضع في غزة أصبح "كارثياً" بعد تدهور الأوضاع الإنسانية في ظل التعنت الإسرائيلي، والحصار المفروض على المساعدات ورفض إدخالها، فأصبح المدنيون محاصرين، فمن لم يمت من غارات الاحتلال مات من شدة الجوع.

وأدى تعقد المشهد وعدم إيجاد حل لوقف إطلاق النار إلى قيام العديد من المنظمات الإغاثية غير الحكومية بتعليق المساعدات الإنسانية، خصوصاً شمال قطاع غزة، وتحديداً في منطقة جباليا، بعد تعرض موظفيها للقتل برصاص الاحتلال، الذي يستهدف أيضاً قوافل المساعدات ويمنعها من أداء دورها والوصول إلى المدنيين.

وخرج جيش الاحتلال بتصريحات على لسان مسؤوليه بأن الحصار المفروض على جباليا والهجوم عليها وإجبار السكان على إخلاء المنطقة جاء بعد ورود معلومات بأن حركة حماس تتخذ من المنطقة مكاناً لإعداد كوادرها واختبائهم بين المدنيين. هذا التبرير يغطي جرائم الإبادة الجماعية التي تستهدف أكبر عدد من المدنيين في مشاهد مأساوية، وسط عجز تام من المجتمع الدولي وكافة الأطراف التي عجزت عن إيجاد صيغة حقيقية لوقف إطلاق النار.

أعقب ذلك إعلان برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بأنه أوقف حركة موظفيه في قطاع غزة "حتى إشعار آخر"، بعد تعرض فريقه لإطلاق نار بالقرب من نقطة تفتيش إسرائيلية، بالقرب من جسر وادي غزة، رغم وضع علامات واضحة على القافلة وحصولها على تصاريح متعددة من إسرائيل.

هذا لم يكن الحادث الأمني الأول خلال الحرب، إلا أنها كانت المرة الأولى التي يتم فيها إطلاق النار مباشرة على سيارة برنامج الأغذية العالمي بالقرب من نقطة تفتيش، بالرغم من الحصول على التصاريح اللازمة. الحادث يعد تذكيراً صارخاً بتقلص المساحة الإنسانية بسرعة واستمرار في قطاع غزة، ويؤدي تزايد العنف إلى تقويض القدرة على تقديم المساعدة المنقذة للحياة.

واضطر موظفو الأمم المتحدة إلى الانتقال بسرعة بعد أن أصدر الجيش الإسرائيلي أمر إخلاء يغطي جزءاً من المنطقة الإنسانية المخصصة لإسرائيل حول مدينة دير البلح بوسط القطاع، حيث يوجد مركز عمليات الأمم المتحدة الرئيسي، وسط استمرار أكاذيب جيش الاحتلال بأنه تحرك لحماية المدنيين أثناء عملياته ضد عناصر حماس في المنطقة.

إقرأ أيضاً: ماذا فعل العرب لوقف الحرب؟

لقد جرى وضع 90 بالمئة تقريباً من سكان غزة تحت أوامر الإخلاء منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس، وفقاً للأمم المتحدة، وهي المزود والموزع الرئيسي للمساعدات الإنسانية في القطاع. يعد ذلك كارثياً من الناحية الإنسانية، وقد أجبر ما يقدر بنحو 1.8 مليون شخص على الاحتماء داخل المنطقة الإنسانية، التي تمتد حالياً على حوالى 41 كيلومتراً مربعاً فقط، وتفتقر إلى البنية التحتية الحيوية والخدمات الأساسية.

جيش الاحتلال الإسرائيلي طالب موظفي الأمم المتحدة بالخروج من مكاتبهم وأماكن معيشتهم وإخلاء 15 مبنى تابعاً للأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، فضلاً عن أربعة مستودعات تابعة للأمم المتحدة ومحطة لتحلية المياه ومستشفى الأقصى، المنشأة الطبية الرئيسية في المدينة. هذا يتزامن مع بدء حملة تطعيم واسعة النطاق ضد شلل الأطفال، والتي ستحتاج إلى دخول أعداد كبيرة من الموظفين إلى القطاع.

إقرأ أيضاً: الجامعات الغربية ومحاولة تهميش القضية الفلسطينية

ما يحدث في شمال غزة، وخاصة جباليا، هو جريمة ضد الإنسانية، ولم يستجب جيش الاحتلال ولا حركة حماس لمناشدات الأمم المتحدة بتنفيذ هدنة إنسانية للسماح بتنفيذ عمليات التطعيم بنجاح.

ومع اقتراب موسم الأمطار، ستتفاقم الظروف المعيشية المتردية بالفعل في غزة أكثر فأكثر، مما يعرّض مئات الآلاف من السكان لخطر التعرض لمزيد من النزوح وفقدان الأصول والمخاطر الصحية ومحدودية الوصول إلى الخدمات الأساسية.

وقد وضعت الأمم المتحدة والمنظمات الشريكة في مجال العمل الإنساني خطة للاستعداد لفصل الشتاء، تهدف إلى تلبية الاحتياجات الماسة لأكثر من 2.1 مليون نسمة في غزة خلال أشهر الشتاء، بما في ذلك أكثر من 850 ألف شخص في 49 حيًا يقطنون في المناطق المعرّضة للفيضانات.

إقرأ أيضاً: المطالب الشعبية في غزة.. حق مشروع ولكن!

وتتطلب الخطة، التي تشكل مجموعة فرعية من النداء العاجل للأرض الفلسطينية المحتلّة، مبلغاً قدره 242 مليون دولار لتنفيذ مجموعة واسعة من التدخلات العاجلة، مع التركيز بشكل خاص على الفئات المستضعفة، بمن فيهم الأسر التي تعيلها نساء، والأطفال، والأشخاص المعرضون لخطر العنف بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي، وكبار السن، وذوو الاحتياجات الخاصة والمصابون بأمراض مزمنة.

حصار وقصف جباليا يدفع ثمنه المدنيون، ويزيد من المأساة الإنسانية، في ظل رفض الاحتلال السماح بدخول المساعدات. ولم تعد هناك أي أنباء عن وجود مفاوضات لوقف إطلاق النار، وهو ما يعكس استمرار الوضع الكارثي، فنتنياهو يرغب في استمرار الحرب مهما كان الثمن، وحماس أعلنت أنها لن تستسلم، وفي النهاية، المدنيون هم الضحايا للطرفين.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف