بدأ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي عام 1948 مع ظهور الكيان المحتل وأطماعه في نهب الأراضي الفلسطينية، لتوسيع نطاقه الجغرافي وفرض سيطرته على منطقة الشرق الأوسط برعاية ودعم الولايات المتحدة الأميركية.

ومع مرور السنين، توالت الاعتداءات من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي على الأراضي الفلسطينية، وسقط آلاف الشهداء. لكن ما حدث على مدار السنوات الماضية يُوصف بأنه نقطة في بحر الدماء التي سالت من أجساد الفلسطينيين، خاصة بعد أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر).

جرائم جيش الاحتلال بحق الفلسطينيين في غزة أدت إلى حراك غير مسبوق في الجامعات الغربية، حيث انتفض الطلاب وخرجوا بآلافهم في مظاهرات حاشدة تضامنًا مع غزة ودعمًا للقضية الفلسطينية، واعتصموا داخل الجامعات وسط حصار الشرطة.

كان الحراك الطلابي داخل الجامعات الغربية بمثابة جرس إنذار، ودفع قيادات تلك الجامعات إلى التفكير في كيفية السيطرة على الفكر الطلابي. ما قام به طلاب جامعة هارفارد، عندما وقّعوا على رسالة تحمّل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية عن عنف حماس، أثار ردود فعل غاضبة، حيث وُصفوا بأنهم "معادون للسامية"، مما زاد من حدة الاضطرابات داخل الحرم الجامعي منذ اندلاع الصراع بين إسرائيل وحماس.

الجامعات التي تفتخر بأنها معاقل للحرية الفكرية ومراكز للنشاط الاجتماعي، سواء في قضايا مثل حركة "حياة السود مهمة" أو الحرب في أوكرانيا، تواجه الآن صراعًا عالي المخاطر في الحرم الجامعي. يتلقى الطلاب تهديدات بالقتل، ويغادر المانحون الأثرياء الجامعات.

الاحتجاجات التي نظمتها المجموعات الطلابية المؤيدة للفلسطينيين دفعت جامعات مثل جامعة واشنطن في سياتل وجامعة كولومبيا في نيويورك إلى إغلاق الحرم الجامعي أمام الجمهور بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.

لم يجد الطلاب طريقة للتعبير عن آرائهم وغضبهم مما يحدث للفلسطينيين في غزة سوى الحرم الجامعي، وهو ما اعترض عليه بعض أساتذة الجامعات المؤيدين لإسرائيل. في الأشهر السبعة التي تلت الهجمات التي أثارت الصراع بين إسرائيل وحماس، كافحت الكليات والجامعات لتحقيق التوازن بين الدفاع عن حرية التعبير وإدانة خطاب الكراهية. ومع استمرار نمو الاحتجاجات في الجامعات، أصبح أعضاء هيئة التدريس أكثر وضوحًا، حيث انضموا إلى الاحتجاجات أو أصدروا بيانات تنتقد استجابة الجامعات.

منذ 7 تشرين الأول (أكتوبر)، أصبحت النقاشات والمحادثات في الجامعات مفتوحة بشكل متزايد. في جامعة أريزونا، أوقفت الجامعة اثنين من أساتذة التعليم بعد أن أشارا خلال محاضرة إلى أن حماس ليست منظمة إرهابية، وهو رأي يتعارض مع موقف وزارة الخارجية الأميركية. انتشرت التسجيلات الصوتية لتصريحاتهما على مواقع التواصل الاجتماعي، وبعد أسابيع من احتجاجات الطلاب وأعضاء هيئة التدريس، أعادت الجامعة الأساتذة إلى العمل.

يعكس قرار مجلس أمناء جامعة كاليفورنيا بمنع أعضاء هيئة التدريس من استخدام بعض المواقع الإلكترونية للجامعة للإدلاء ببيانات سياسية، سعي الجامعات لإيجاد حلول لمنع التعبير عن الرأي، خصوصًا فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية. والسؤال المطروح: هل كان رد الفعل سيكون مماثلًا لو كانت المظاهرات مؤيدة لإسرائيل؟

أزالت إحدى الجامعات التصريحات المؤيدة للفلسطينيين، في حين دعا زعماء مجلس الشيوخ الأميركي الحكام إلى قبول توصياتهم بدلاً من إنشاء سياسة جديدة تمامًا. من الواضح أن مجلس الشيوخ قلق من الأوضاع داخل الجامعات، لذلك يفكر في وضع عراقيل تحد من حرية التعبير. هذا هو الوجه القبيح للديمقراطية الأميركية التي تدعي الدفاع عن الحريات، لكن المواقف تكشف دائمًا الحقيقة الخفية وهي أن أميركا هي أصل الديكتاتورية وتسعى دائمًا لفرض سيطرتها على العالم.

قوانين الولايات المتحدة، التي تجمع بين فرض الحياد السياسي ودعم حرية التعبير، تُظهر أن المؤسسات الأكاديمية الكبرى تتعرض لضغوط من أعضاء الكونغرس والزعماء المحافظين الوطنيين.

القرارات التعسفية في الجامعات الأميركية والأوروبية تمثل هجومًا مباشرًا على الحرية الأكاديمية. بالنسبة لبعض أعضاء هيئة التدريس، الإدلاء بتصريحات حول فلسطين هو وسيلة لتطبيق خبراتهم الأكاديمية على قضية عالمية. فرض قيود شاملة على الآراء الشخصية أو الجماعية يعيق الخطاب الأكاديمي ويحد من الحرية الأكاديمية.

إقرأ أيضاً: المطالب الشعبية في غزة.. حق مشروع ولكن!

وأكد خطاب اتحاد الحريات المدنية الأميركي أن الجامعات العامة "يجب أن تكون حساسة بشكل خاص لحماية وتعزيز حرية التعبير لطلابها وأعضاء هيئة التدريس، خاصة عندما يكون هذا الخطاب مثيرًا للجدل أو ينتقد سياسات الجامعة". ينبغي على الجامعات تعزيز التبادل الحر للأفكار والسعي غير المقيد للحقيقة.

ما يحدث الآن في الجامعات الأوروبية هو حصار غير مباشر على حرية الرأي والتعبير، من خلال تقييد الطلاب الراغبين في إجراء أبحاث حول القضية الفلسطينية والدمار الذي يشهده قطاع غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي. هذه محاولة لعدم تأريخ القضية والتغاضي عن الجرائم المرتكبة بحق المدنيين الأبرياء.

من الواضح أن التوجهات الأوروبية، التي تميل لصالح إسرائيل، تتبنى عمليات التضييق على الطلاب في الجامعات. لكن القضية الفلسطينية ستظل حاضرة وراسخة في وجدان وعقول كل من آمن بها ودافع عنها، ولن تنتهي حتى يتحقق النصر ويعود الحق لأصحابه.