كتبت في المقال السابق تحت عنوان «الماء والأكل واللغة»عن اللغة، ووضعتها في سلة واحدة مع ثنائية الطعام والشراب، وفق منظور قد يراه البعض فلسفياً في جانب من جوانبه، فعندما تكون اللغة ثالثة الأثافي التي تستقر عليها الحياة الدنيا وحياة الآخرة يكون هناك محاكاة لزوايا فلسفية قابلة للنقاش والأخذ والرد وإن كان حتى اللحظة لم يعارضني أحد فيما ذهبت إليه بل إن الفكرة لاقت قبول ممن استمعت إلى رأيهم في المقال.
في هذا المقال لن يكون هناك فلسفة ولن يكون هناك تأملات تدعو إلى قراءة احتمالية، وسيكون الحديث مباشراً لأن الموضوع يجب أن يكون كذلك، ويجب أن نقتبس الآتي: «كان تأسيس (احتفالية اليوم العالمي للغة العربية) في شهر أكتوبر 2012، حيث تشرفت بحمل تلك المبادرة بصفتي نائب رئيس المجلس التنفيذي لليونسكو، وقد قمت مع بعض الزملاء من المندوبين العرب بوضع مسودة قرار يدعو إلى الاحتفال في 18 ديسمبر من كل عام بـ(اليوم العالمي للغة العربية). ثم قُدم مشروع القرار إلى المجلس التنفيذي باسم المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية (رئيس المجموعة العربية حينذاك)، وقد تم اعتماد القرار المقدم بالإجماع».
هذا الإنجاز الذي خصص له الدكتور زياد الدريس كتاباً تحت عنوان «حكاية اليوم العالمي للغة العربية» والذي اقتبسنا منه ما جاء بالأعلى؛ يعطينا صورة كاملة عن الحكاية، والدور الذي تبنته وشكلته وقدمت فكرته مكتملة المملكة العربية السعودية على يد أحد أبنائها الذي فكر، وأقترح من خلال انتمائه الوطني، وهوياته المتعددة المتكاملة السعودية؛ العربية؛ الإسلامية أن يكون للغة العربية يومها الذي يحتفي العالم بها فيه، وهو ليس كل الاحتفاء وغاية المؤمل، ولكنه كما أشار الدريس يمثل رافعة للغة نحو مجد مستهدف.
ما قامت به المملكة رصيد يضاف إلى أرصدتها الوفيرة في بنك القوة الناعمة الذي لا يقل أهمية عن بنك القوة الصلبة، وليس هناك قوة توازي قوة اللغة، ولا ثقل يتفوق على وزن اللغة في ميزان القوة الناعمة، وأي مكسب أو مكتسب ثقافي يمكن أن يدخل ضمن الرصيد البنكي الثقافي لا ينبغي لنا أن نتنازل عنه أو أن نتهاون في الإشارة إليه.
اليوم العالمي للغة العربية منتج سعودي، وقفت المملكة المغربية مؤازرة لإقراره بالإضافة إلى الدول الأخرى، ونجح القرار الذي نحتفي به ونحتفل من خلاله بلغتنا في يوم محدد لا يشكل كل المناسبات، ولكنه يحمل مفهوم العالمية التي تجعل منه يوماً يمتاز عن غيره، وينفرد بطبيعته التي أقرتها المنظمة.
حكاية نجاح سعودية لم أعلم بها إلا من خلال نقاش كان الدكتور زياد طرفاً فيه، وما كان ينبغي لي أن أكون على غير علم بهذا المنتج والمنجز السعودي، ومن أجل ألا يقع غيري كما وقعت في هذا التقصير فإن الأمر قد يستوجب وضع منصة لمثل هذه المنجزات الثقافية؛ منجزات قوتنا الناعمة التي تتوالى وتتوالى وتتوالى.
التعليقات