عبد الله سليمان الطليان

الحصول على القوة والتفوق العسكري على مستوى البلدان يعني الردع وزرع الرهبة والهيبة وتوفير الأمن في المقام الأول، وهذا ما تحقق لكثير من الدول الغربية، ولكن هل اكتفت بذلك؟ لقد وظفت تلك القوة نحو الحروب والاستعمار في أنحاء العالم، بداية من الحرب العالمية الأولى إلى الحرب العالمية الثانية، خلفت المآسي والأحزان والفواجع والكوارث البشرية مازالت راسخة في الذاكرة، يعتبر سجلا مخزيا وبغيضا يعكس حقيقة هذه الدول الغربية المستعمرة.

في عصرنا الحاضر، قد نقول إن الدول في أنحاء العالم قد تخلصت من الاستعمار الغربي العسكري، ولكن في بعض منها مازالت تحت وطأة الاستعمار الاقتصادي من قبل الشركات الغربية الكبرى، ولعل امريكا المثال الأبرز في القوى الغربية التي تفردت بالقوة العسكرية والاقتصادية، والتي تحاول الآن بشتى الطرق احتواء الصين، روسيا، من أجل عدم فقدان الهيمنة والسيطرة.

البداية كانت في (ذرف دموع التماسيح) على (احتجاجات ميدان تيانانمن) وضياع حقوق الانسان وفقدان الديمقراطية في الصين، ولكن هذا لم يأت بثماره، وبعد تعاظم قوة الصين الاقتصادية، راحت تدعم تايوان عسكريا في حالة من استفزاز الصين وإشغالها من أجل تعطيل النمو الاقتصادي العظيم للصين الذي أخذ يهدد الشركات الأمريكية الكبرى ومصالحها، هذا فيما يتعلق بالصين، اما روسيا فنحن نشهد الازمة الاوكرانية التي تولدت بعد ضم روسيا منطقة القرم، حيث وقفت الدول الغربية في صف اوكرانيا وقالت إن الضم يتعارض مع القانون الدولي ولكن الحقيقة تبقى في أن الشركات الغربية لها حصة كبيرة في حقول النفط والغاز في منطقة القرم.

إذا كان سجل الدول الغربية واضحا في (الديمقراطية) التي أرادت أن تطبقها في الدول التي استعمرتها فكيف الآن ونحن نشهد التحسر والتعاطف مع الشعوب التي تفتقر اليها. حقاً، كم هو مصدر العجب الذي يثير السخرية، سوف نأخذ مثالاً من عدة أمثلة تدل على مدى الاستغلال الاقتصادي الجشع باسم (الديمقراطية). كان هناك خمس اتفاقيات للتعدين أبرمت في الفترة بين العامين 2010 و 2012 بين حكومة جمهورية الكونغو الديموقراطية وعدد من شركات الاستخراج الغربية وفقا لتقرير أصدرته في العام 2013 لجنة تقدم أفريقيا برئاسة كوفي عنان في المجموع، بيعت هذه الأصول مقابل 275 مليون دولار، وذلك على الرغم من أن قيمتها التجارية السوقية كانت تقدر بـ 1,63 مليار دولار. وبعبارة أخرى مقابل سدس القيمة الحقيقية التي كانت تستحقها هذه الأصول، كان الفرق البالغ 1,36 مليار دولار ضعف ميزانية الصحة والتعليم في جمهورية الكونغو، حيث نجد أن سبعة عشر طفلا من بين كل مائة طفل لا يصلون إلى اليوم الخامس بعد ولادتهم، وحيث نجد أن نسبة تبلغ 43 في المائة من جميع الأطفال دون الخامسة يعانون تقزما يتراوح من الحالة المعتدلة إلى الحادة، وما يربو على سبعة ملايين طفل ما بين السادسة والحادية عشرة لا يذهبون إلى المدرسة.

ومثال آخر على التشدق (بالديمقراطية) من الداخل في كتاب (رأسمالية الكوارث )لمؤلفه الاسترالي انتوني لونيشتاين يعطينا الواقع الحقيقي عن (الديمقراطية الامريكية ) حيث يقول: تحبس أمريكا نسبة من سكانها في سجن كبير، تعد الأعلى بالمقارنة مع أي دولة أخرى في العالم، فهي تعكف على تشغيل نظام يتسم بشيطنة ووصم الأمريكيين الأفارقة والمهاجرين على نطاق غير مسبوق، أشبه ما يكون بتجربة اجتماعية في مجال السيطرة على السكان.

تقول الكاتبة الأمريكية ميشيل الكساندر «ما من دولة أخرى في العالم تسجن هذا العدد الكبير من أقلياتها العرقية أو الإثنية. فالولايات المتحدة تسجن نسبة مئوية أكبر من سكانها السود تفوق هؤلاء الذين حبستهم جنوب أفريقيا في ذروة الفصل العنصري. وفي واشنطن دي سي، العاصمة حيث يوجد مقر الكونغرس الأمريكي، تشير التقديرات إلى أن ثلاثة من بين كل أربعة من الشبان السود (وتقريبا كل هؤلاء الذين يعيشون في الأحياء الأشد فقرا) يمكنهم توقع قضاء عقوبة في السجن.