ما زالت السلطة الفلسطينية، ومن خلفها منظمة التحرير الفلسطينية، تعالج بقوة تشوهات سياسية أوجدها الاحتلال الإسرائيلي أولاً، وقوى إقليمية ثانياً؛ كلٌّ حسب مصالحه. فإسرائيل تريد الهروب من استحقاقات اتفاق أوسلو عبر إثبات فرضية واحدة فقط، هي عدم قدرة الفلسطينيين على حكم أنفسهم بأنفسهم. من ناحية أخرى، تتقاطع مع هذه المقاربة الإسرائيلية المقيتة ما سعت وتسعى إليه قوى إقليمية بالاستحواذ والسيطرة على القرار الفلسطيني فيما يتعلق بالحرب والسلم، وتوظيفه في خدمة أجنداتها التوسعية في المنطقة.

المشهد البانورامي للشرق الأوسط، بعناوينه العريضة: اندثار تحالفات ومحاور، وفرض تحالفات ومحاور جديدة أكثر تماسكاً، أمام إعادة تشكيل ورسم المنطقة المحكومة اليوم بعدة عوامل سياسية؛ بدأت يوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 بحرب إبادة بحق الشعب الفلسطيني، واستمرت تلقي بظلال تداعياتها يوماً بعد يوم، وصولاً إلى عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب إلى حكم البيت الأبيض؛ الفيصل الأهم في مسار الصراع الدائر، ووصولاً إلى حقائق ما زالت قيد التطور بأبعاد جيوسياسية جديدة.

مجدداً، تفكك أنظمة سياسية وانهزام ميليشيات داخل دول كانت تقع ضمن اصطفاف إقليمي ترعاه إيران، لم يمنع هذا الراعي من محاولات الدفع ببعض أوراق أخيرة ما زال يمتلكها بيديه، لخلق ضغط يتيح له الخروج من مولد صراع الشرق الأوسط بالقليل من المكتسبات التي تحسّن موقعه التفاوضي مع إدارة ترامب القادمة إلى البيت الأبيض خلال الشهر القادم. وهذا ما شاهدناه مؤخراً في بعض مدن الضفة الغربية ومخيماتها؛ إذ تحركت خلايا نائمة تتبع فلك هذا الراعي، وهو ما قرأته السلطة الفلسطينية سريعاً، وتعاملت معه بحزم وقوة حتى لا تتكرر سيناريوهات عاثت بمصير الشعب الفلسطيني ونالت من مؤسساته الوطنية.

إقرأ أيضاً: سقوط أحجار الدومينو الإيرانية في الشرق الأوسط

العبث الإيراني عبر عناصر فصيل الجهاد الإسلامي في مناطق الضفة الغربية، لن يحقق مصلحة فلسطينية، بل على النقيض تماماً؛ ستكون فرصة تنتظرها منظومة اليمين المتطرف الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو، تسمح لها بتنفيذ مخططات إسرائيلية تدفع بقوة لتنفيذ سيناريو تهجير الفلسطينيين من أرضهم، من خلال تكرار جريمة حرب الإبادة التي جرت في قطاع غزة، وخلقت بيئة طاردة لشعب بداخله.

الشعب الفلسطيني، الذي بدأ يرفع صوته رفضاً وإدانة لظاهرة عبث المسلحين الذين يدينون بولائهم لأجندات دول إقليمية لا تعير أهمية لقدسية حياة الفلسطينيين أو مصائرهم، بات يدرك أن توقيت تحركات خلايا إيرانية سيجلب كوارث جديدة ستقع على رأس الشعب، الذي دفع الثمن الباهظ بكل ما جرى وسيجري في المنطقة.

إقرأ أيضاً: كُمُون الإخوان أمام عودة ضجيج سياسات ترامب

السلطة الفلسطينية تدرك أنها أمام وضع دولي سيمنحها هامش تحرك دبلوماسي ضيق. لذلك، ستسعى جاهدة لاستثمار الجهود السعودية بقيادة تحالف دولي لإقامة الدولة الفلسطينية، لتثبيت كياناتها السياسية ومقارباتها الأمنية على الأراضي الفلسطينية، تحت عنوان رئيسي واحد: سلطة بنظام سياسي واحد وقانون واحد وسلاح واحد. وهو ما يحتاجه الفلسطينيون لتعزيز صمودهم على أرضهم، بعيداً عن التغني بأفراد متوهمين بأن بنادقهم الفارغة ستحرر فلسطين.