مرّ 11 شهرًا على حرب غزة ولم تهدأ نيران المعركة بعد. وأكثر ما يُدمي القلوب بعد استشهاد آلاف الأطفال والنساء والشيوخ، هو استمرار آلة الحرب التي تقتل بدم بارد كل من أمامها دون تمييز بين صغير أو كبير، ضعيف أو قوي.

في ظل اشتعال أحداث الحرب، تمر مفاوضات وقف إطلاق النار بأصعب وأخطر مراحلها، وأصبحت فرص التوصل إلى اتفاق "الفرصة الأخيرة" بين الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس ضعيفة جدًا، رغم جهود الوساطة المصرية والقطرية والأميركية. لكن تعنت كل من زعيم حركة حماس يحيى السنوار وكذلك رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو يزيد من اشتعال الحرب، وقد يؤدي ذلك إلى تغيير شروط الهدنة في حالة التوافق أصلاً على إبرامها.

شهدنا خلال الأيام الأخيرة تصاعد حدة الاحتجاجات في إسرائيل ضد حكومة نتنياهو التي تصر على إفشال أي مفاوضات للهدنة، مما أصاب أهالي المحتجزين بإحباط وخيبة أمل. لكن في المقابل، وعلى صعيد غزة، يُصر السنوار على خسارة الأصول في السعي لتحقيق المصالح الفلسطينية، وهو ما يؤدي إلى خسارة أصول حيوية كل أسبوع، وذلك لتأمين اتفاق سلام يعكس بشكل حقيقي مصالح الشعب الفلسطيني، ويؤكد على الحاجة الملحة إلى حل يحترم العدالة والكرامة للجميع.

إذا بحثنا في أسباب تعنت زعيم حركة حماس، فقد نرى أن الضغوط الإيرانية قد تكون سببًا وراء ذلك، فضلاً عن أن مصالح حركة حماس تسبق المصلحة العامة. الرهان الأكبر هو البقاء على رأس السلطة في قطاع غزة، ولطالما كان هذا الشرط هو الشرط الأساسي الذي يتصدر قائمة الشروط على طاولة مفاوضات الهدنة، دون الاكتراث بالنتائج العكسية التي تتابعت على الغزيين جراء الحروب المتكررة، والتي راح ضحيتها عشرات الآلاف منذ استيلائهم على السلطة.

إقرأ أيضاً: هل يعي حزب الله خطورة الانزلاق إلى حرب إقليمية؟

الآمال في التوصل إلى اتفاق أو وجود فرصة أخيرة للجلوس على مائدة مفاوضات أصبحت ضعيفة جدًا بسبب التزام الطرفين بشروط "متعنتة" ومصالح خاصة لا تتعلق بمصالح المدنيين الفلسطينيين أو حتى الأسرى الإسرائيليين لدى حماس. ومع تطور أحداث الحرب، قد تُجر المنطقة إلى حرب إقليمية تأكل كل من حولها.

أحد الأسباب الأخرى هو الانقسام داخل حركة حماس نفسها. بينما يسعى السنوار إلى هدنة مؤقتة لمدة ستة أسابيع لإعادة تجميع صفوف الحركة وإدخال المساعدات إلى غزة، يطالب قادة حماس خارج القطاع بمزيد من التنازلات من إسرائيل وضمانات دولية لوقف دائم لإطلاق النار وإعادة إعمار القطاع. بالإضافة إلى ذلك، هناك تقارير تشير إلى أن السنوار قد يشعر بالأمان في الأنفاق التي تستخدمها حماس، مما يجعله أقل ميلاً لقبول هدنة إذا لم تكن في مصلحته.

إقرأ أيضاً: هل ينجح الغرب في إسكات الأصوات المتضامنة مع فلسطين؟

ويبدو أن زعيم حركة حماس يرى نفسه القائد الأوحد ومحدد مصير حرب غزة، ويعتقد بشروطه هذه أنه انتصر بالفعل على إسرائيل، بل يؤجج الوضع بأفكار تثير الرأي العام العالمي، كما يلاعب الاحتلال بورقة الأسرى التي لا يملك غيرها، وكأنه يخرج لسانه للعالم أجمع ويقول إنه القائد الأوحد الذي لا مثيل له، وأنه ما زال في يده أوراق الصفقة، وهو المهندس والمنفذ غير مكترث بأوجاع الشعب الفلسطيني وأبناء غزة في مراكز الإيواء الذين يموتون مرضًا وجوعًا وعطشًا كل يوم.

ولم يكتفِ زعيم حماس بذلك، بل يتعمد إفشال أي جهود أو وساطات من أجل إحداث هدنة في غزة، لأنه ببساطة تتعارض مع مصالحه وجنون العظمة الذي يعاني منه، مما يدفعه إلى تعقيد كل الأمور من أجل العودة إلى رأس السلطة في غزة من جديد. فمتى يتذكر أوجاع الشعب؟