إنه النهج القديم الجديد المتواصل، وقد تغاضى عنه الغرب طويلاً. وعندما تحدثوا عنه، كان كلامهم لذر الرماد في العيون ولم يتجاوز كونه هواءً في شبك. وبالرغم من النهج الثابت لانتهاكات حقوق الإنسان والقمع وحملات الإعدام في إيران، سواء كان المنفذ الرئيس الأسبق محمد خاتمي أو الرئيس السابق إبراهيم رئيسي أو الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، ومع ما يجري في الشرق الأوسط من كوارث على يد نظام الملالي، إلا أنَّ الإدارة الأميركية والغرب يكتفون ببعض الاستعراضات الإعلامية إذا اضطروا إلى ذلك.

تصنيع وترويج المخدرات وتزوير العملات والسلاح والمتفجرات والاختطاف والتهريب هي آليات هامة اعتمدها نظام الملالي منذ عقود في إدارة صراعاته وسياسته الخارجية وللالتفاف على العقوبات المفروضة شكليًا في بعض الأحيان. وقد اعترف قادة النظام حرفيًا وبوضوح حول بعض هذه القضايا، في حين أقرتها دوائر غربية وأميركية لكنها لم تتخذ قرارات حيالها. والأغرب من ذلك، رفض الأوروبيون وضع حرس الملالي على قائمة الإرهاب.

في مقالين هامين موثوقين، نُشرا في شهر آب (أغسطس) 2024، كتب حسين داعي الإسلام، الكاتب والقيادي في المقاومة الإيرانية، تحت عنوان "حقائق عن فيلق القدس: شبكة مخدرات دولية تحت سيطرة فيلق القدس" و"فيلق القدس يطبع دولارات مزورة"، يتناول العديد من الحقائق بهذا الشأن. كما استعرض موقفًا دوليًا يبين اطلاع السلطات الأميركية والأوروبية على هذه الأنشطة المرعبة التي فضحها المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية في مؤتمرات صحفية، ليضع العالم أمام مسؤولياته ويلقي الحجة عليه. وهذا ما استدعى كتابة هذا المقال، خاصةً أنَّ العراق وشعبه كانا من ضحايا هذه الأنشطة.

تزوير العملة النقدية
يمتلك نظام الملالي تاريخًا طويلاً في تزوير ونشر العملات المزورة، وقد بدأ ذلك في مطلع عقد التسعينيات من القرن الماضي، حيث أغرق العراق بالعملة العراقية المزورة، خاصة فئة 25 ديناراً، مما اضطر العراق إلى تغيير العملة النقدية المتداولة وقبول تكبد خسائر اقتصادية فادحة لمواجهة مؤامرة نظام ولاية الفقيه لضرب الاقتصاد العراقي.

امتلك نظام الملالي التقنيات الطباعية المتطورة والمواد الخام اللازمة في صناعة وتزوير العملات النقدية. في مطلع تسعينيات القرن الماضي، طبع عشرات المليارات من العملة العراقية فئة 25 دينار وأغرقوا بها السوق العراقية، مستبدلاً إياها بالدينار العراقي فئة 5 و10 دنانير المعروفة بالطبعة السويسرية. وامتلأت مستودعات الملالي وعملائهم بهذه العملة، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل اشتروا الدولار والذهب والسجاد والمواد الغذائية والمواد الخام وسائر البضائع بتلك العملة المزورة.

لم يقتصر الأمر على تزوير العملة العراقية في تسعينيات القرن الماضي، بل وصل إلى تزوير الدولار في إيران وبيعه في الأسواق العراقية، خاصة في الأوساط التجارية التي تتعامل تجاريًا مع السوق الإيراني. تم كشف ذلك في بغداد والسليمانية بعد فترة قصيرة من ضخه في السوق وبعد تضرر الكثيرين منه.

لم يتوقف نظام الملالي عن مهنة التزوير. فبالإضافة إلى تزوير الدولار وضخه داخل المصارف العراقية من خلال عملائهم، قاموا بتزوير العملة العراقية الجديدة فئة 25 ألف دينار التي صدرت بعد احتلال العراق عام 2003 وضخها داخل المصارف أيضًا ليتم استبدالها بعملات صحيحة بالدولار وبالدينار. ثم تفاجأ العالم بخبر تسرب مياه الصرف الصحي أو حدوث حرائق في مستودعات البنك المركزي العراقي وتلف كميات كبيرة من العملة، وبذلك يخفون أثر جرائمهم.

الكارثة الكبرى هي أنَّ نظام الملالي قام بطبع تريليونات من فئة 25 ألف دينار عراقي الجديدة بتقنية عالية، وتمت الطباعة في إيران والصين. دخلت هذه العملات المزورة إلى العراق عبر الحدود مع إيران وسوريا وعبر ميناء البصرة، ويتم تداولها في سوريا والعراق. أدخلت تلك الفئة المزورة إلى المصارف بنفس الطريقة عبر قنوات الفساد، واحتفظ ملالي إيران بالعملة العراقية الصحيحة لديهم، مُصرّحين بأن لديهم تريليونات من الدنانير العراقية من خلال السياحة والتبادل التجاري الرسمي مع العراق. بالطبع، من بين هذه التريليونات ما تم استبداله بعملات مزورة في العراق عبر أنشطة تُدار من إيران وسوريا ولبنان.

تجارة وصناعة وترويج المخدرات
في مقاله، سرد حسين داعي الإسلام ما يكفي من الأدلة والتواريخ حول تاريخ وشبكات تجارة الملالي للمخدرات، مستندًا في توثيقه أيضًا إلى بيانات صادرة عن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية لدى وزارة الخزانة الأميركية. وحسب ما أورد أنَّه في عام 2008، أطلقت إدارة مكافحة المخدرات الأميركية حملة تسمى "مشروع كاساندرا"، وقد وجدت الوكالة أدلة وافرة على أنَّ حزب الله لم يعد جماعة مركزية في الشرق الأوسط، بل أصبح منظمة إجرامية دولية. في أيار (مايو) 2018، تم وضع عبد الله صفي الدين على قائمة الإرهاب الأميركية.

يصرخ المجتمع العراقي الذي لم يكن يعرف المخدرات من تفشيها حتى في المدارس الابتدائية للبنات. ويصرخ الأردن من نشاطات عصابات تصنيع وتهريب المخدرات من مناطق نفوذ الميليشيات الموالية للنظام الإيراني، التي جعلت من الأردن سوقًا وممرًا للمخدرات إلى شعوب الجوار العربية، تمامًا كما فعلت في العراق. بالرغم من علم الإدارة الأميركية بكل ذلك وغيره، إلا أنها بدلاً من اتخاذ إجراء حازم ومنطقي، قامت بإمداد نظام الملالي بعشرات المليارات من الدولارات. هذا في حد ذاته يعتبر مباركة لما يقوم به الملالي وجنودهم داخل إيران وفي العراق وسوريا والأردن وفلسطين ولبنان واليمن وعموم المنطقة.

لا يقتصر نشاط صناعة وترويج وتجارة المخدرات على الشبكات التي يشرف عليها حرس الملالي، بل يمتد إلى كبار تجار المخدرات الذين يدينون بالولاء للحرس ويعملون تحت مظلة نفوذه في دول المنطقة. بالطبع، هناك خدمات منسقة بين هذه الأطراف يتعاظم من خلالها النشاط الاستخباري والاقتصادي والمالي. ومن ينقل المخدرات ينقل السلاح والمتفجرات.

لم تعد الميليشيات بحاجة إلى تمويل اليوم بعد العوائد الطائلة لصناعة وتجارة وتهريب المخدرات. باتت ميزانيات بعض هذه الميليشيات تعادل ميزانيات بعض الدول، وأصبح تسليحها يوازي تسليحات الجيوش النظامية في بعض الجوانب ويفوقها في جوانب أخرى. بات من المستحيل ردعها أو تحجيمها في ظل الفوضى الخلاقة التي بثها الغرب في المنطقة، ونمت وترعرعت عليها عصابات النظام وميليشياته والسلطات الموالية له.

إقرأ أيضاً: تلك هي الحقيقة: يتوارون خلف الإسلام لإحياء أمجاد قديمة

ما يقوم به نظام الملالي في المنطقة اليوم أمرٌ لا يختلف عليه، ويختلف عليه فقط أولئك الذين يهادنون نظام الملالي ويغضون الطرف عن جرائمه طالما أنه يروض الدول العربية ويستنزفها لصالحهم. الموقف المطلوب اليوم ليس فقط بشأن ما يقوم به الملالي، بل أيضًا بحق أولئك الذين يتغاضون عن جرائمه.

بعد احتلال عدة بلدان عربية وتحولها إلى مجرد مسميات، ونشر المخدرات والسلاح والأموال المزورة فيها، وتعاظم شأن النظام الإيراني في المنطقة؛ سيبقى صنم الملالي جاثماً مثل كابوس على الصدور ما لم يتم دعم كفاح الشعب الإيراني والمقاومة الإيرانية وبرنامجها المكون من عشر مواد، الذي طرحته مريم رجوي بشأن إقامة إيران الغد غير النووية التي تحترم مبادئ حسن الجوار قبل كل شيء، وتلتزم بالمواثيق والأعراف الدولية.

وأفضل حلول الأزمات يبدأ بمواجهتها.