من حافة التصعيد إلى الحسابات الاستراتيجية:
تحليل التوترات التركية الإسرائيلية بعد سقوط الأسد
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك
تتصاعد التوترات بين تركيا وإسرائيل بشكل ملحوظ، خاصة بعد الأحداث الدرامية التي شهدتها المنطقة خلال عملية طوفان الأقصى التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية، وما أطلقت عليه إسرائيل عملية السيوف الحديدية في تشرين الأول (أكتوبر) 2023. وشهدت تلك الفترة تصريحات مثيرة للجدل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي هدد بإجراءات تشمل "التدخل في إسرائيل كما فعلت تركيا في ناغورنو كاراباخ وليبيا"، إضافة إلى التلويح بقطع العلاقات التجارية مع إسرائيل.
صعود النفوذ التركي في سوريا بعد سقوط الأسد
مع سقوط نظام بشار الأسد في 8 كانون الأول (ديسمبر) 2023 واستلام المعارضة السورية المدعومة من تركيا زمام الحكم، اكتسبت أنقرة نفوذاً غير مسبوق في سوريا. هذا التحول أتاح فرصة لاستغلال المشاعر المعادية لإسرائيل بين بعض الشباب السوريين، حيث بدأ بعضهم يصرح علناً بنيته "محاربة إسرائيل".
هذا الوضع يعزز موقع تركيا الجيوسياسي، بما في ذلك احتمال نشر قوات وأسلحة على الحدود مع إسرائيل. ورغم أن مثل هذه الخطوة قد تُعتبر تصعيدًا خطيرًا، إلا أنها تتماشى مع رؤية أردوغان للـ"عثمانية الجديدة"، التي تهدف إلى استعادة دور تركيا كقوة إقليمية مهيمنة.
في هذا السياق، قد تتحول سوريا تحت السيطرة التركية إلى منصة استراتيجية لتحقيق أجندات أنقرة السياسية والعسكرية. كما قد يستغل أردوغان هذا الوضع لتعزيز علاقاته مع الجماعات المسلحة الناشطة في المنطقة، بما في ذلك تقديم دعم مباشر أو غير مباشر لبعض الجماعات على الحدود الإسرائيلية. وقد يشمل هذا الدعم إمدادات بالأسلحة، معلومات استخباراتية، أو حتى شن هجمات بالوكالة.
حسابات المخاطر والتوازنات الدولية
ورغم هذه التحركات، على تركيا أن تزن عواقب أي تصعيد مع إسرائيل. فتح جبهة جديدة ضد تل أبيب قد يضع أنقرة في مواجهة مباشرة مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وهو أمر محفوف بالمخاطر، خاصة مع إدارة أميركية تتبنى موقفًا صارمًا تجاه أي تصعيد يستهدف إسرائيل، الحليف الاستراتيجي للغرب.
علاوة على ذلك، تعتمد تركيا بشكل كبير على دعم الغرب في قضايا الاقتصاد والأمن. وبالتالي، فإن أي تصعيد قد يُعرض أنقرة لخسائر دبلوماسية واقتصادية فادحة، بما في ذلك احتمال فرض عقوبات أو تقليص التعاون العسكري مع الولايات المتحدة.
الموقف الإسرائيلي والاستراتيجية المستقبلية
على الجانب الآخر، تسعى إسرائيل لضمان أمنها القومي من خلال تحركات عسكرية ودبلوماسية. بدأت تل أبيب بإنشاء منطقة عازلة إضافية على الجانب السوري من مرتفعات جبل الشيخ، حيث ترى هذه المنطقة ذات أهمية استراتيجية كبيرة.
وأشار الخبير الإسرائيلي في العلاقات الدولية والأمن القومي، سيمون تسيبيس، إلى أن هذه المنطقة العازلة ستكون خالية من المدنيين وستتواجد فيها قوات الجيش الإسرائيلي فقط، وذلك لمنع أي وجود "للإرهابيين".
وقد قامت إسرائيل بحشد قوات عسكرية على الحدود لأول مرة منذ عقود، مقتربة من القنيطرة على مسافة 22 كيلومتراً من دمشق. هذه التحركات تشير إلى استعداد تل أبيب لمواجهة أي تهديد محتمل من سوريا الجديدة، إضافة إلى خططها لتقليص نفوذ هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا، واستكمال مشروعها القومي المعروف بـ"طريق داود".
السيناريوهات المستقبلية
قد يسعى أردوغان إلى تعزيز موقفه الإقليمي، لكنه سيظل حذرًا لتجنب مواجهة شاملة مع القوى الكبرى وإسرائيل. في المقابل، إذا رأت إسرائيل أن مسرح اللعب في الشرق الأوسط قد أصبح مهيئًا، فقد تبدأ في استغلال الخطاب الديني والتوراتي لتحقيق مزاعم "الدولة اليهودية الكبرى". من خلال هذا الخطاب، تسعى إسرائيل لإرضاء طموحاتها التوسعية، وتعمل على إضفاء الشرعية على حروبها وعملياتها العسكرية.
يصاحب هذا الترويج تصريحات من قِبَل قيادات عسكرية إسرائيلية، تربط بين النصوص الدينية وسياساتها العسكرية، وهو ما يتماشى مع رؤية رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، التوسعية. تشمل هذه الرؤية مشروع "ممر داوود" وحلم "أرض الميعاد"، مما يعكس تحولًا خطيرًا نحو استخدام الدين كأداة لتبرير السياسات العسكرية في المنطقة.
خاتمة
يواجه أردوغان خيارات معقدة بين تحقيق طموحاته الإقليمية والحفاظ على علاقاته مع الغرب. وبينما قد يبدو التصعيد مع إسرائيل مغريًا لتحقيق مكاسب سياسية على المدى القصير، إلا أن التحديات الاستراتيجية والدبلوماسية تجعل من الضروري لأنقرة إعادة تقييم حساباتها.
على الجانب الآخر، يجب على إسرائيل الاستمرار في تعزيز مكانتها العسكرية والدبلوماسية لضمان ردع التهديدات المستقبلية وتحقيق استقرار دائم في المنطقة.