فضاء الرأي

كوردستان في كاتدرائية نوتردام

إضاءة واجهة كاتدرائية "نوتردام" في باريس بعد إعادة ترميمها
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

نوتردام ليست مجرد كاتدرائية، بل هي إرث تاريخي وحضاري وثقافي للإنسانية بأسرها. تم بناؤها قبل 861 عامًا، وكانت مكانًا لتتويج نابليون بونابرت وحفل زفاف الجنرال شارل ديغول. وقد كتب بوحي منها الروائي الفرنسي الكبير فيكتور هوغو رواية بعنوان "أحدب نوتردام".

في الرواية، يتحدث هوغو عن حريق. اعتبر البعض هذا الحريق الذي وقع قبل خمس سنوات في الكاتدرائية نبوءة للكاتب. نُشرت الرواية عام 1831، لذا فإنَّ نوتردام لها أهمية أدبية كبيرة، بالإضافة إلى كونها وجهة سياحية يزورها 11 مليون شخص سنويًا.

حضور كوردستان في افتتاح هذا المعلم التاريخي والحضاري، من خلال نيجيرفان بارزاني رئيس إقليم كوردستان، يعد إنجازًا مهمًا للشعب الكوردستاني بأكمله. دعوة رئيس إقليم كوردستان ضمن خمسين رئيس دولة مهمة في العالم تدل على قوة وأهمية ومكانة الإقليم وقيادته، خاصة في وقت يواجه فيه الشرق الأوسط حربًا واسعة ويشهد تغيرات في موازين القوى بين المجموعات والدول الإقليمية. ومن غير المستبعد أن يؤدي ذلك إلى إعادة بنائه بطريقة مختلفة.

حضور ولقاءات نيجيرفان بارزاني مع كبار رؤساء الدول وتواجده في قصر الإليزيه خلال هذه المناسبة يحمل دلالات سياسية أعمق. فلا يمكن حدوث أي تغيير سياسي وأمني في العالم دون دور واستشارة قصر الإليزيه. كما أن زيارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ولقاءه مع الرئيس نيجيرفان بارزاني في هذه المناسبة ليست صدفة، بل هي تنظيم وقصد من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والإليزيه لاستمرار العلاقات والتعاون بين إدارة ترامب وإقليم كوردستان.

لقاء رئيس الولايات المتحدة، وخاصة ترامب، ليس سهلًا ولا يستطيع رؤساء دول عديدة مقابلته. المشاركة الفعالة لإقليم كوردستان في استقرار العراق والمنطقة مهمة جدًا. كما أن إدارة العلاقات بين دول متجاورة متعادية في شرق ملتهب ليست بالأمر السهل.

إقرأ أيضاً: القضية الفلسطينية والجماعات المسلحة

لعب إقليم كوردستان هذا الدور منذ سنوات، خاصة في بلد مثل العراق فقد معظم أعمدته الرئيسية للدولة، والسلطة الرئيسية في يد الميليشيات المسلحة، ويتبع سياسة تجويع شعب كوردستان ويمنع توسع دور وموقع الإقليم.

لذلك تدرك الدول الغربية أن العراق بدون إقليم كوردستان سيكون مجرد كتلتين شيعية وسنية، وسيظل عاملًا لزعزعة السلام الدولي ومنصة للإرهاب والمخدرات والجريمة المنظمة. علاوة على ذلك، سيصبح جحيمًا للمكونات الدينية والعرقية، وستفقد قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان أي قيمة أو وزن لها. من هذا المنظور، يمنح إقليم كوردستان العراق بصيص أمل كدولة، لذلك هم مصرون على الحفاظ على مكانتها بقوة.

إقرأ أيضاً: انتخاب القضاة مباشرة من الشعب

من الناحية التاريخية، سيكون هذا الحدث للشعب الكوردستاني في المستقبل حجة سياسية وتاريخية وثقافية عظيمة، لأنهم سيجدون في سجلات نوتردام أن رئيس إقليم كوردستان وباسم شعب كوردستان شارك في الافتتاح جنبًا إلى جنب مع كبار رؤساء العالم. تظهر هذه الأهمية بشكل أكبر للمراكز الأكاديمية، كما يفعل الباحثون اليوم الذين يبحثون عن توثيق تاريخ الكرد عندما يجدون أن الأمير حسنوي أو دوستكي أرسل رسالة بختمه وتوقيعه إلى أحد الملوك، أو رسالة الأمير بدرخان والأمير محمد الرواندوزي إلى محمد علي باشا الكبير في مصر، وما لها من أهمية عظيمة.

وبنفس الطريقة وأكثر، ستفتخر الأجيال القادمة بآبائها المؤسسين، لأن تأسيس الدولة يقوم على ثلاث ركائز رئيسية: التاريخ، والجغرافيا، والوعي. فبدون هذه الركائز الثلاث، لا يمكن بناء دولة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف