حركة التحرر الفلسطينية تناضل منذ أكثر من سبعين عامًا من أجل قضية عادلة، وهي حقوق الشعب الفلسطيني. في تلك المسيرة النضالية، ارتكبت العديد من الأخطاء، كما هو حال العديد من الحركات التحررية في العالم. أول الأخطاء تحويل القضية من وطنية إلى قضية لكل العرب، حيث اعتمدوا بشكل كبير على العروبة في الفترات السابقة، وبالتحديد على الدول التي رفعت شعارات القومية، مثل جمال عبد الناصر، عبد السلام عارف، معمر القذافي، حافظ الأسد، وفي النهاية صدام حسين. رؤساء هذه الدول فشلوا فشلًا ذريعًا، ليس فقط في حل القضية أو تحرير الشعب الفلسطيني، بل أيضًا في حل مشاكل بلدانهم. بعد كل هذه الويلات التي حلت بالفلسطينيين، انهزم هؤلاء الرؤساء القوميون العرب الذين لم يقبلوا بالحل السلمي للقضية من أجل مصالحهم السلطوية الاستبدادية. في النهاية، خسروا القضية وخسروا أنفسهم وبلدانهم، ولم تُحل القضية الفلسطينية العادلة.

بعد أن يئس الشعب الفلسطيني من العروبة، وقع في خطأ آخر أكبر بكثير من الأول، وهو اعتماده على الجماعات الإسلامية وأحزابها الدينية السياسية، وبعض الدول الإسلامية. تم تحويل القضية من عربية إلى إسلامية، واستغلت تلك الجماعات والدول القضية من أجل مصالحها السياسية، كما فعلت الدول العربية القومية في السابق. حينها كان باسم القومية، أمَّا الآن فباسم الدين. يجب على الفلسطينيين أن يدركوا أن صراعهم مع الكيان الصهيوني ليس صراعًا دينيًا على الاطلاق، وإنما هو صراع من أجل الوطن والأرض بامتياز. لذا، فإن استغلال المشاعر الدينية من قبل الجماعات الإسلامية السياسية وتحويل القضية إلى صراع ديني لن يخدمهم ولن يحل قضيتهم العادلة باستخدام هذه الأدوات والوسائل العقيمة. يجب على الفلسطينيين أن يعتمدوا أولًا على العالم الحر، لأن لا يوجد إنسان ذو ضمير في كل أنحاء العالم لا يتعاطف مع قضيتهم أو يساندهم. كما رأينا في الفترات السابقة، كانت هناك مظاهرات في أميركا وأوروبا لدعم قضيتهم. لكن عندما رفعت بعض الجماعات الإسلامية شعارات وأعلامًا في هذه المظاهرات، في استغلال واضح لها، تراجع الدعم الدولي، لأن تلك الجماعات تُصنّف عالميًا ضمن الجماعات الإرهابية.

أعتقد أنَّ بعد كل هذه الإخفاقات والويلات التي حلت بالفلسطينيين عبر السنين، لن تنتهي القضية بهذه الطريقة، كما لم تُحل بالطريقة السابقة وتجربتهم المريرة مع العروبة. أعتقد أن الوقت قد حان للشعب الفلسطيني ليحاول تحرير قضيته من قبضة الجماعات الإسلامية السياسية ورميها في أحضان العالم الحر. أيها الشعب الفلسطيني، عليك أن تفهم أن صراعك مع إسرائيل ليس صراعًا دينيًا. انظر واقرأ تاريخ نضال الحركة التحررية الكردستانية على مدى قرن من الزمان، حيث كان صراعها مع كل من تركيا، سوريا، العراق، وإيران. تلك الدول كلها إسلامية وشعوبها إسلامية، لكن الويلات والمآسي والأنفال والإبادة الجماعية التي عانى منها الشعب الكردستاني المسلم على أيدي تلك الدول الإسلامية لا مثيل لها في تاريخ الشعوب، ومن ضمنها تاريخ شعبكم.

إقرأ أيضاً: انتخاب القضاة مباشرة من الشعب

ضمان حل قضيتكم العادلة واستعادة حقوقكم المغتصبة مرهون بالعودة إلى الحركة المدنية السلمية الديمقراطية، وأيضًا بالعودة إلى أحضان العالم الحر وإطلاق قضيتكم من قبضة الجماعات الدينية. لقد جربتم كلًا من الأيديولوجيات القومية والدينية، ولم تجدوا فيها الحل أو الخير، بل المآسي والكوارث البشرية. إسرائيل لن تندحر بواسطة هذه الجماعات ولن ترضخ لشروطها. في هذه الحالة، أنتم، الشعب الفلسطيني، تدفعون الثمن غاليًا، كما دفعتم عبر الزمن.