تشهد إيران في الآونة الأخيرة تغيرات وتحولات عميقة تحت قيادة الحكومة الجديدة برئاسة مسعود بزشكيان، مما يعكس مدى تعقيد الأزمة الداخلية التي تواجهها البلاد. يواجه النظام الإيراني، بقيادة المرشد الأعلى علي خامنئي، ضغوطات هائلة على المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ويبدو أن تلك الضغوط بدأت تظهر بشكل أوضح في سياسات الحكومة الإيرانية والخيارات المتاحة أمامها. في هذا السياق، تبرز التظاهرات التي نظمها الإيرانيون في نيويورك كجزء من جهود المعارضة لإسقاط النظام والتأكيد على عدم شرعية الحكومة الحالية.
التناقضات داخل حكومة بزشكيان
منذ تولي بزشكيان رئاسة الحكومة، ظهرت تناقضات عدة في سياساته التي تعكس التوترات الداخلية للنظام. من جهة، بزشكيان يلتزم بتوجيهات خامنئي ويظهر ولاءً تامًا للمرشد الأعلى، حيث تم تشكيل حكومته بناءً على موافقة خامنئي ودعمه. من جهة أخرى، هناك إشارات إلى محاولات بزشكيان للانفتاح على بعض الإصلاحيين، مثل تعاونه مع جواد ظريف، مما يضعه في موضع التناقض. هذه التحركات تشير إلى احتمالية أن خامنئي، على الرغم من سياسته المستمرة لتطهير النظام، قد يكون مضطراً لإبداء بعض المرونة نتيجة الضغوط الداخلية والخارجية المتزايدة.
وفي الوقت نفسه، تصاعدت النزاعات بين الفصائل المختلفة داخل النظام، مما يعكس أزمة أعمق تُعرف بـ"حرب الذئاب"، حيث يكافح النظام للحفاظ على تماسكه في وجه الانقسامات المتزايدة. الانتقادات العلنية من شخصيات سياسية مثل حميد رسائي، بجانب تلميحات ظريف حول دعم خامنئي له، تؤكد ضعف موقف المرشد الأعلى وتدهور قدرته على السيطرة على جميع الأطراف المتنافسة.
عواقب سياسات التدخل الإيراني
على الصعيد الخارجي، تواجه إيران ضغوطًا متزايدة نتيجة تدخلاتها المستمرة في شؤون الدول الإقليمية ودعمها للميليشيات المسلحة، مما يُكلّف النظام أعباءً اقتصادية كبيرة في وقت يعاني فيه الشعب الإيراني من أزمات اقتصادية خانقة. تدخلات إيران في سوريا والعراق ولبنان، إلى جانب دعمها لحماس وحزب الله، أدت إلى تصعيد التوترات الإقليمية وزيادة الضغط الدولي على النظام. الضربات الإسرائيلية المتكررة ضد حزب الله، بالإضافة إلى اغتيال قادة حماس في طهران، تعكس مدى فشل السياسات الخارجية للنظام الإيراني.
هذا الفشل في السياسة الخارجية يقابله فشل مماثل على المستوى الداخلي، حيث تتزايد الانتفاضات الشعبية ضد النظام، كما حدث في المظاهرة الأخيرة التي نظمتها المعارضة الإيرانية في نيويورك.
صوت المعارضة الإيرانية
في 24 أيلول (سبتمبر) 2024، نظم آلاف الإيرانيين المقيمين في الولايات المتحدة تظاهرة حاشدة أمام مقر الأمم المتحدة في نيويورك، تزامنًا مع انعقاد اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة. هذا التجمع الذي قادته منظمة مجاهدي خلق الإيرانية (MEK) جاء للتنديد بحضور الرئيس الإيراني الجديد، المعين من قبل خامنئي، في هذا المحفل الدولي.
رفع المتظاهرون شعارات مناهضة للنظام الإيراني، مثل "الموت لخامنئي" و"نقاتل، نموت، ونستعيد إيران"، معبرين عن رفضهم القاطع لسياسات النظام القمعية، خاصةً مع استمرار عمليات الإعدام والتضييق على الحريات. كما تزينت المظاهرة بصور شهداء الانتفاضة، الذين ضحوا بحياتهم في سبيل الحرية، مما يوضح مدى تصميم وعزم هؤلاء الإيرانيين الأحرار على إسقاط النظام واستبداله بحكومة ديمقراطية.
رسائل إلى العالم
ألقت مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة من قبل المقاومة الإيرانية، كلمة مؤثرة أمام الحشد، مشيرة إلى أن وجود ممثل للنظام الإيراني المعروف بحكومة الإعدام في الأمم المتحدة يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان والكرامة الإنسانية التي تأسست عليها هذه المنظمة الدولية. تساءلت رجوي: "كيف يمكن لنظام ارتكب جرائم ضد الإنسانية أن يكون له مكان في هذا المنبر الدولي؟". كانت رسالتها موجهة إلى المجتمع الدولي، مؤكدةً على ضرورة عزل النظام الإيراني دوليًا ودعم نضال الشعب الإيراني من أجل الحرية.
من جهته، أعرب السيناتور الأميركي تيد كروز، بجانب شخصيات أخرى مشاركة، عن تضامنه مع المتظاهرين في رسالة فيديو، مشيرًا إلى أن وجود الرئيس الإيراني في الأمم المتحدة يشكل انتهاكًا للقيم العالمية مثل السلام وحقوق الإنسان. وطالب المجتمع الدولي بضرورة العمل على إنهاء نظام خامنئي.
الوضع الداخلي في إيران
التظاهرات الكبيرة التي شهدتها نيويورك تعكس مدى الضغط الذي يواجهه النظام الإيراني ليس فقط من الداخل، بل أيضًا من الخارج. الإيرانيون في الشتات يعملون بجد لدعم حركات المعارضة وخاصة وحدات المقاومة داخل البلاد، والتأثير على الرأي العام العالمي لتصعيد الضغط على النظام. في الوقت نفسه، تظل الحكومة الإيرانية عاجزة عن تقديم حلول للأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تواجهها، مما يزيد من احتمالية حدوث مزيد من الانتفاضات الداخلية.
مع تزايد الضغوط من الجانبين، يبدو أن النظام الإيراني يدخل مرحلة من الهشاشة غير المسبوقة، حيث يمكن لأي تغيير داخلي أن يجعله على حافة السقوط. في ظل هذه التطورات، يبقى السؤال المحوري: إلى متى سيتمكن النظام الإيراني من البقاء في ظل هذه الأزمات المتلاحقة؟ يبدو أن التناقضات الداخلية، بالإضافة إلى الضغط المتزايد من قبل المعارضة والمجتمع الدولي، قد تدفع بالنظام إلى نقطة الانهيار.
تظاهرات نيويورك ليست سوى حلقة واحدة في سلسلة طويلة من التحركات التي تسعى إلى إسقاط النظام الإيراني. وبالنظر إلى التحولات الكبيرة التي يمر بها النظام، خاصةً مع تزايد الضغوط من قبل المجتمع الإيراني ووحدات المقاومة في الداخل على خامنئي والحكومة، يمكن القول إن المستقبل قد يحمل تغييرات جوهرية تؤدي في نهاية المطاف إلى تغيير النظام في إيران.
التعليقات