فضاء الرأي

هكذا غيّرت منصة تيك توك من عاداتنا الغذائية

شعار تيك توك وخلفه يظهر علم الصين الى جانب علم الولايات المتحدة الأميركية
قرائنا من مستخدمي تلغرام
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال تطبيق تلغرام
إضغط هنا للإشتراك

تؤدي المنصات الرقمية، بمختلف أنواعها، أدواراً مهمة ومركزية في إعادة تشكيل وخلق وصياغة العديد من سلوكيات الناس، القديمة والحديثة، في مختلف دول العالم التي تشهد استخداماً واسعاً لمواقع التواصل الاجتماعي بين مختلف شرائح مجتمعاتها وطبقاتها.

وفي هذا الإطار، شهدت عادات الأكل والأنماط الاستهلاكية المرتبطة بها، لدى البريطانيين مثلاً، تحولات نوعية واضحة في أسلوبها وطريقتها، وذلك بسبب التأثيرات الجذرية للمنصات الرقمية، وخصوصاً منصة تيك توك، التي أصبحت محركاً سلوكياً فاعلاً لآلاف الناس في هذا البلد فيما يتعلق بالتخطيط لنوعية الوجبات الغذائية، وكيفية تناولها، واختيار الصحي منها، واضعين خلف ظهورهم الطرق التقليدية لاكتشاف الوجبات المتمثلة بالبرامج التلفزيونية وكتب الطبخ.

ووفقاً لدراسة حديثة أجرتها خدمة Just Eat بمشاركة 2000 شخص من المملكة المتحدة، تبيّن أن 49 بالمئة من البريطانيين يعتمدون على وسائل التواصل الاجتماعي لاكتشاف الوصفات الجديدة للطعام. ولا يقتصر هذا التأثير على توصيات الطعام فحسب، بل امتد إلى ارتفاع مبيعات الأطعمة، إذ أدت منصة تيك توك إلى زيادات ملحوظة في مبيعات بعض المنتجات والوصفات الغذائية، حيث تشير الدراسة إلى أن مبيعات الخيار ارتفعت بنسبة 100 بالمئة، والطماطم بنسبة 103 بالمئة بسبب وصفات غذائية مثل "سلطة الخيار" و"خبز الطماطم المجمد" التي انتشرت على تيك توك، وجذبت ملايين المشاهدات، ودَفَعَت المستخدمين إلى تجربتها في مطابخهم.

كما أدى تيك توك إلى خلق اتجاهات جديدة، صحية، في الأكل من خلال مقاطع تسعى لجعل الأكل الصحي أسلوباً ونمط حياة روتينياً للمستخدمين. ووفقاً للدراسة، فقد تأثر 62 بالمئة من البريطانيين بمقاطع فيديو متعلقة بالأكل الصحي، ما أدى إلى زيادة الطلب على مكونات مثل الماتشا (+20 بالمئة) والسلمون البوكي (+56 بالمئة).

ولم يقف دور المنصات الرقمية وتيك توك عند هذا الحد، بل إن المؤثرين على هذه المواقع يساهمون أيضاً في تشكيل خيارات غذائية جديدة للمستخدمين. فتضيف الدراسة أن 55 بالمئة من البريطانيين يشترون منتجات معينة شاهدوها في مقاطع المؤثرين ومنشوراتهم على المنصات.

وقد أفضت هذه النتائج التي تطرقت إليها الدراسة إلى زيادة كبيرة في العناية الصحية المتعلقة بالطعام، فظهر دعم كبير للمنتجات الصحية مثل العصائر الطبيعية والألبان والوجبات قليلة الدهون وغيرها من الأطعمة والمشروبات، التي لم تعد مجرد وجبات للطعام فحسب، بل وسيلة لتعزيز صحة الإنسان النفسية والجسدية. كما ظهرت تغييرات جلية في نمط الطعام، حيث أصبح هناك ميل لتناول وجبات صغيرة بجودة أعلى بدلاً من الوجبات الكبيرة السابقة، وهو توجه يمكن اعتباره مفيداً للبيئة والاستدامة، ويجسد وعياً كبيراً بأهمية المحافظة على الغذاء والتقليل من الهدر الذي كنا نشهده في السنوات الماضية في بعض الدول.

ومن المفارقات التي رافقت هذه التوجهات أن استهلاك المشروبات الكحولية بدأ بالانخفاض مقارنة بالبدائل الصحية الخالية من الكحول، ما يضعنا أمام تحولات ثقافية كبيرة في الموقف تجاه الكحول وأضراره التي تعد غير مسبوقة في نتائجها.

إقرأ أيضاً: حينما يتعفّن الدماغ رقمياً

وإزاء كل ما تقدم أعلاه، يمكن أن تبرز أمامنا مجموعة من الدلالات حول هذه الدراسة ونتائجها المبهرة، فيما يلي أهمها:

أولاً: أصبحت منصة تيك توك عاملاً رئيسياً في تحفيز المستخدمين على تشكيل عادات وخلق ثقافة غذائية مغايرة للأنماط السائدة السابقة.

ثانياً: للمؤثرين سلطة واضحة في التأثير على قناعات المستخدمين وأفكارهم، وتوجيههم نحو استهلاك مواد غذائية معينة دون غيرها.

ثالثاً: لا يقتصر دور مواقع التواصل الاجتماعي على تغيير العادات السلوكية فحسب، بل في دعوتهم لتبني أساليب حياة صحية جديدة للإنسان، تعود بالفائدة أيضاً على البيئة التي يعيش فيها.

رابعاً: طريقة عرض المقاطع التي تتضمن الحديث عن الوجبات الغذائية في المنصات الرقمية، وبطريقة محترفة، قد تحل محل الإعلانات التقليدية عن الطعام.

إقرأ أيضاً: صور الأطفال ومواقع التواصل

إن هذا الارتباط الواضح بين السلوك الاستهلاكي للمستخدم وتأثير المنصات الرقمية بمختلف أنواعها، يعكس مدى عمق تأثير التكنولوجيا وتدخلها في قرارات الإنسان اليومية حول مختلف احتياجاته، ويجسد، في الوقت نفسه، قدرة المنصات الرقمية ونجاحها في تعزيز الوعي المتعلق بصحة الإنسان ودفعه لخيارات غذائية نافعة ومفيدة وخالية من الضرر.

إنه عالم جديد يتشكل بهدوء منذ سنوات بفضل عصرنا التكنولوجي وأدواته الرقمية الجديدة، التي غيّرت وستغيّر العديد من وجوه عالمنا، وبطريقة لم يشهدها تاريخ الإنسانية من قبل.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف