من السلوكيات الشائعة، بشكل كبير في العصر الرقمي، قيام الآباء والأمهات بنشر صور أطفالهم على منصات التواصل الاجتماعي المختلفة، من غير أن يدرك هؤلاء، للأسف، ما تحمله هذه الخطوة من تداعيات ونتائج قد تكون ذات أبعاد سلبية في الوقت الحالي أو المستقبل.

هذه الظاهرة تُعرف اصطلاحاً في الأدبيات الإنجليزية باسم Sharenting، وهي تتألف من كلمتي Share وParenting، أي مشاركة الآباء تفاصيل حياة أطفالهم، من خلال الصور ومقاطع الفيديو، عبر مواقع التواصل.

أسباب هذه الظاهرة تعود إلى عدة عوامل تدفع الآباء والأمهات للقيام بذلك، من أبرزها الضغط الاجتماعي ومتطلباته المعروفة، ورغبة الوالدين في التباهي والتفاخر بالأطفال، فضلاً عن الولع غير المنطقي بنشر تفاصيل الحياة الشخصية للأطفال أو الأسرة في مواقع التواصل.

بالرغم من شيوع هذه الظاهرة وانتشارها على نطاق واسع، إلا أنها تنطوي على تأثيرات ومخاطر كبيرة قد تترتب على الطفل والعائلة على المدى البعيد، إذ أن التصرف في الأساس يشكل خرقاً وانتهاكاً واضحاً لخصوصية الطفل، حتى وإن كان ذلك بصورة غير مقصودة، حيث إن الطفل لا يمتلك الوعي الكافي أو القرار للموافقة أو رفض هذا التصرف الذي قد لا يرغب فيه حالياً أو في المستقبل.

كما أن هذا النشر، خصوصاً المستمر، يُسهم في تكوين بصمة رقمية للطفل في الفضاء الافتراضي، وهو ما قد يحمل تداعيات على حياته في المستقبل وعلاقاته الاجتماعية، فضلاً عن إمكانية استغلال الصور بشكل جنسي مقزز من قبل بعض المرضى عبر برامج الذكاء الاصطناعي الكثيرة وسهلة الاستخدام.

وفي بحث مهم عن الموضوع قام به الأستاذ أيتن دوغان كسكين وزملاؤه، بعنوان "متلازمة مشاركة الأطفال: هل هي استخدام مناسب لوسائل التواصل الاجتماعي؟" تمت دراسة ظاهرة Sharenting في تركيا. وجدت الدراسة أن 86.9 بالمئة من المشاركين يعتبرون أن Sharenting قد يشكل نوعاً من الإهمال أو الإساءة للأطفال، خاصة عند نشر صورهم دون موافقتهم أو إدراكهم للمخاطر المحتملة. كما ركز البحث على الأضرار النفسية والاجتماعية التي يمكن أن تنجم عن هذه الممارسة، مثل تعرض الأطفال لانتهاكات تتعلق بالخصوصية واستغلال صورهم على الإنترنت، مؤكداً أن الأمهات يمارسن هذه الظاهرة أكثر من الآباء.

إقرأ أيضاً: محاصرة الذكاء الاصطناعي وترويضه

البحث يدعو إلى اتخاذ إجراءات حقيقية لزيادة الوعي حول مخاطر هذه الظاهرة وتداعياتها، ويحث الجهات المسؤولة على وضع قوانين أو لوائح لحماية الأطفال من هذه المخاطر والتحديات. كما يقترح البحث من جهة أخرى تقديم إرشادات وتوصيات وتعليمات للآباء حول كيفية استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بشكل آمن وبطريقة مسؤولة، وضرورة مراعاة مصالح الطفل عند اتخاذ قرارات تتعلق بنشر معلوماته أو صوره على مواقع التواصل.

هذه الظاهرة تطرح عدة إشكاليات أخلاقية ونفسية معقدة، خصوصاً مع ظهور تقنيات متقدمة للذكاء الاصطناعي قادرة على تزييف الصور واستخدامها بطرق غير مشروعة أو بأساليب غير قانونية. لذلك، ظهرت تشريعات في بعض الدول تتعلق بحماية حقوق الأطفال في الفضاء الرقمي، إلا أن تطبيق هذه القوانين يواجه تحديات كبيرة.

إقرأ أيضاً: البلوغر والفاشنستا... والمفاهيم المتداخلة!

ومن منظور عام، يُنصح الآباء الذين يصرون على نشر صور أطفالهم باتخاذ خطوات حذرة تضمن حماية خصوصية أبنائهم، وذلك من خلال الاستفادة من إعدادات الخصوصية المتاحة، وتحديد ما يُنشر بعناية وحذر، والابتعاد عن النشر المتكرر والتفصيلي. كما يجب على الآباء أن يتساءلوا عن دوافعهم الحقيقية وراء نشر صور أبنائهم: ما الذي يسعون إلى تحقيقه؟ وهل يتصورون رد فعل أبنائهم في المستقبل تجاه هذه الصور؟

يجب على الآباء والأمهات أن يكونوا أكثر وعياً بالجوانب المظلمة للعالم الرقمي، وما قد يترتب عليها من تداعيات خطيرة على مستقبل الطفل، من أجل اتخاذ قرارات تعكس احترامهم لحقوق أطفالهم وخصوصيتهم في عالم افتراضي لا حدود له.