فضاء الرأي

ترامب وأوكرانيا والحرب العالمية الرابعة

الرئيس الأميركي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماعهما في هلسنكي عام 2018
قراؤنا من مستخدمي تويتر
يمكنكم الآن متابعة آخر الأخبار مجاناً من خلال حسابنا على تويتر
إضغط هنا للإشتراك

ان تدير أميركا ظهرها لأوكرانيا، فهذا أمر متوقع وغير مستغرب من أميركا بشكل عام، كونها دولة رأسمالية، ومنظومة الفكر الرأسمالي بمختلف اتجاهاتها تقوم على تعظيم الربح المتأتي غالبًا من فائض القيمة الصناعية والزراعية. وهناك علاقة جدلية بين هذا الفائض والفكر الاستعماري وتوجهاته وأنشطته المختلفة، إذ إن فائض القيمة، لكي يتحول إلى ربح كبير، يحتاج إلى ركيزتين، وهما: توفر المواد الخام اللازمة للتصنيع والإنتاج بأثمان رخيصة، وكذلك توفر أسواق واسعة تفتقر إلى السلع والبضائع، وبعيدة كل البعد عن التنافس.

لذلك، كانت المحصلة النهائية لفلسفة الربح تستدعي من الدول الصناعية، وخاصة الكبرى منها مثل أميركا، البحث عن أراضٍ لاستعمارها تكون شعوبها في حالة افتقار صناعي وزراعي ومتخلفة بشكل عميق عن الركب النهضوي العالمي، لجعلها أسواقًا لتصريف البضائع الصناعية والمحاصيل الزراعية الأميركية فيها، فضلًا عن بيع السلاح إليها.

وفي هذا السياق، تكون أوكرانيا عبئًا مرهقًا للاقتصاد الأميركي، يتعارض ويتناقض تمامًا مع شعار الرئيس الأميركي الحالي دونالد ترامب "أميركا أولًا". فهذا الشعار لتاجر أبنية ومطور عقارات وراغب في التجارة بكل شيء ثمين ومربح، يخضع كل سياق أو نسق ضمن إطار فلسفة السياسة الخارجية الأميركية إلى مسألة الربح والخسارة. وفي الحسابات التجارية، التي من المعروف عنها أنها تقوم على تعظيم الربح، تكون معطيات الدور الأوكراني في الحرب الروسية الأوكرانية صفقة خاسرة بالنسبة لدونالد ترامب.

إقرأ أيضاً: إسرائيل والحرب النفسية ضدها

فهو، في شعاره "أميركا أولًا"، يريد أن تكون أرباحه هو أولًا، وتعزيز الاقتصاد الأميركي بعوامل وعناصر القوة والتنمية، حتى التنمية الاجتماعية التي هي من صميم سياسة الاستعمار، لأنها توفر الرفاهية والعيش الرغيد للشعب الأميركي. وعليه، فإن هذا الشعار يستدعي من الرئيس الأميركي ترامب، على أقل تقدير، تقليص المساعدات الأميركية إلى أوكرانيا، إن لم نقل إنه قد يقوم بقطعها بشكل نهائي.

ويظهر لي، من مسار أحداث العلاقات الثنائية الأميركية &- الأوكرانية، أن هناك مقترحات، إن لم نقل إملاءات أميركية &- ترامبية على الرئيس الأوكراني فلوديمير زيلينسكي، تتضمن منه اعتماد تنازلات تتمحور حول التخلي عن الأراضي التي احتلتها روسيا قبل غزو أوكرانيا، مثل شبه جزيرة القرم، والأراضي التي استولت عليها روسيا بعد الغزو من الأراضي الأوكرانية، لضمان تسوية للحرب بين روسيا وأوكرانيا بإشراف ووساطة أميركية. ويبدو أن الرئيس الأوكراني يرفض ذلك.

إضافة إلى رفضه خطة الرئيس ترامب، التي تقضي بوضع المعادن الثمينة في أوكرانيا تحت تصرفه بشكل خاص، فترامب ليس مجرد تاجر عقارات، بل هو تاجر في كل شيء ثمين يدر أرباحًا. فهو رجل أعمال متعدد المواهب والاتجاهات والاهتمامات، لذلك يضغط على زيلينسكي من أجل استحواذه على ثروات أوكرانيا الثمينة.

إقرأ أيضاً: هل يسكت حزب البعث السوري؟

غير أن الرئيس الأوكراني رفض قبول المقترح الترامبي، كما رفض تسليم خيرات بلاده إلى ترامب للتحكم فيها. وقد أدى ذلك إلى إثارة غضب وامتعاض ترامب منه بشكل خاص، مما نتج عنه ازدراء ترامب لزيلينسكي، وبدأ بإطلاق تهديداته البهلوانية ضده، معتبرًا أنه لا يستحق أن يكون رئيس دولة، ولا بد من تغييره. والأسوأ من ذلك، صرّح ترامب بأن أوكرانيا ليست دولة، ولا توجد هناك دولة اسمها أوكرانيا.

وزبدة القول إنَّ هذا التصريح يعكس رغبة ترامب في ابتلاع أوكرانيا، أو أنه سيتعامل بشأنها أثناء المفاوضات مع روسيا حول إمكانية إيقاف الحرب، دون مشاركة وفد أوكراني برئاسة زيلينسكي أو أي مسؤول أوكراني آخر. وهذا تنفيذ عملي لموقف ترامب من أوكرانيا بأنها ليست دولة، وقد يجعلها الولاية الأميركية الـ52 بعد كندا.

إقرأ أيضاً: سوريا والمصائب الكثيرة القادمة

هكذا ستكون صورة العلاقات المستقبلية بين أميركا وأوكرانيا، وفق المنهجية السياسية وأساليبها الدبلوماسية تجاه دول العالم الأخرى، والتي تنذر بأن العالم مقبل على حرب عالمية رابعة. لأنني أعتقد أن الحرب بين غزة وبين الفلسطينيين وإسرائيل هي الحرب العالمية الثالثة، فقد شاركت فيها، من جهة إسناد ودعم إسرائيل، أميركا والدول الأوروبية، ومن جهة دعم وإسناد المقاومة الفلسطينية، شاركت فصائل المقاومة العراقية وإيران واليمن ولبنان، ممثلًا بحزب الله.

فعدد كبير من دول العالم وشعوب الأرض وأممها يرفض الوصاية الأميركية عليها، ويتقاطع بشدة مع الإملاءات الترامبية الفوقية المزدرية للآخر، التي ستؤدي في المستقبل القريب إلى حرب بين الدول الأوروبية وأميركا، ثم إلى الحرب العالمية الرابعة.

التعليقات

جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف